تفجيرات القطيف: البيت الأبيض قلق من «داعش»

عامر نعيم الياس

أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عن العملية الانتحارية الإرهابية التي استهدفت مسجداً في منطقة القديح في القطيف السعودية، ناشراً صورة «أبي عامر النجدي» منفّذ العملية. هي العملية الأولى التي يتبنّاها التنظيم في أراضي بيئته المذهبية الحاضنة، على رغم الدعم السعودي الواضح للتنظيمات المتطرفة الوهابية على امتداد ساحات الشرق من اليمن إلى سورية، وخوض حرب بالوكالة ضد طهران بحجة وقف المدّ الشيعي، إلا أن العملية تلقّي بظلال من الشك حول دور وفاعلية تنظيم «داعش» داخل المملكة الوهابية، ومستقبل النشاط الميداني للتنظيم على أرض المملكة، خصوصاً أن البيت الأبيض تعاطى بحذر وتحفظ مع النبأ، محاولاً عدم الترويج لفكرة وجود «داعش» على أرض المملكة، إذ جاء في بيانه الذي أدان فيه الهجوم «أنه لا يستطيع تأكيد إعلان تنظيم داعش مسؤوليته».

التفجير الانتحاري الذي جرى في القطيف وُضع في خانة واحد من سيناريوين:

الأول، أن يكون آل سعود هم من أداروا العملية وسهّلوا للانتحاري الدخول إلى القطيف وتنفيذ عمليته بهدف إيصال رسالة إلى أهالي المنطقة الشرقية التي تشهد حراكاً مجتمعياً متزايداً، بأن البديل عن آل سعود هو «داعش»، وبالتالي لا داعي للرهان على الضغط على الدولة السعودية من أجل دفعها لتقديم تنازلات لأبناء المنطقة الشرقية. هذا السيناريو وإن كان ليس غريباً عن الفكر السياسي سواء في الغرب أو الشرق، إلا أنه في حالة كحالة القطيف وفي ضوء الظروف الإقليمية وطريقة التعاطي الداخلي لنظام الحكم السعودي مع أهالي المنطقة الشرقية، لا يملك أي حظوظ على الأرض، لا بل إنه يصبّ في خانة التوقعات التي تضخّم من نظرية المؤامرة إلى الحدود القصوى، فالجميع يعلمون أن أهالي المنطقة الشرقية يعامَلون كمواطنين من الدرجة الثانية، وهم محرومون من أبسط حقوقهم المدنية، ويتعرضون لحملات قمع منظّم بين الحين والآخر. وعليه فإن محاولة خلف افتراق في الخيارات بين وهابية آل سعود ووهابية «داعش» بالنسبة إلى أهالي المنطقة الشرقية، أمر لا ينطلي عليهم، ولا يمكن لأحد بمن فيهم آل سعود أن يراهنوا عليه.

الثاني، أن التفجير يؤسّس لبدء موجة من العمليات «الداعشية» داخل حدود المملكة السعودية، التي تستهدف الشيعة أولاً، واللعب على العامل المذهبي الذي شكّل رافعة عمل آل سعود في حرب تدمير المنطقة من اليمن إلى العراق فسورية. ولعل بيان البيت الأبيض المتحفظ أدرك هذا الأمر، وأراد بكل بساطة ألّا يؤكد وجود «داعش» في المملكة، يقيناً منه بتداعيات ذلك على الأوضاع الداخلية في المملكة واستقرار الحكم فيها، كون التنظيم يملك القاعدة الأكثر خصوبة والأغنى داخل أراضي المملكة السعودية التي يحكمها فكر «داعش»، إنما بهيئة أكثر اعتدالاً. هنا يحضر الصراع بين أجنحة الوهابية إلى واجهة التفكير الاستراتيجي الأميركي، وتأثير وجود «داعش» داخل المملكة على ترجيح كفّة وجه الوهابية المتشدّد سواء في صفوف النخب السعودية، أو في صفوف المعارضة للنظام الحاكم من داخل المؤسسة الوهابية.

لا تريد واشنطن بثّ دعاية مجانية لوجود «داعش» في السعودية، فالاعتراف بذلك يساهم في إعطاء دفع إعلاميّ وبالتالي نفسيّ شعبيّ للتنظيم داخل أراضي المملكة، لكن على رغم ذلك، فإن عملية التنظيم الأولى ستمهّد لعمليات أخرى في المدى المنظور، لن تستطيع واشنطن ومحمد بن نايف إخفاءها.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى