الاتفاقات الخاصة حول اقتسام مياه أنهار الهلال الخصيب بين التنازع والتكامل والحق الطبيعي 4/2

صفحة الدراسات في «البناء»، أنشئت لتكون مساحة للأبحاث العلمية المتعلقة بشتى المواضيع ذات الصلة في قضايا الأمة والعالم العربي.

وهي إذ تتسع لمثل هذه الدراسات تبقى مجالاً مفتوحاً للحوار وطرح الإشكاليات الفكرية والسياسية وغيرها، تنشيطاً لدور الثقافة في الصيرورة الاجتماعية. علماً أن الآراء التي ترد على مساحة الصفحة تعبر عن أصحابها وليست بالضرورة مطابقة لقناعات الصحيفة.

إلا أنه انطلاقاً من القناعة الراسخة بضرورة خلق حوار فكري حول القضايا والإشكاليات كافة وما أكثرها، والتي تفرض نفسها على صاحب القرار والمثقف وقادة الرأي والمواطن في أي موقع كان، كانت صفحة الدراسات في «البناء» هي الترجمة العملية لهذه القناعة آملين أن تشكل هذه الصفحة مساحة فكرية ـ سياسية تعنى بهموم الوطن والمواطن، تدرس الحاضر لترسم المستقبل.

خليل خيرالله

مرحلة الاهتمام بالتعاون والتفاوض وتطبيق التفرد في المشاريع 1946 1974

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية برز توجه عراقي للتعاون مع تركيا أدى إلى إبرام أول معاهدة ثنائية بين الطرفين هي معاهدة 29 آذار 1946. وفي عام 1962 حتى عام 1974 أجريت محادثات لم تفض إلى نتيجة بين الدول الثلاث، تركيا والجمهورية السورية والعراق تناولت مسألة اقتسام المياه. وأعقبها بروتوكول تعاون بين العراق وتركيا بتاريخ 17/1/1971.

معاهدة 29 آذار 1946: معاهدة الصداقة وحسن الجوار بين العراق وتركيا والبروتوكول الملحق بها1. تشتمل هذه المعاهدة في الواقع على مجرد تبادل معلومات حول درء الفيضان، ولم تتضمن تنفيذ أية مشروعات مشتركة ومع ذلك تم توقيع البروتوكول رقم 1 الملحق بها وموضوعه تنظيم المياه في دجلة والفرات، وكان الهدف منه وهو من أصل 6 بروتوكولات تأمين تدابير الحماية من الفياضانات عبر إقامة مراكز مراقبة لمياه النهر، بخاصة في فترات السنة التي تشهد ازدياد منسوب المياه. وقد أرسى علاقات مبادئ تعاون عبر إيفاد خبراء عراقيين للدراسة في تركيا… مع التزام تركيا إعلام العراق عن كل مشروع تقيمه على أحد النهرين أو روافدهما بشكل يتلاءم مع مصالح البلدين المادة 5 2.

من هنا «فقد اعترف هذا الاتفاق، روحاً وإن لم يكن نصاً، بضرورة التعاون بين دولتي أعلى النهر وأسفله، إلّا أن التعاون بموجب المادة 5 كان محدوداً، وظلت الاتصالات خارج هذا البروتوكول بين البلدان المتشاطئة الثلاثة غير مقترنة على الأرجح بالنجاح وتلاشت تقريباً فرص العمل المنسق بين تركيا وسورية والعراق، ولم تحظ أي من هذه المعاهدات الاتفاقات والبروتوكولات بالاهتمام الذي قد ينتظره المرء. وتنامى هذا الاتجاه عندما راحت كل دولة تطبق مخططات لتحويل روافد الفرات».3

محادثات غير مجدية: 1962 1971: نرى من المفيد أولاً إعطاء لمحة عن السياسة التركية بعد الحرب العالمية الثانية. وبفعل موقعها الجيوستراتيجي وقوتها الديموغرافية ورغبتها المستمرة بالتماهي مع العالم الغربي، وضعت تركيا نفسها مدخلاً وحجر زاوية للسياسة الاستراتيجية الغربية إلى الشرق الأوسط مهيئة نفسها للعب دور إقليمي في صراع الشرق والغرب أثناء الحرب الباردة وذلك منذ عام 1930 أيام كمال أتاتورك وبخاصة عندما دخلت في الحلف الأطلسي عام 1951. وأصبحت تركيا أول دولة مسلمة تعترف بـ«إسرائيل» عام 1948، ثم تدخل معها ومع إيران وإثيوبيا في آب 1958، بعد انهيار حلف بغداد، في حلف اتخذ اسم «حلف معاهدة الحزام المحيط». وكان هذا الحلف مشروعاً «إسرائيلياً» تم بدعم أميركي، وشكل إحدى وسائل الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي واستغلال الأنهار التي تنبع من تركيا وإثيوبيا وخلق مشكلة شط العرب بين العراق وإيران.

أما على صعيد تطوير دجلة والفرات فيجب انتظار مطلع الستينات من القرن العشرين الذي اتسم بسلسلة من المشروعات التي افتقدت إلى التعاون بين الدول المتشاطئة الثلاث. وسرعان ما حل التنافس على استثمار أجزاء الأنهار الجارية في أراضي كل منها محل رغبة التعاون، بل أصبح تنافساً عالمياً على بناء الأضخم والأسرع من السدود، أسوة بسد أسوان في مصر، والتي أخذت تظهر في السبعينات، وصولاً إلى قرار تركيا إطلاق مشروع تطوير جنوب شرقي الأناضول G.A.P. عام 1977 والذي وضع قيد التنفيذ عملياً عام 1988.

لكن سنوات الستينات التي شهدت فشل المشروعات المشتركة شهدت أيضاً محادثات مكثفة بغية تطوير مشترك لنهر الفرات. وفي خلفية هذه المحادثات، في عام 1960 رصد العراق موازنة لإنشاء سد الفرات، وألح التقنيون الألمان على الاتصال بالسوريين والأتراك لتنسيق الجهود ثم أحدث السوريون مكتباً للفرات الأعلى كما بدأ الأتراك من طرف واحد الأعمال التمهيدية لإنشاء سد «كيبان» ضد توصيات التقنيين الألمان الذين أوصوا بتنمية تكاملية لحوض الفرات بكامله.

وبالتوازي مع مشروعات الدول الثلاث المستقلة عن بعضها، حاولت منظمتان دوليتان، منظمة الأغذية والزراعة عام 1964 والبنك العالمي للإعمار والتنمية، إقناع البلدان المشاطئة لإيجاد صيغة تعاون إقليمي لتطوير مياه الفرات ووضع خطة تنمية واحدة، من دون جدوى. ثم حاولت موسكو إقناع الجمهورية السورية والعراق للبدء بمشروع مشترك ثم أصرت على اجتماع لجان مشتركة منهما في أيار 1967 لكن أيضاً من دون جدوى.

أما المحادثات التي أجريت منذ عام 1962 حتى مطلع السبعينات فقد حاولت إيجاد اتفاق حول اقتسام المياه، وكان:

بين الجمهورية السورية والعراق 1962 1974

بين الجمهورية السورية وتركيا 1962 1971

بين الدول المتشاطئة الثلاث 1965 1971

في عام 1964 عرضت تركيا على الجمهورية السورية اتفاقاً مقابلاً حول مياه نهر العاصي الذي يصب في خليج اسكندرون وهو اللواء السوري الذي تخلت عنه فرنسا المنتدبة لمصلحة تركيا عام 1939، وقد رفضت دمشق هذا العرض الذي يعني أيضاً الاعتراف بهذا الإلحاق. وأثناء المفاوضات عام 1965 طالب الأطراف الثلاثة بحصص تفوق منسوب نهر الفرات بمرة ونصف! وقد شهد عاما 1966 انقسام حزب البعث و1967 عام النكسة تردي العلاقات بين العراق والجمهورية العربية السورية واختلف الطرفان على حصصهما في المياه، إذ بينما طالب العراق بحصة 16 كم مكعب لم توافق الجمهورية السورية إلا على مرور 9 كم مكعب إلى الأراضي العراقية.

بروتوكول التعاون الاقتصادي والفني بين العراق وتركيا 17/1/1971

خلاصة هذا البروتوكول أتت في المادة 3 والتي اتفق فيها الطرفان على أن يشرعا في أسرع وقت ممكن بالمحادثات حول المياه المشتركة. والملاحظ أن هذه المحادثات، حتى عام 1973، كانت تستهدف حصصاً في المياه ولم يكن لأحد القدرة على تعديل هذا المنسوب، حتى ظهرت السدود الكبرى بدءاً من هذا العام، وتسببت الحاجة إلى ملئها في كسر واقع مائي دام منذ ما قبل التاريخ الجلي، فبدأت مرحلة من النزاع المكشوف والقلق على المستقبل أوله حرمان بلدان أسفل النهرين من المياه وآخره التصحر.

مرحلة إنشاء السدود الكبرى ومشروع جنوب شرقي الأناضول G.A.P.

هذه مرحلة نراها بدأت عام 1973 ولما تنته بعد. بدأت دراسات مشاريعها الكبرى في الستينات تاركة فكرة التنسيق المشترك بين دول دجلة والفرات وراءها. وفي هذه المرحلة بدأت النزاعات تشتد مع ظهور أزمة المياه بشكل حاد، على رغم محادثات ثلاثية دامت من 1972 حتى 1974، وغابت الاتفاقات حتى الثمانينات. وكانت قد شهدت المنطقة عدم استقرار سياسي كان له أبلغ الآثار على مسألة اقتسام المياه إضافة إلى القلق الذي تسبب به مشروع تطوير جنوب شرقي الأناضول.

كان العراق قد وضع قبل غيره برنامجاً لتطوير الفرات. في عام 1973 اكتمل إنشاء سد كيبان التركي الضخم الذي استغرق بناؤه تسع سنوات وبدأ الأتراك بملئه. وفي عام 1974 بدأت الجمهورية السورية بملء سد الطبقة حاصراً خلفه بحيرة الاسد، في فترة تميزت بالجفاف، ومن دون أي تنسيق حول ملء هذين السدين، ما دفع العراق إلى تصعيد كاد يشعل الحرب مع الجمهورية السورية لولا تدخل الطبيعة وغزارة الأمطار في آذار من ذلك العام وارتفاع المنسوب الطبيعي للفرات.

وفي عام 1975 تحرك العراق أيضاً بحجة أنه لا يحصل إلا على منسوب من المياه أقل أربع مرات من المعتاد، فتدخلت الجامعة العربية ثم السعودية واقترب الفريقان من الحرب ونقلت دمشق فرقاً عسكرية من الجبهة الفلسطينية باتجاه العراق، وبضغط سوفياتي توصلا إلى اتفاق سري يحصل بموجبه العراق على 58 في المئة من المياه التي تصل إلى الجمهورية السورية عبر الحدود التركية. لكن على رغم هذين الحادثين فإننا نستطيع أن نلمح تنسيقاً في الموقف السوري العراقي تجاه تركيا كان قد غاب طوال الستينات، وهذا ما سيطبع بشكل عام السنوات اللاحقة حتى الاحتلال الأميركي للعراق.

أما على الجانب التركي، فقد أعلنت تركيا عام 1977 إطلاق مشروع جنوب شرقي الأناضول، ووضعت بعد ذلك مخططه الشامل وأنشأت مؤسسة عامة لإدارته عام 1989. وما ثبت موقع تركيا الإقليمي في السياسة الغربية قيام الثورة في إيران عام 1979. وسنبحث اتفاقات هذه المرحلة وظروفها وفق التقسيم الزمني كما سيأتي.

ثمانينات القرن العشرين: تميزت هذه السنوات باحتجاجات دائمة كان يوجهها العراق والجمهورية السورية إلى الأتراك لمحاولة كبح انطلاقة مشروع جنوب شرقي الأناضول.4 وفي هذه الحقبة، بدأت تركيا ببناء منشأتها الكبيرة تنفيذاً لمشروع الـ G.A.P.. وفي 1984 بدأت فيها ثورة حزب العمال الكردستاني PKK المسلحة وكان أوجلان قد أسسه عام 1978 في أنقرة بهدف إنشاء دولة كردية مستقلة. وقد كلف قمع الثورة ترحيل مئة ألف شخص وتدمير 4000 قرية غمرتها مياه السدود، ما يجعلنا نرى في ذلك إحدى غايات المشروع غير المعلنة! ولم تنته ثورة أوجلان إلا باتفاق أضنة عام 1998 كما سنرى.

إن مشروع جنوب شرقي الأناضول استهدف أولاً بناء منشآت مائية كبيرة ليصبح مشروعاً تكاملياً ضخماً لتطوير دجلة والفرات في ست مقاطعات أهمها مثلث أورفا، مردين، ديار بكر، ويطاول قطاعات عديدة ويتوسع مع الزمن وفق خطط تلحظ إكماله أولاً حتى عام 2010 ثم حتى عام 2023. يقع المشروع في المنطقة الأفقر في الجمهورية التركية، وهي القسم الشرقي من المنطقة المسلوخة عن سورية زمان الانتداب الفرنسي. ويستهدف، وبكلفة تتجاوز 32 مليار دولار، إنشاء 22 سداً انتهى ستة منها حتى الآن و19 محطة توليد كهرباء، وكان الأميركيون قد نصحوا بالسدود الكبيرة وليس الصغيرة كما أرادها الأتراك أصلاً. كما يستهدف ريّ 1,6 مليون هكتار تم تغطية 215 هكتار فقط حتى الآن وإنتاج 20 في المئة من الكهرباء التركية كإنتاج بديل من النفط وقد صرح ديميريل رئيس الوزراء التركي إن هذا هو نفط تركيا وخلق 3,8 وظيفة عمل وإسكان 10 ملايين نسمة في المنطقة، وهم ضعف السكان الحاليين.

وفي تصور الأتراك أن هذا المشروع «سيجعل من تركيا القوة الرئيسة في الشرق الأوسط»5 والسيدة الإقليمية لقصر المياه وسلة القمح في الشرق الأوسط… أو كما قال مدير معهد البحوث في السياسة الخارجية «ستضحي احتياجات المياه أكبر فأكبر، ومشروع G.A.P يعني بيع المياه بصيغ أخرى» وهذا ما يؤكد أسوأ المخاوف السورية والعراقية6. إضافة إلى دور إقليمي طرحه تورغوت أوزال رئيس الوزراء التركي عام 1986 لإقامة مشروع أنابيب السلام وهدفه إرواء ثماني دول عربية7، وهو مشروع لم يصل إلى أية نتيجة. واستفادت تركيا من الخلاف السوري العراقي لمد أنابيب نفط عراقية من الموصل إلى الاسكندرون داخل الحدود التركية بدلاً من الخط الذي يصل إلى ساحل الجمهورية السورية والذي توقف العمل به عام 1983. وانتهى العمل بالخط الجديد نهاية 1990 وقدرت طاقته بـ3 مليون برميل نفط يومياً أي ما يعادل نحو 30 في المئة من صادرات الشرق الأوسط من النفط8. ولمشروع ال G.A.P آثار سلبية عديدة طالت بيئة ما بين النهرين بمختلف أوجهها الإنسانية والحيوانية والنباتية، من دون دخول تفاصيلها.

وقد تميزت مرحلة الثمانينات بمحادثات ثلاثية دامت من 1982 إلى 1992 وبإبرام بروتوكولين واتفاق حول حصص المياه بين البلدان الثلاث المتشاطئة:

بروتوكول التعاون الاقتصادي والفني بين العراق وتركيا عام 1980 وانضمت إليه الجمهورية السورية عام 1983، وقد نص على إنشاء لجنة فنية مشتركة للمياه الإقليمية وخصوصاً حوضي دجلة والفرات. «بيد أن تلك اللجنة، علاوة على الاجتماعات الثنائية التي عقدت أخيراً، أخفقت في التوصل إلى تسوية دائمة لنزاعات المياه»9.

بروتوكول التعاون الاقتصادي والفني بين الجمهورية السورية وتركيا الموقع في دمشق بتاريخ 17 تموز 1987، حصلت فيه الجمهورية السورية على 500م3/ ثانية من مياه الفرات، وقد اعتبر قاعدة تعاون في المنطقة لكنه لم يلحظ حصص الدول المتشاطئة الأخرى. و»هذا الاتفاق موقت سيصار إلى تعديله مستقبلاً والمهم في أن هذه الحصة ستطبق حتى قيام اتفاق ثلاثي. وعدم الاستقرار العراقي لم يسمح حتى الآن بتحقيق ذلك كما أنه لم يمنع تركيا من قطع المياه شهراً كاملاً عام 1990 لملأ سدّ اتاتورك10». قد سجلت الجمهورية السورية هذا البروتوكول لدى الأمم المتحدة بتاريخ 16/11/1994. وكان أعقبه عام 1988 بيان وزاري للدول الثلاث حول احتياجاتها المائية. وفي تحليل ظروف هذا البروتوكول نجد أن الورقة الكردية، وعلى قاعدة تعارض المصالح، استخدمتها جيداً دمشق وبغداد في مسألة اقتسام المياه، نظراً لانتشار مسلحي الأحزاب الكردية المناوئة لتركيا على حدودهما. وهذا سمح بالاتفاق حول الفرات بين تركيا والجمهورية السورية وتضمن الاتفاق أيضاً إضافة إلى التفاهمات الاقتصادية والتقنية منع أي طرف من دعم مجموعات مقاومة مسلحة من أراضي الطرف الآخر. وهكذا نالت الجمهورية السورية 500م3/ ثانية من ماء الفرات واتفقت مع العراق على نواله 58 في المئة منها. وفي إطار هذا التفاهم الأخير نجد أن تركيا قابلته بميثاق التدريب العسكري التركي-»الإسرائيلي» المعقود في شباط 1996 11.

-تسعينات القرن العشرين: في أول عام 1990، من 13 كانون الثاني حتى 12 شباط أغلقت تركيا بوابات المياه لمدة شهر قاطعة الماء عن بلدان أسفل الفرات بغية ملء سد أتاتورك. ونتيجة هذا الإغلاق، وبالتحديد خلال الأشهر اللاحقة، كان ضياع 15 في المئة من مواسم الحصاد في العراق وخسارة مناطق زراعية كبيرة وأضرار عديدة في أراضي الجمهورية السورية لجهة توليد الكهرباء وصناعة النفط في مصفاة حمص وصناعة الأسمدة ومعامل النسيج. وقد «جاء هذا التصرف التركي ليشكل سابقة ليس لها مثيل في العلاقات الدولية، وقد حاولت تركيا من خلال هذا الإجراء ممارسة ضغط مباشر على كل من العراق وسوريا لمنع تسلل الأكراد المعادين للنظام التركي ومن وجود الأكراد على أراضيهما12».

ويستوعب سد أتاتورك حوالى 39 بليون متر مكعب من المياه وهو رابع أكبر عمل معماري في العالم ويحتاج ملء بحيرته إلى صبيب الفرات السنوي مرتين وكان قد بدئ ببنائه عام 1968 من دون تنسيق مع جيران تركيا. وينقل نفق اورفا المياه منه إلى حران وأورفا وهو يعتبر أطول نفق في العالم إذ يمتد على خطين متوازيين بطول 26,4 كم وتدفقه 328 م3/ ثانية.

خربت حرب الخليج الأولى منذ آب 1990 حتى آخر شباط 1991 البنية التحتية العراقية وتم عزل العراق بحصار اقتصادي شبه كامل من قبل الأمم المتحدة، فاستفادت تركيا، كحليفة تقليدية للولايات المتحدة، من موقعها كقوة أعلى النهر حيث ينبع دجلة والفرات وتعاملت على هذا الأساس فأنقصت منسوب الفرات بشكل جذري لمدة ثلاثة أيام واستمرت الجمهورية السورية باستخدام المياه بالشكل المعتاد فانقطعت المياه عن العراق، ما أحدث ضرراً كبيراً طاول الاقتصاد العراقي وتوتراً حاداً بين تركيا والعراق وقلقاً في الجانب السوري كون الفرات هو النهر الوحيد الكبير الذي يروي ثلثي مجموع الأراضي المروية في الجمهورية السورية ويشكل مصدراً أساسياً لزراعاتها. وكان بوش الأب، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، قد طلب من تركيا قطع المياه عن العراق كسلاح ضاغط في حربه فلم تستجب بل ورفضت مبدأ استخدام القوات الغربية للقواعد الجوية التركية لتوجيه ضربة عسكرية جوية للعراق لمعاقبته على رفض حكومته السماح لبعثة الأمم المتحدة بدخول وزارة الزراعة… كان هذا موقف تركي لافت سارع اليه دي ميريل بعد قطع العراق أنابيب النفط وتفاوضه مع الأردن، عقب انتهاء حرب الخليج الأولى في شتاء 1991 على مد أنابيب بطول 900 كم حتى خليج العقبة لتصدير النفط عبرها. وكانت خسائر تركيا من توقف عائداتها من النفط العراقي المتدفق من الموصل إلى الاسكندرون حوالى 600 مليون دولار.

ونفهم الموقف التركي أكثر إذا علمنا أن بناء سدّ أتاتورك استنزف الموازنة التركية وأنهك اقتصادها «وربما كان هذا ما دعا تركيا إلى العمل على إعادة الجسور مع العراق لتوفير مصادر تمويل من الرسوم التي تتقاضاها عن مرور الخام العراقي عبر أراضيها في حين أن المشروع التركي بدأ يتحول إلى سلاح ضد العراق وسورية معاً13، إضافة إلى محاولتها لعب دور إقليمي محوري ضد إيران مستفيدة من العداء الإيراني العراقي للتقرب من العراق. وهكذا دعمت تركيا الاذربيجانيين ودعمت إيران الأرمن في معركتهم لاستعادة إقليم ناغورني كاراباخ.

تميّز مطلع التسعينات بمفاوضات امتدت من 1982 إلى 1992 وانتهت ببيانات وزارية. وقد دعا البيان الوزاري السوري التركي في 3 آب 1993 إلى عدم المساس بحقوق سورية والعراق وتأكيد التعهد بالحصة السابقة من المياه.14

وصدر بيان مشترك في دمشق بتاريخ 20/1/1993 إثر زيارة وزراء أتراك لها، واتفق الجانبان بموجبه على ضرورة اقتسام مياه نهر الفرات بشكل نهائي بين الدول الثلاث قبل نهاية 1993 سجل لدى منظمة الأمم المتحدة في 16/11/1994 . لكن هذه التصريحات والاجتماعات الفنية الثلاثية لم تسجل إلا فشلاً إثر فشل منذ عشرة أعوام15.

ومن الملاحظ أنه منذ الستينات كان يبدأ كل اجتماع بجدال حول معاني الكلمات التي يطلقها الفرقاء حول الأنهار. دافع العرق والجمهورية السورية دائماً عن مفهوم الفرات كنهر دولي بينما اعتبرته تركيا عابراً للحدود أو للتخوم وهذا يحمل فروقاً كبيرة في القانون الدولي. وقد سارعت كل من العراق والجمهورية السورية إلى تصديق اتفاق الأمم المتحدة حول الأحواض النهرية لعام 1997 وكانوا من الأوائل في ذلك بينما امتنعت تركيا عن تصديقها علماً أن 16 عضواً دولياً قد قبلها حتى الآن وهي تحتاج إلى 35 بلداً كي تصبح نافذة، وحجتها أن الاتفاق يعطي حقوقاً لدول أسفل النهرعلى حساب أعلاه.

وفي الواقع لم تتغير العلاقات التركية السورية فعلياً إلا انطلاقاً من عام 1998 بعد بروتوكول أضنة الذي تزامن مع انتهاء الحرب الباردة والتوجهات السياسية لحل المسألة الكردية رسمياً مع تركيا إبعاد أوجلان من الجمهورية السورية واعتقاله من قبل الأتراك عام 1999 . وإثر وفاة الرئيس حافظ الأسد عام 2000 بدأت محادثات عديدة بين الطرفين حول الطاقة والصناعة وبقيت المياه مستثناة من أية مشاريع عابرة للحدود.

د. في الحقوق

مراجع

1 مجموعة معاهدات الأمم المتحدة، رقم 104 ص.376

2 Recueil des trait s, vol.37, trait n.580, 1949, p. 279 331

3 جي. أ. الن وشبلي ملاط، المياه في الشرق الأوسط، مكتبة الدراسات الشرق أوسطية الحديثة الناشر تاوريس للدراسات الأكاديمية 1995 لندن، ترجمة محمد أسامة القوتلي، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق 1997، ص.248 249

4 Tigres et Euphrates «Entre Deux EAUX, 14 janvier 2009, http://entre2O.free.fr/?p=230consultation 14/6/2010

5 ج.أ.ألن وشبلي الملاط، المرجع السابق ص. 259

6 ج.أ.الن وشبلي الملاط، المرجع السابق ص.257

7 جريدة السفير 11/1/1990

8 جريدة السفير 18/1/1990

9 الأمم المتحدة، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا الاسكوا، البيئة في السياق عبر الحدودي في منطقة الاسكوا: الحالة الراهنة والتوصيات المقترحة، نيو يورك 2005، ص. 43

10 Tigre et Euphrates Entre Deux Eaux, 14 janvier 2009, http://entre2O.free.fr/?p=230 consulTation 14/6/2010

11 Marwa Daoudi, Eau et pouvoir, la relation strat gique Irak/Turquie,G ostrat giques n 7,avril 2005,p. 103 104

12 حمد سعيد الموعد، حرب المياه في الشرق الأوسط، دار كنعان للدراسات والنشر، دمشق 1992 ص. 160 161

13 جريدة الديار 3 آب 1992

14 جريدة الديار 4 آب 1992

15 د. طارق المجذوب، جريدة السفير 11/10/1993

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى