وضوح استراتيجي وغموض تكتيكي يكسران التكهّنات

لمى خيرالله

منذ بداية الأزمة التي عصفت بسورية والحرب التي جاوز عمرها 4 سنوات ونيف ما زالت تتكرر علاقة تبادلية تتراوح بين الوضوح الاستراتيجي والغموض التكتيكي للحكومة السورية، فتبدأ التكهنات وتمتلئ المقالات والشاشات، بتحليلات تطاول ردود الجيش السوري وذكاء القيادة العسكرية والتي كان آخرها انسحاب الجيش من تدمر… وما هو السبب في تمدد «داعش» ومحاولة سيطرته عليها في هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا تريد الولايات المتحدة الأميركية سيطرة «داعش» وتمركزها في تدمر؟ وما هو وجه المقاربة بين توقيت واشنطن نيّتها تسليح العشائر في العراق وتقسيمها بين سنة وأكراد وخسارة الرمادي فور رفض القرار؟ أسئلة مشروعة تطرق أبواباً مفتوحة ليكون الجواب حسماً عسكرياً لمن عاهد وصدق بتسطير ملحمة بطولية جديدة يشيدها التاريخ بتحرير وفك الحصار المفروض على أسرى جنود المستشفى الوطني في جسر الشغور من قبل تنظيم قاعدة الجهاد في الشام و»جبهة النصرة» وحلفائهما.

الذكاء السوري الاستراتيجي والعمليات المباغتة في ظل مواقف تبدو لمحور الحرب على سورية غامضة مفاجئة رسمت خطط الجيش السوري الذي وضع العدو في متاهة يحار في فك ألغازها سيما أنه انسحب من تدمر وترك أرتال تنظيم «داعش» تمر من العامرية في دير الزور إلى السخنة ليرسل رسالة للغرب بإعادة ترتيب أولوياته خصوصاً في ظل دعمه اللوجستي والمادي من جهة وادعائه محاربة «داعش» والإرهاب من جهة أخرى فوصول «داعش» الى تدمر تحت أنظار أميركا ودعوة اليونسكو لإيقاف فوري للقتال في مدينة تدمر الأثرية، والتي ناشدت على لسان المديرة العامة لليونسكو «إيرينا بوكوفا» في بيان لها قائلة: «من الضروري أن تراعي كل الأطراف الالتزامات الدولية بحماية التراث الثقافي وقت الحرب بتفادي الاستهداف المباشر وكذلك استخدامه لأغراض عسكرية» ما هو إلا فخٌ أعدته قيادة سورية ماهرة لاستنزاف «داعش» ومباغتة «النصرة» في جسر الشغور ولكشف أوراق المطبخ الدولي الذي باتت خططه أوهن من بيت العنكبوت بعد أن انقشع الضوء عن ألاعيبه التي بدأت بإنشاء تحالف لقطع أواصل «داعش» في المنطقة ومحاربة الإرهاب في كل من سورية والعراق، فما كان إلا أن تمدد التنظيم وعاث فساداً ودماراً وقتلاً وإرهاباً.

وتركت الحكومة السورية بكل دهاء الباب موارباً أمام طائرات التحالف الأميركي لتكشف زيف قناعها أمام الساحة الدولية مع وضعها خطوطاً حمراً عنوانها ممنوع الاقتراب، فاللافت أن الطيران السوري سبق وأسقط طائرة استطلاع أميركية من دون طيار حلّقت فوق سماء مدينة اللاذقية الخالية من وجود تنظيم «داعش» الارهابي ليسقط معه زيف واشنطن عزمها محاربة الارهاب.

المناوشات والاشتباكات بين ما يسمى بتنظيم الدولة والفصائل المسلحة لا تزال قائمة ضمن إطار محاولة إقصاء «الأول» عن منطقتي القلمون الشرقي والغوطة الشرقية فتمكّن «داعش» من الوصول الى القلمون الشرقي يتيح له شقّ خط إمداد لمسلحيه يبدأ من المنطقة الشرقية «الممتدة أياديه فيها» ويصل حتى القلمون الشرقي مروراً بمدينة تدمر، ليتجلى هنا الذكاء بفعل استراتيجي بعدم الوقوع في الانفعال واعتبار الشجاعة تكتيكية والتمسك بها كشرط عملياتي في اتخاذ القرار .

تحرير الجنود المحاصرين رسالة متعددة الاتجاهات محورها جيش لا يتعب جيش لا يتخلى عن جنوده جيش مستعد لكل المخاطر – فما بعد تحرير المحاصرين تبرز إمكانية تحرير الشمال سيما أن عملية فك الطوق عن حامية مستشفى جسر الشغور جاءت في يوم الذكرى السنوية الأولى لفك الطوق عن سجن حلب المركزي العام الماضي، والذي كان محاصراً من قبل ما يمسى «جبهة النصرة».

من تدمر، يحضر السؤال ما السبب الذي يمنع مجلس الأمن من اتخاذه إجراءات حقيقية بحق وسائل الإعلام المروجة للتنظيم وقوته، بخاصة الخليجية منها والتي تهلل لـ «انتصار داعش» في تدمر، على اعتبار أن الدعم الإعلامي واحد من أساسيات دعم الإرهاب؟ وماذا وراء مغادرة القوات السورية خطوط القتال في لؤلؤة الصحراء؟ وهل انتهت المعركة هناك؟

إجابات تحضر في مشاورات جنيف القائمة منذ مطلع الشهر الحالي، على صفيح ساخن خصوصاً أن النقاش بين الحكومتين الروسية والأميركية لم يحسم بعد، وعلى ذلك يمكن القول أن لهيب حرارة الميدان يحسم كل الرهانات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى