جعجع يفاجئ عون بالصلحة والحريري يصالح بن نايف بهجوم على حزب الله هل تستعدّ «القوات» لتكرار تجربة «الكتائب» مع فؤاد شهاب أملاً بحجز الرئاسة؟

كتب المحرر السياسي:

رغم كلّ مظاهر التصعيد الممتدّة على مساحة المنطقة، طغت عناوين التحرك السياسي على مشاهد المواجهات، مع تقدّم الحلّ السياسي اليمني، بتبلور صورة تقوم على قبول استباقي سعودي لمخاطر الفشل الكبير، بتسوية تبدأ بدعوة يوجّهها مجلس الأمن الدولي لحوار غير مشروط أعدّ أوراقه المبعوث الأممي إسماعيل ولد شيخ أحمد ونشرت «البناء» تفاصيلها قبل ثلاثة أيام، فيجلس وفد المشاركين في مؤتمر الرياض في ضفة ومقابلهم ممثلون للحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح وحلفاؤهم في ضفة مقابلة، وتتبع ذلك دعوة إلى هدنة تمتدّ طيلة شهر رمضان يطلقها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وقالت مصادر متابعة للملف اليمني لـ»البناء» إنّ الفترة الممتدّة بين العاشر والخامس عشر من الشهر الجاري ستشهد انطلاق العملية السياسية في اليمن، مشيرة إلى الدور الرئيسي الذي لعبته مسقط في إنضاج الفرص أمام انطلاق هذه العملية.

ولأنّ المنطقة تتحرك نحو التصعيد بمحرّكين سعودي وتركي، يبدو أن المتغيّر السعودي في اليمن، من جهة والانشغال التركي بالانتخابات من جهة أخرى، حملا إشارات تهدئة ربما تمتدّ حتى منتصف الشهر الجاري على الجبهات السورية الشمالية، وتبلور صورة التعامل التركي مع المستجدات بعد الانتخابات، بينما تتهيأ الجبهات الأخرى لتطورات عسكرية يبدو أنّ موعدها هو أيضاً في النصف الثاني من الشهر الجاري، في وقت كانت إيران ترسل الإشارات المتتالية لدعم سورية، وصولاً إلى كلام الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنّ حكومته وبلاده لن تسمحا باستفراد سورية، وستقدّمان دعماً لا مشروطاً لتعزيز أسباب قوة الرئيس السوري بشار الأسد وقواته المسلحة.

في قلب هذه السياقات الإقليمية كان رئيس الحكومة تمام سلام يصل إلى السعودية ويلتقي ولي العهد والحاكم الفعلي في المملكة الأمير محمد بن نايف، الذي أولم له وحضر الرئيس سعد الحريري، الذي أراد تبديد ما قيل عن علاقات سيئة تربطه بالحاكم السعودي الذي سبق أن قال عنه أمام لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، إنه سفاح، ولتقديم فاتورة اللقاء بادر الحريري لتوزيع تغريدة عبر «توتير» يتهم فيها حزب الله، بالمسؤولية عن كلّ ما هو خراب في المنطقة وبتخريب مصالح اللبنانيين في العالم.

الحدث اللبناني الأبرز كان الزيارة المفاجئة لقائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى الرابية للقاء العماد ميشال عون والإعلان عن نهاية المحادثات حول إعلان النوايا الذي كان محور لقاءات امتدت لشهور بين الفريقين.

عون الذي لم يخف أنه تفاجأ بزيارة جعجع، دفع باللقاء إلى ترجيح كفة مبادرته الرئاسية، التي شاركه جعجع بتأكيد تبني بند الاستفتاء فيها، والتركيز على وجود قوتين معلومتين من الجميع تمثلان الثقل المسيحي هما «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، وعلى رغم تقليدية الإعلان وسطوره المختصرة فقد كان الحدث هو اللقاء بذاته، وليس بنصوص الإعلان التي ليس فيها ما يفسّر استهلاك شهور لإنجازها، ويصير السؤال لدى المراقبين عما أراده جعجع من الزيارة عشية البحث في التعيينات الأمنية التي رفع عون مستوى التعامل معها إلى قضية مسيحية وجودية، وربط بينها وبين تطبيق لاتفاق الطائف، يحصر المناصب والمراكز المخصصة بالطوائف بقواها التمثيلية، طالما هذا الذي يحدث منذ سنوات بالنسبة إلى الطوائف الإسلامية ويمنع مثله على الطوائف المسيحية.

مبادرة جعجع وفقاً لمصادر مسيحية اشتغلت على الحوار وتقريب الآراء بين التيار والقوات، هي تصرف محسوب لحسم مسألة حصر رئاسة الجمهورية بالرئيس القوي تمثيلياً، وهذا ما يمنح جعجع فرصة الحلم بالرئاسة، وهو يعلم أن لا حظوظ له بالرئاسة طالما تسود فكرة الرئيس الوسطي، وكذلك فإنّ التطورات الإقليمية الضبابية وفقاً للمصادر نفسها تستدعي التموضع في منطقة أمان داخلي، ومنع العماد عون كمنافس مسيحي من احتكار صفة المدافع عن حقوق المسيحيين، بعدما نجح في احتكار صفة المدافع عن الوجود المسيحي في وجه القوات التي وقفت مع حلف تتزعّمه السعودية وتركيا يحمّله مسيحيّو المنطقة مسؤولية عمليات الإبادة والتهجير التي تعرّضوا لها.

تلفت المصادر إلى أنّ الميراث الكتائبي لجعجع يدفعه إلى التفكير بتكرار تجربة حزب الكتائب مع الرئيس الراحل فؤاد شهاب أملاً بحجز المقعد الرئاسي لاحقاً، إذا ما مالت الظروف الإقليمية والدولية لحساب تمرير العماد عون كرئيس مقبل، هذا عدا أنّ جعجع يعتبر أنه معنيّ بكسر جليد العداء مع جمهور العونيين طالما العماد عون موجود لأنّ فعل ذلك في غيابه لن يكون متاحاً، ووراثة العداوة مع العونيين خسارة كبيرة بالنسبة إلى «القوات».

جعجع في الرابية

وقد استحوذ مشهد الرابية أمس على الساحة السياسية مع لقاء رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، والذي أعقبه إعلان النيات بين الطرفين الذي نص في أبرز بنوده على اعتماد الحوار وانتخاب رئيس قوي مقبول في بيئته ووضع قانون انتخابي جديد.

ولفت عون بعد اللقاء إلى أنّ زيارة جعجع كانت مفاجئة، و«نحن نوافق على النوايا التي أعلنت في الورقة ومصمّمون على تنفيذها، مشيراً إلى أنّ الاستفتاء إنْ حصل سيكون ضمن الآليات التي لا تمسّ بالدستور».

وبدوره أعرب جعجع عن سروره لوجوده في الرابية، وقال: «اجتماعنا اليوم هو بداية حوار لأنّ الأشهر الماضية كانت تمهيداً وتحضيراً لأجواء هذا اللقاء ووصلنا اليوم إلى النقطة الصفر وعملنا سيبدأ من اليوم»، مؤكداً «أننا سنضع جهدنا كي لا تفشل هذه المحاولة».

وأكدت مصادر مطلعة لـ»البناء» أنّ «هذه الزيارة تريح الجو المسيحي وتريح عون وفي الوقت نفسه يحاول جعجع من خلالها أن يظهر وكأنّ قراره مستقلّ ولا يسير كما يريد تيار المستقبل».

وأشارت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ»البناء» إلى أنّ «الزيارة كانت مفاجئة وتقوّي موقف المسيحيين، ولفتت إلى أنّ أجواء الاجتماع بين عون وجعجع كانت ايجابية وأنّ هذا الاجتماع يحضّر لاتفاقات أوسع على نطاق الملفات التي ما زالت عالقة، مشيرة إلى أنه تمّ البحث في الملف الرئاسي إلا أنّ النقاش في هذا الملف لن يخرج إلى العلن، لكن هناك اتفاقاً بين الرجلين على تحصيل حقوق المسيحيين، وأكدت أنّ جعجع لم يعارض إعلان عون عن نيته التحرك الشعبي في الشارع، ولم تستبعد المصادر أن ترى جمهور القوات في الشارع إلى جانب جمهور التيار الوطني الحر».

وإذ أشارت المصادر إلى أنّ «اللقاء دام ساعتين، شدّدت على أنّه سينعكس حكماً على موضوع التعيينات الأمنية، مؤكداً أنه صحيح أنّ القوات غير ممثلة في الحكومة إلا أنها تحبّذ إجراء التعيينات وترفض التمديد».

وأضافت المصادر: «أنّ تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري وافقا على إجراء التعيينات لكن الرئيس فؤاد السنيورة هو الذي عطل هذا الاتفاق».

وقالت المصادر إنه «خلال زيارة وفد التيار الوطني الحر إلى السنيورة قال الأخير للوفد إنه يريد قائداً للجيش يعيّن سياسياً، فردّ عليه أحد نواب التيار وقال له: «اسمحلي يا دولة الرئيس هذه ليست طريقة لإدارة المؤسسات في البلد، هل تقصد أنك تريد قائداً للجيش يتلقى الأوامر السياسية فقط ويكون ألعوبة بيدك وبيد السياسيين؟ إذا كنت تريد ذلك لماذا يوجد قائد جيش وجيش فليدافع كلّ لبناني عن نفسه».

وفي السياق، حمّلت مصادر المجتمعين لـ»البناء» تيار المستقبل مسؤولية تعطيل الحكومة والحوار وضرب الوحدة الوطنية». ولم تستغرب مصادر المجتمعين التزام الكتلة الصمت حيال تصريحات الجولاني والأسير، لأنّ تصريحات الوزير أشرف ريفي والنائب جمال الجراح لا تقلّ سوءاً عن تصريحات الجولاني والأسير». وتابعت: «إذا كانت هذه المواقف تعبّر عن فريق ممثل في الحكومة فما لزوم هذه الحكومة». وإذ شدّدت المصادر على «أنّ تيار المستقبل دعا إلى انتظار ما ستؤول إليه الأمور في أيلول، أكدت أنّ الخطوات التي سنقوم بها بعد 15 أيلول ستكون مدروسة جيداً».

وقالت مصادر قيادية في تيار المستقبل لـ«البناء» إنّ مواقف العماد عون ليست أكثر من تهويل»، مشيرة إلى «أنّ سياسة العناد التي ينتهجها هي السبب الأول والرئيس في تعطيل عمل الحكومة ومنعها من العمل». وأشارت المصادر إلى «أنّ التمديد للواء إبراهيم بصبوص في منصب مدير عام الأمن الداخلي هو رهن التسويات والمحادثات التي ستجرى في الساعات القليلة المقبلة». وجددت المصادر تأكيدها أن وصول العميد شامل روكز لقيادة الجيش يتطلب من العماد عون النزول إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية».

لكن عون أعلن عقب الاجتماع الأسبوعي للتكتل في الرابية «أنّ تعطيل التعيين يأتي من الحكومة، ويجب أن نثبت هذا الأمر. غالبية الوزراء يقومون بإرجاء تعيين قائد الجيش إلى أيلول». أنا فعلاً مذهول وأتساءل، لماذا يطالبون بأن يتم التعيين في أيلول؟ فهل تنتهي أزمتنا في ذلك التاريخ ونبدأ حينها عهداً جديداً؟ هل يعرف أحد منكم ما هو هذا السر في أيلول لكي يعينوا قائداً للجيش؟! ما الذي سيحصل في أيلول؟ لقد أخبرنا البعض ما الذي سيحصل في أيلول. أخبرونا أنه في أيلول يكون اليمن قد سقط، وسورية أيضاً سقطت، ويكون حزب الله حينها قد هرب أيضاً، عندها يصلون هم إلى لبنان.ألم يقل أحد النواب هذا الكلام»؟

وتابع: «عندها نسأل الله أن يساعدنا لأننا لن نتصوّر ماذا سيكون مصيرنا هنا. وبما أن الأسير قد طالبهم بألا ينسوا عنقي قتلي ، فبتُّ اليوم خائفاً أكثر من الجميع، إذ إنهم قد يخيّرون البقية بأن يرحلوا أو يغيّروا دينهم أو يدفعوا الجزية، ولكن أنا انتهى الأمر بي، لأنهم حكموا علي مسبقاً بالإعدام. إذاً منذ الآن وحتى أيلول، فليأخذوا إجازة، طالما أنهم مصمّمون على تعطيل عمل الحكومة وسيقفلون «دكانهم»، ونحن خائفون من التنقل ونترقب ماذا سيحصل على الجبهة، فيما حزب الله يسعى لأن يدبّر ملاجئه في الجنوب، لنعود في 15 أيلول أو سوياً، أو وحدهم ليحققوا كلّ ما أملوا به ويتسلّموا كلّ شيء، ويباركهم الله فيه».

عرسال تحرج «المستقبل» فتخرجه

من ناحية أخرى، بات تيار المستقبل في وضع حرج لأنه لا يستطيع أن يمنع عملية استعادة عرسال إلى الدولة وطرد الإرهابيين منها. حيث بدأت المناورات تجري حول البلدة للقيام بالمهمة من قبل الجيش اللبناني في شكل جدي. أما جرود عرسال فهي كما بات مؤكداً خارج النقاش كلياً، فحزب الله بدأ يعدّ العدّة لتنفيذ المهمة في توقيت يتناسب بعد جلسة مجلس الوزراء يوم غد الخميس.

وأشارت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ«البناء» إلى «أنّ التجييش الحاصل من قبل تيار المستقبل يصبّ في خانة القلق الكبير الذي يعيشه جراء ما يجري على صعيد جرود عرسال والمحاذية لعرسال». ولفتت المصادر إلى «أنّ تيار المستقبل يرغب في بقاء المجموعات الإرهابية في الجرود كمسمار جحا للاستفادة منهم في أكثر من منحى». وأبدت المصادر استغرابها من تحويل تيار المستقبل الأنظار من جرود عرسال بما تحمل من مخاطر إلى عرسال البلدة وترويج أنّ هؤلاء المسلحين جزء لا يتجزأ من عرسال في محاولة لرفع الكارت الأحمر المذهبي وتحويل المسألة إلى مذهبية في وجه فريق المقاومة»، مشدّدة على «أنّ حزب الله لن يسمح بذلك وسيجهض الفتنة قبل أن تولد، فهو في حربه ضدّ التكفيريين يدافع عن المقاومة وعن كلّ اللبنانيين».

ولفتت المصادر إلى المناخات العامة في البقاع الشمالي التي تريد التخلص من هذه الظاهرة التكفيرية، وهذا ما يقلق تيار المستقبل الذي يريد أن يبقى المسلحون في الجرود ذخيرة بانتظار الفرصة المناسبة».

والتقى وزير العدل أشرف ريفي وفداً من أهالي عرسال، وأشارت أوساط سياسية لـ«البناء» إلى «أنّ تيار المستقبل شاء من خلال هذا اللقاء الظهور في مظهر التراجع خصوصاً انه لم يعد في إمكانه أن يمنع عملية الجيش الذي يطالب به الجميع لإخراج عرسال من يد الإرهابيين».

وأعلن ريفي «أنّ الجيش مكلف طبيعياً أن يدافع عن لبنان، نحن مع الجيش ونثق به، السلطة السياسية تحدّد مسار الأمور، وتقنيات عمليات الدفاع تعود إلى الجيش»، موضحاً أنّ «قيادة الجيش لا يجب أن تتغيّر في أوقات الحرب»، موجهاً التحية إلى قائد الجيش العماد جان قهوجي.

وأكدت مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ«البناء» أنّ الدفاع عن الحدود هي مهمة الجيش اللبناني فقط من دون أيّ طرف سياسي آخر، والجيش له أمرة سياسية هي الحكومة التي تضمّ كلّ الأطياف السياسية». وشدّدت على وجود حالة شعبية عارمة في جميع قرى ومناطق البقاع من ضمنها عرسال تطالب الجيش اللبناني بإنهاء ظاهرة الإرهاب في جرود عرسال، لكنه رأى أنّ الجيش هو الحلّ ودخول حزب الله سيؤدّي إلى إشكال طائفي في المنطقة لا سيما ما يُحكى عن إرسال حشد شعبي إلى عرسال، مؤكداً أنّ الدولة مسؤولة عن كلّ اللبنانيين وليس تيار المستقبل ولا حزب الله ولا أيّ فريق آخر».

وإذ أوضحت «أنّ الجيش يحتاج إلى قرار سياسي يتخذه مجلس الوزراء لإنهاء ظاهرة الإرهاب»، أكدت «أنّ هذا الموضوع سيبحث في شكل جدي في جلسة الغد علها تأخذ القرار».

المعارك مستمرة في القلمون

وفي القلمون تتواصل المعارك بين حزب الله من جهة والإرهابيين من جهة أخرى، وأعلن حزب الله أنّه صدّ هجوماً لمسلحي «جبهة النصرة» بين جردي نحلة وعرسال في المحلة المعروفة بحَرْف محسن وأوقع قتلى بين المسلحين المهاجمين.

سلام في السعودية

على صعيد آخر التقى رئيس مجلس الوزراء تمام سلام خلال زيارته السعودية ولي العهد السعودي محمد بن نايف، الذي أولم على شرفه والوفد المرافق في مقر إقامتهم في مركز المؤتمرات في قصر الضيافة، وذلك في حضور رئيس تيار المستقبل سعد الحريري.

وضمّ الوفد المرافق لسلام وزراء الدفاع الوطني سمير مقبل، الخارجية والمغتربين جبران باسيل، الصحة العامة وائل أبو فاعور، الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، الشباب والرياضة عبد المطلب حناوي، والسفير اللبناني عبد الستار عيسى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى