روسيا تتحرك نحو السعودية لحلّ سياسي يمني وقطر تستحضر الجولاني الرياض لخطوات عدائية ضدّ حزب الله… وبرّي يبشر بعطلة نيابية مديدة

كتب المحرر السياسي:

العين شاخصة على الميدان الممتدّ للمواجهة المفتوحة، من لبنان وسورية إلى العراق وصولاً إلى اليمن، وكلّ الأطراف الدولية والإقليمية تهيّئ أوراقها لمرحلة ما بعد جولة المواجهة الحاسمة الممتدّة إلى الثلاثين من حزيران. شهر كامل سيحبس العالم أنفاسه وقد حدّد كلّ فريق أوراق قوّته ومحاور خط هجومه، والحصيلة ستكون رصيداً يوضع في حساب الرابحين ويحسم من حساب الخاسرين.

كلّ شيء في المنطقة من حراك سياسي هو تهيئة منصات للتفاوض، وعبرها للتسويات، لكن من دون التورّط الآن بخطوات عملية. المسموح هو فقط تهيئة المنصات، أما الحراك المتسارع نحو الحلول فيبدو مجمّداً في انتظار ما ستحمله أخبار ميادين القتال.

واشنطن تهيأت وهيأت لما بعد الثلاثين من حزيران، استراتيجية خروج عنوانها التفاهم مع موسكو على عنوان يبدأ من مفتاح تمّت صياغته في لقاء نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع نظيره الأميركي دانييل روبنشتاين، ومضمونه، لا بديل عن الرئيس السوري وحكومته، وإلا تحوّلت سورية إلى ليبيا أخرى أو صومال آخر. ووضعت واشنطن الورقة في جيبها كخط خروج في حال الفشل تستردّه بعد الثلاثين من حزيران، إذا فشل حلفاؤها في تحقيق إنجاز، ومحور الإنجاز ما سينجم عن ثنائية تعظيم «داعش» وتسويق «النصرة»، التي تشكل استراتيجية شهر حزيران، بعدما ضمنت واشنطن تقديم «داعش» من الرمادي وتدمر بتسهيل أميركي مكشوف، كمصدر للخطر، عليهم أن يسوّقوا جبهة «النصرة» كجهة قادرة على التصدي لمخاطر تمدّد مقاتليه. ومن دون إبطاء، لأن ليس هناك مزيد من الوقت، سارعت قطر إلى استحضار أبو محمد الجولاني أمير «النصرة» على قناة الجزيرة، بينما تتولى فرنسا تحضير أوراقها لبدء مفاوضات مع «النصرة» تحت شعار تفادي سيطرة «داعش» وتقسيم سورية، لا بدّ من إدماج «النصرة» في الحلّ السياسي، وتقديمها كقوة اعتدال يمكن التشارك معها، أسوة بحركة حماس بعد دمج ملفيهما معاً، باعتبارهما، وفقاً للتوصيف الفرنسي، قوتين شعبيتين ترتكبان ممارسات إرهابية يمكن إدماجهما في العملية السياسية.

موسكو بعد التوصل مع واشنطن إلى معادلة لا بديل للرئيس السوري، كمنصة جاهزة لما بعد استهلاك واشنطن لخيارات بدائلها مع حلفائها من «النصرة» وسواها، تشتغل على الملفين العراقي واليمني. ففي العراق قرّرت تزويد الجيش العراقي بصفقة مروحيات متطورة عاجلة لتسريع نجاحه في استرداد الرمادي، بالتالي إسقاط التهويل بخطر «داعش» كقدر لا يردّ، وفي الملف اليمني وصل بوغدانوف إلى الرياض حاملاً مقترحات تمّت صياغتها في اللقاء المشترك مع نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، على قاعدة اليقين بأنّ الرياض ليست جاهزة بعد للحلول، لكن لا بدّ من تهيئة منصات الحلول التفاوضية.

طهران وحلفاؤها وضعوا خطتهم للشهر المقبل، ليكون هو الشهر الحاسم، فالجيش السوري وحزب الله وضعا مهمة تصفية جبهة «النصرة» في منطقة نفوذها المركزية في القلمون، لضرب حصان الرهان للمعسكر الذي تقوده واشنطن وتتصدّره السعودية وتركيا و»إسرائيل»، بينما يتولى الجيش العراقي ومعه الحشد الشعبي خطة ضرب «داعش» وهزيمته عبر خطة التحرير للرمادي بعدما قامت إيران بتقديم كلّ ما يلزم للفوز بها، على رغم الغيظ الأميركي، وبيانات التشكيك. ومثلما سجل حزب الله والجيش السوري المزيد من الإنجازات النوعية في جبهة القلمون سجل الجيش العراقي والحشد الشعبي المزيد من النجاحات.

الهستيريا السعودية مستمرّة، غارات وحشية على اليمن، وعناد سياسي بلا أسس ومقدّمات وقدرات، والجديد تصعيد عدائي ضدّ حزب الله بإدراج اثنين من قادته على لوائح الإرهاب، بينما وضع ثوار اليمن مهمّتهم للتوغل أكثر فأكثر بالصواريخ والتقدّم البري في العمق السعودي، وفقاً لمعادلة نجران وما بعد بعد نجران، رداً على تصعيد العدوان.

لبنان يتلقى تردّدات المتغيّرات، وكلها مزيد من التوتر، واليوم مجلس الوزراء سيكون ساحة لهذا التوتر بمناقشة التعيينات الأمنية والوضع في عرسال، بينما بشّر رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد ردّه على الابتكار القديم الجديد لقوى الرابع عشر من آذار باعتماد نصاب النصف زائداً واحداً لانتخاب رئيس الجمهورية، بعطلة نيابية مديدة.

معركة جرود عرسال بدأت وفقاً لأسلوب حزب الله

بدأت معركة جرود عرسال، لكن وفقاً لأسلوب حزب الله الذي أثبت أنه يمتلك نهجاً مثالياً لا يدركه الا القلة القليلة من المعنيين بالشأن. لأول مرة بعد عمليات القلمون، يعلن عن التصدّي من قبل حزب الله لجبهة «النصرة» في جرود عرسال، وهذا الأمر يتماهى مع كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله «أننا لن نترك الإرهابيين على أبوابنا».

ونفذ حزب الله عملية نوعية، رصد خلالها المقاومون بواسطةِ طائرةِ استطلاعٍ مسيرة مجموعة إرهابية من جبهة «النصرة» كانت تنوي تنفيذ عملٍ ارهابي في جرود عرسال لجهة جرود نحلة ، فعمِل حزب الله على استهدافها وقتل كامل افرادها بينهم قائد ميداني، وتدمير آلية عسكرية وغرفة اجتماعاتهم .

وكانت الطائرة رصدت انطلاق المسلحين من منطقة الكسارات الجردية الواقعة جنوب عرسال وتمّ استهدافهم قبل توجههم شمالا باتجاه جرد نحلة. ودارت بعدها اشتباكات بين مجاهدي حزب الله والتكفيريين الذين تمّ قتلهم جميعاً.

قرار اقتلاع «النصرة» من القلمون

وأكدت مصادر مطلعة لـ»البناء» «أنّ العملية تعتبر مهمة جداً فهي أظهرت عن قدرات اضافية ونوعية لحزب الله، أذهلت الأصدقاء المتابعين والخصوم على حدّ سواء، فهي تمّت على أساس رصد متواصل من الجو والبرّ، وانّ حزب الله وجّه رسالة بالغة الأهمية الى جبهة «النصرة» أنه اتخذ قرار اقتلاعها من القلمون، وهو قادر على ذلك».

ولفتت المصادر الى «أنّ أهمية هذه العملية هي أنّ المقاومة ترصد تحركات وعمليات المسلحين، ولأول مرة تستخدم وسائل تقنية متقدّمة، فضلاً عن قدرتها على التكيّف مع الظروف، فلم تعد التقنيات المتقدّمة حكراً على «إسرائيل» وغيرها من الدول المتقدّمة، بل باتت لدى المقاومة القدرة على استخدام الطائرات المسيّرة لرصد وضرب التحركات المعادية».

وقال مصدر عسكري لـ»البناء «إنّ عملية المقاومة والجيش السوري في القلمون بدأت منذ اليوم الأول ايّ بعد السيطرة على جرود عسال الورد ونفذت على مراحل لأنّ ايّ عملية عسكرية تنفذ على مراحل ونحن الآن في المرحلة الأخيرة، أيّ السيطرة على جرود عرسال».

وأشار الى «أنّ عملية الأمس هي عمل عسكري هجومي لأنّ المجموعات المسلحة تتحرك بشكل دائم للقيام بأعمال عدائية وهي عملية محدودة وجزء من جملة أعمال تؤدّي إلى تحقيق أهداف المرحلة الأخيرة».

وتحدّث المصدر عن «أنّ جبهة النصرة كانت تنوي فتح ثغرة في منطقة الطوق الذي ينفذه حزب الله والجيش السوري من جهة والجيش اللبناني من جهة اخرى عليها»، معتبراً «أنّ استمرار محاولات هؤلاء بالبحث عن ثغرات سيؤدّي الى فتح معركة واسعة في عرسال وجرودها».

وتوقع المصدر «أنّ المسلحين المستهدفين في العملية كانوا سيتجهون جنوباً للسيطرة على أحد المراكز التي سيطرت عليها المقاومة او للتعرّض لأحد القرى او للقصف عليها او التقدّم باتجاه الغرب ايّ بلدة عرسال او مواقع الجيش اللبناني المنتشرة في المنطقة».

وأوضح «أنّ المقاومة ستلجأ الى تطهير جرود عرسال اذا تقاعست الحكومة عن القيام بدورها، مذكراً بما قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأنّ المقاومة لن تسمح بهروب المسلحين الى جرود عرسال والتمترس والتحصّن فيها وتحسين مواقعها وفتح خطوط إمداد من الغرب او الشرق من البادية شمال جرود عرسال».

وأكد «أنّ هذه العملية جاءت نتيجة الضربات المعنوية التي تلقاها المسلحون في الأسبوعين الماضيين»، مستغرباً «أن يدفع الجيش ضريبة عدم أخذ الدولة القرار السياسي لإنهاء ظاهرة الإرهاب في المنطقة منذ سنتين وأكثر».

عرسال والقلمون والتعيينات على طاولة مجلس الوزراء اليوم

حكومياً، يبحث مجلس الوزراء اليوم بناء على طلب وزيري التيار الوطني الحر الياس بوصعب وجبران باسيل ملفي عرسال والتعيينات الأمنية، كما سيطرح وزراء 14 آذار في المقابل ملف القلمون بحسب ما أعلن وزير العمل سجعان قزي لـ»البناء»، لافتاً إلى «أنه غير متفائل بجلسة اليوم التي قد تشهد مواقف تصادمية من شأنها ان تؤدّي الى إرجاء البحث في هذا الملف الى جلسة لاحقة»، من دون أن يستبعد قزي اعتكاف وزيري التيار الوطني الحرّ موقتاً، وتضامن وزيري حزب الله محمد فنيش وحسين الحاج حسن معهما».

ولفتت مصادر مطلعة لـ»البناء» إلى «أنّ موافقة تيار المستقبل على معالجة وضع عرسال يعني انهزامه أمام حزب الله، ورفضه البحث في هذا الموضوع يعني تشريع الوضع الإرهابي، وبالتالي فإنّ الحلّ عنده عدم طرح الملف على طاولة مجلس الوزراء».

وتوقعت المصادر «أن تشهد جلسة اليوم مشادّة بين وزراء حزب الله وتيار المستقبل حول الموضوع، فيتدخل رئيس الحكومة بينهما وصولاً الى إرجائه البحث في الملف إلى جلسة أخرى كنوع من التسويف والتأجيل للملفات الصدامية، فالرئيس سلام لن يغضب تيار المستقبل بالموافقة على دعوة الأمين العام لحزب الله الحكومة الى اتخاذ قرار بمعالجة وضع عرسال، ولا يمكنه الوقوف ضدّ حقيقة الخطر الإرهابي المتواجد في عرسال وجرودها».

وأكد وزير الشباب والرياضة عبد المطلب حناوي لـ»البناء» «أنّ الدخول إلى عرسال يحتاج إلى دراسة تعدّها قيادة الجيش حول طبيعة الأرض والعتاد والعديد والأسلحة والامور اللوجستية، وتقدّمها الى مجلس الوزراء، ليُبنى على الشيء مقتضاه».

ودعا حناوي تيار المستقبل وحزب الله الى «أن يضعوا ملف عرسال على جدول أعمال حوارهما في عين التينة، وان يتفقا على تكليف الجيش تطهير البلدة»، معتبراً أنّ الدخول الى عرسال من دون عملية توافقية ومن دون تحضير الفئات الشعبية قد يؤدّي الى عواقب كارثية على الوضع في لبنان»، في حين أنّ الاتفاق بينهما سيجنّب لبنان وأهالي البقاع الأوسط والشمال خسائر كبيرة وسيؤدّي الى نجاح المعركة ضدّ الارهابيين».

وكان مجلس الوزراء تابع أمس مناقشة بنود الموازنة وكان هناك توافق على إقرار موازنات وزارة الاتصالات والعمل والإعلام، وتمّ إرجاء مناقشة موازنة وزارتي الصحة والاقتصاد في غياب الوزيرين وائل ابو فاعور والان حكيم.

كما وقع مجلس الوزراء على مرسوم إعطاء منح تعليم بناء على طلب وزارة العمل بصورة موقتة للمستخدمين والعمال، بحيث يستفيد الأجير من منحة تعليم عن أولاده بـ300 ألف ليرة لبنانية للطالب المنتسب الى المدارس الرسمية والمجانية والمؤسسات الخاصة بالمعوقين و750 ألف ليرة لبنانية لكلّ طالب منتسب الى الجامعات والمدارس الخاصة و450 ألف ليرة لكلّ طالب منتسب الى الجامعة اللبنانية وتبعاً للنصوص التي اعتمدت في السنتين الماضيتين.

بري يبشر بعطلة مديدة للمجلس النيابي

وفي عين التينة حضر الوضع الأمني في عرسال وجرودها والتعيينات الأمنية والعسكرية في لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الداخلية نهاد المشنوق. وعُلم أنّ المشنوق لن يطرح قضية التعيينات إلا بعد استكمال جولته على المرجعيات السياسية المعنية.

وكان بري بشر في لقاء الأربعاء الذي طار بين الصين وكوبا والكويت، بعطلة مديدة للمجلس النيابي في العقد الاستثاني، وأسف لتعطيل التشريع وعدم تمكين المجلس من عقد جلسات تشريعية لدرس وإقرار سلسلة مشاريع مهمّة تتعلق بالأوضاع الاقتصادية والإنمائية والتزامات لبنان في الاتفاقات والبروتوكولات مع جهات وهيئات دولية طوال العقد العادي.

وأوضح بري في معرض تعليقه على اقتراح نواب 14 آذار من بكركي إجراء الانتخابات الرئاسية بنصاب النصف زائداً واحداً «انّ الانتخابات الرئاسية تحصل بالثلثين منذ الاستقلال، ومعيداً هؤلاء الى فترة الاجتياح «الاسرائيلي» عام 1982 وكيف أنّ الانتخابات الرئاسية يومذاك وفي ظروف استثنائية لم تتمّ إلا وفق نصاب الثلثين»،

وقال: «لا نستطيع الإمعان في مخالفة الدستور والزعم أنّ فراغاً رئاسياً يوجب تعطيل المؤسسات، فهل في هذا فائدة؟ وهل هي الطريق التي تؤدّي إلى انتخاب الرئيس؟ المثال معنا ما حصل وما يحصل، والدوامة التي نعيشها، وكأنّ الدستور صفيحة من تمر نأكله حين نجوع».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى