حيرة ثقافية

بلال شرارة

الأشخاص الثقافيون في المقهى كانوا يعلّقون على الأخبار المتناقلة حول مجزرة «داعش» في تدمر، بأنّ عدد القتلى بناء على أخبار المرصد السوري 217 وليس 400. أحدهم كان خائفاً حدّ الموت، فسأل «ماذا يريد منا السيد نصر الله؟» «ليش التعبئة العامة؟» ردّ آخر: «إنها مجرد إشاعة»، واحد ثالث قال: «كيف الفكاك من هذا المغطس؟»، فتفلسف رابع قائلاً: «شو كان بدنا بالقصة؟» السيدة التي تتحمّلنا دائماً قالت: «لو لم نذهب إليها القصد المجموعات الإرهابية ونقاتلها لكانت الآن في بيروت. هنا في الروضة حيث تجلسون». من قال إنهم يقومون برسم نهاية للتاريخ في بلاد ما بين النهرين وسورية فقط وليس في كلّ الشام والشرق. وأضافت: «يا سادة يا أفاضل بعد قليل من الآن… بعد تدمر… سيستهدفون حمص بعلبك والبتراء… والأهرام. سيسرفون الهرم»، وتذكرتْ فيلماً بطله محمود ياسين وهو يصرخ: «الهرم اتسرق!» وقالت: «يا جماعة من قال إنّ أيّ هدف هو أعز عليهم من الشام أو بغداد أو حمص أو حلب؟ وشو يعني أهون إذا كان ضحايا المجزرة في تدمر 217 وليس 400 في الحالتين بينهم نساء وأطفال… إنهم يحرّرون سورية من الأحياء وليس من النظام».

وسألتهم: «مَن قال إننا سنعبر إلى آخر حزيران ثم ينتهي كلّ شيء؟» وقالت: «في أول تموز سيبدأ كلّ شيء لا شيء سينتهي في اليمن بكبسة زر. ولن تنتهي حرب الرمادي ولن يستطيع أحد أن يضع خاتمة سعيدة لجمهورية «داعش» في العراق والشام قريباً، وما يجري ليس بسبب أن يد إيران مغلولة بسبب انتظار توقيع الاتفاق النووي في آخر حزيران. ما يجري استكمال لما جرى، كما أنّ ما يجري هجوم كامل لمشروع الأوسط الكبير مستخدماً كلّ أدوات الحرب والسياسة والاقتصاد والديبلوماسية، معتمداً أسلوب الفوضى البناءة بالنار والاستثمار على المشكلات النائمة التي في إطارها كلّ شيء قابل للقسمة على اثنين حتى البني آدم ، والهدف يا سادة، السيطرة على الموارد الطبيعية والبشرية للمنطقة وتقسيم المقسّم، يعني خلق «إسرائيليات» لأعراق وطوائف ومذاهب غير متعايشة مع بعضها، تدور حول إسرائيل وتبرّر الدولة اليهودية».

وقالت السيدة مشيرة في كلّ اتجاه: «يا سيد يا شاعر يا أديب يا رسام يا مخرج: التعامي عمّا يجري والتصرف على قاعدة حلوا عن ظهري بسيطة والتهجّم ذات اليمين وذات الشمال واتهام هذا القائد أو ذاك بالتطرف وتوريطنا، مشكلة عندكم ليش من كان يشاوركم من شاوركم من قبل بأبسط القضايا مثلاً: وضع اليد على قلب بيروت وإنشاء سوليدير؟ هل قدّموا لكم رشوة بإعمار قصر للثقافة مثلاً؟ يا سادة هل أخذوا رأيكم بتوقيع اتفاق القاهرة أواخر الستينيات؟ هل تباحثوا معكم في تطوير صيغة النظام السياسي وتحديثه هل… هل… هل إلى آخر الأسئلة؟ كم مرة ضرب كلّ واحد منكم أثناء التحرّك المطلبي الطالبي في محيط مجلس النواب في ذات زمان؟

كم مرة تظاهرتم من أجل وحدة اليمن ومن أجل كلّ القضايا العربية؟ الآن، المنطقة تسقط بالجغرافيا وتمهّد بالنار لإنشاء دويلات، والأحداث لن تتوقف، ستتصاعد في كلّ مكان. في العراق لن تتوقف عند حدود تحرير الأنبار، وفي سورية لن تنتهي بالحسم العسكري هذا مستحيل ، وفي ليبيا وفي الجوار الليبي الأمور ستكبر، ولبنان لن يبقى فقط مساحة للتوترات السياسية والطائفية والمذهبية، ولن ننتخب رئيساً واحداً ربما ننتخب أكثر من رئيس، في المدى المنظور نحن في الشرق ذاهبون إلى كونفدراليات! سنقع في جمهوريات جديدة ستشبه المنطقة أذواقنا على هذه الطاولة نحن نقدم إجابات للتساؤل عن طلباتنا: قهوة مغلية، قهوة اكسبرسو ، منقوشة زعتر بزيت فرام أو بزيت دوار الشمس ، شاي أخضر، شاي أحمر، قهوة أميركان، نسكافيه بحليب أو كافيه مات دايت ، قنينة ماء كبيرة.

سيصبح الوضع مثلنا، أوطان تتعكز على عصا بعضها بعضاً».

سأل أحدهم: «هل بإمكاننا أن نفعل شيئاً؟»

قالت السيدة: «المقاومة».

تطلّع الجميع باستغراب… هم مقاومة؟ لم يسبق لهم أن تعرّفوا إليها شخصياً ومارسوها! يكتبون عنها عن استشهاد الناس، عن دمائهم، يلوّنون الأرض بالحبر ويكتبون أشجاراً وأخباراً، ومعظمهم سبق له أن كتب عن موت آخرين يموتون. معظمهم يعيش على الذاكرة على أنه سمع كلمة من هنا وهناك. قطف وردة كلام من هنا وهناك.

وصل أحدهم مثقف خارج الأسئلة والأجوبة، سأله أحدهم: شو الأخبار؟ أجاب: «يا عمي ما عم افهم! غارات مستمرة للتحالف ولكن «داعش» في حالة هجوم كيف ذلك؟» قال أحدهم: «ربما تمهّد له الطائرات الطريق أو أنها ترى له الفراغات على الأقلّ؟ ربما يحدث ذلك».

أقول للسادة الثقافيين، انتبهوا نحن آخر أو أول خطوط دفاعكم، لا فرق بين خطي الدفاع الأول والأخير، إذا انهار حبر دمنا، فلن يبقى لكم مجال لتريقوا أحباركم على الورق، ستتحوّلون إلى مجرد مقطع سيّئ لقصيدة مستحيلة غير مكتملة في ذكرى عبد الأمير عبد الله أو غيره.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى