النازيون الجدد

شهناز صبحي فاكوش

طغت النازية على أوروبا في زمن ما… لكن إرادة الشعوب الحرة ورفض الاستبداد النازي، الذي انتهك الحرمات واستمرأ التطهير العرقي، جعلت التخلص منه سبيلاً لا مناص منه. انتهت النازية في زمنها… لكن يبدو أنها نار تحت الرماد…

النازية حية رقطاء تبدّل جلدها أكثر من مرة، أو حرباء يمكنها التلوّن عشرات الألوان… دخلت القرن الحادي والعشرين بجلد «القاعدة»… ولأنه فضفاض قطّعه مصنّعوه إرباً… أخيطت منها جلودٌ أُلصقت على أجساد متوحّشة تقطر أنيابها دماً…

ظهرت النازية بلبوس جديد، وطأت الأرض على شكل ذئاب بشرية، مرةً تكون «جيشاً حراً» وأخرى «نصرة»… وثالثة «داعش»… ولكنها جميعاً وليدة الاستعمار، مرضعتها النازية… تسير على نهج الإقصاء والتطهير العرقي، بحجة التكفير وأنها «حامية الدين»…

كل أرض تطؤها النازية الجديدة، تحدث فيها مجازر بشرية… وتحطيم للتاريخ… ونسف لمكامن الثقافة… نازية اليوم أشدّ إرهاباً من نازية الأمس. خاصة عندما يمارسها أناس لا يمتون إلى الإنسانية بصلة… ولا ينتمون أصلاً إلى جنس البشر…

النازية أفقدت السوفيات ملايين الضحايا طوال ست سنوات… وسورية واليمن وليبيا وفلسطين فقدت آلاف الشهداء… بسبب النازية الجديدة بدءاً من ما قبل احتلال فلسطين إلى اليوم.

«داعش» وأخواتها من أبناء «القاعدة»، كالنازية لا تقبل إلا اللون الواحد… حتى في خلافاتها مع بعضها البعض، تتجسّد همجيتها، رغم هويتها الإرهابية الجمعية.

الأمر اليوم ما عاد ينتمي إلى الحرب فقط، إنه مسألة وجود أو لا وجود… وقد أكد على ذلك السيد حسن نصر الله… وهذا ما يدركه الشعب العربي السوري جيداً…

النازية احتضنتها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وكان دورها تاريخياً في ذلك، كما عملت على توجيهها لضرب الاتحاد السوفياتي قبلاً، كما لعبت ذات الدور تجاه السوفيات في أفغانستان في نهاية القرن الماضي.

تعاد الكرّة مع «داعش» وأخواتها اليوم، إلا أنّ السحر كما انقلب على الساحر قبلاً سينقلب عليهم ثانية الآن، وملامحه أكثر وضوحاً في ساحاتهم الأوروبية، وتركيا وحتى في أميركا، ليذوقوا من ذات الكأس المسموم.

هولاند الذي يتنطط من السعودية إلى قطر إلى كامب ديفيد، عارضاً خدماته، لن يكون أفضل حظّاً من سابقيه، أيام النازية الأولى، وقد وصلته الإشارة عبر «شارلي إيبدو»…

الداعم الأوروبي سيطاوله الإرهاب لا محالة، أما أميركا التي ما زالت تحافظ على قوة الدفع والتوريط لحلفائها، الخليجيين وتركيا الأردوغانية والأردن، ستمرّ عليهم أكبر المحن… وهي ستحصد أكبر الغنائم من نفط العراق والخليج.

لن تنجو أميركا وأوروبا من انسلال الإرهاب إليها، كما حصل لها مع النازية. أميركا تعيد اليوم الكرة وأدواتها تنظيمات نازية، دينية يمينية متطرفة، بدءاً من أفغانستان وصولاً إلى ما يدعى بدولة الخلافة الإسلامية.

تحاول نشرها في الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا وبعض الدول الأفريقية الأخرى… عبر دول وسيطة، لها دور يماثل دور النازية. يحيط بها صمت الشعب العربي. الذي يحاولون إلهاءه بمشاكل داخلية…

هي تدعم وتستضيف وتلتقي قيادات التنظيمات الإرهابية، مغمضة العين عن النازية الجديدة، وتبرّر وجودها على أنها معارضة معتدلة، رغم رفعها السلاح الأبيض والناري، منكلةً بأهل الأرض كما الصهيونية عند احتلال فلسطين.

حاولت عالمياً المساواة بين مَن أُبيد بيد النازية، وبين القوات النازية والفاشية، وهي تسعى إلى إعادة ذات المشهد، بالمساواة بين ضحايا العدوان الإرهابي، في سورية واليمن، وحتى في ليبيا، والمجاميع الإرهابية على طاولة الحوار أو التفاوض.

«داعش» تستنصر اليوم بالشيشان والديغور والصينيين وغيرهم، في سورية والعراق. أما السعودية فتستنصر السنغال وباكستان لضرب إخوتها في اليمن…

بينما تنبري تركيا لتحقيق حلم سلجوقي، في اختراق الحدود الشمالية السورية. وإنْ كانت أميركا لا توافق على منطقة عازلة، أو تدخل بري.

معركتنا اليوم معركة وجود… أكون أو لا أكون… ورغم شراسة العدو، ومعداته وعديده وتواجده في البيت الداخلي… إلا أنّ تكاتف القوى الوطنية إلى جانب الجيش والدفاع المحلي، وقوى المقاومة، تشكل قوة قادرة على سحق قوات الإرهاب…

سنرى على الساحة السورية أكثر من لينينغراد جديدة. لذلك على الإرهابيين الاستعداد لاستقبال الهزائم… الواحدة تلو الأخرى. وستشهد أراضينا كما هي اليوم أشرس المعارك وأنبل التضحيات.

يجب التفكير اليوم بأولادنا وبأمنهم لنحميهم، ونعرفهم يقيناً بأنه سيتحوّل ما يدعوه البعض بالهزيمة، إلى نصر كاسح، وسنطارد الإرهابيين حتى آخر شبر على الجغرافيا السورية، وكلّ ساحة عربية تتعرّض للعدوان…

إنّ الانتصار في معركة مشفى جسر الشغور، هو بالنسبة للإرهابيين أول خطوات الصعود إلى الهاوية، ولن يكون الموقف الأميركي والأوروبي إلا داعماً لهذا الصعود.

إنّ الصمود الأسطوري للشعب العربي السوري، ولجيشه العقائدي، ومقاومته الباسلة، وقواه الوطنية المدافعة، وقبولها جميعاً التحدّي، هو العنوان للنصر، مع الإصرار على النضال من الشيوخ والأطفال والنساء وكلّ فئات الشعب…

إنّ المجازر اللاإنسانية، والمقابر الجماعية المكتشفة، وما قد يكتشف بعد تعافي الوطن، ستكون الشاهد على نهاية أسطورة الإرهاب، وتدمير حقبة شريرة، في تاريخ الإنسانية… وسيشهد العالم انتحار قيادييها وداعميها كما قادة النازية قبلاً…

إنّ انتشار الإرهاب وزرع الموت الجماعي، ومحاولة إغراق الأمة العربية بصراعات قومية للأبد، سيحمل عفنه إلى مصنّعيه في عقر دارهم… ليذوقوا ما هو أسوأ من الاستعباد والدمار، الذي يحاولون عبره الهيمنة على شعـوب آمنـة كما في اليمن وباقي دول المنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى