واشنطن واللعب على حافة الهاوية بين ملاعبة الأسد لفريسته وحائك السجاد

ناصر قنديل

– لا شيء يبدو في الأفق للاستنتاج أنّ لدى واشنطن ما يتيح الذهاب في ربع الساعة الأخير من المفاوضات مع إيران إلى أحد خيارين، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما في معرض ردّه على دعوات بنيامين نتنياهو لعدم توقيع التفاهم مع إيران، أنهما إما الذهاب إلى الحرب والمخاطرة بإعلان إيران التخلي عن فتوى تحريم امتلاك قنبلة نووية، ولو كان هذا هو الخيار فلماذا إضاعة فرصها من قبل في ظروف أميركية أفضل سواء لجهة تماسك الحلفاء أو القدرة على حشدهم أو لجهة عدم امتلاك إيران ما يسمح كاليوم بتحوّلها بقرار إلى دولة نووية عسكرية، أو خيار وقف التفاوض والعودة إلى العقوبات وما يعنيه من عودة إيران إلى تخصيب اليورانيوم على النسب المرتفعة المناسبة للتصنيع العسكري والعودة لمفاوضتها لاحقاً وقد امتلكت مخزوناً كافياً لتصنيع القنبلة، بينما نصف المفاوضات اليوم يدور على امتناع إيران عن هذين التخصيب والتخزين.

– لا شيء يبدو في الأفق أيضاً يقول إنّ لدى واشنطن ما يستدعي الاستنتاج بتغيير استراتجي يتيح الذهاب إلى حدّ تسهيل تقاسم سورية بين تنظيم «داعش» المدعوم من تركيا و«جبهة النصرة» المدعومة من تركيا والسعودية وقطر وفرنسا، وحصة ثالثة تكبر أو تصغر لسيطرة الدولة السورية بجيشها ومؤسساتها. فمثل هذا الخيار عندما يصير استراتيجية يعني منح «داعش» و«النصرة» منصّات تمدّد لن يكون الأردن ولاحقاً السعودية وبعدهما تركيا بمنأى عنها، ولن يكون في قدرة أحد تفادي تهاوي سقوط جدار الأمن الأوروبي أمام جحافل المتوحّشين يدقّون أبواب عواصمها، مهما كان الحديث عن ضمانات تقدّمها قيادات التنظيمين الممسوكين من فوق الفالتين من تحت في العلاقة بالاستخبارات الغربية، وسيكون سقوط السعودية أولى الثمرات القريبة لهذه الاستراتيجية، ووقوع أحداث بحجم سيطرة «داعش» على مكة والكعبة، مدخلاً لتغييرات لا يعلم أحد مداها في العالم الإسلامي. وفي المقابل سيكون من الصعب تفادي تسليم وسط وغرب العراق لـ«داعش» كشرط لنجاح هذه الاستراتيجية، وما سينتجه ذلك من تقسيم العراق إلى دويلات، تتكفل إحداها في الشمال تحت عنوان انفصال الأكراد بدولتهم بشق وحدة تركيا، وتتكفل الثانية في الجنوب في شق شرق السعودية، بالتالي وقوع الساحل المتوسطي السوري واللبناني والتركي تحت لون طائفي يصعب منع تواصله مع إيران، مثله مثل ساحل الخليج الشرقي المقابل لإيران، التي سيصير في يدها مصادر قوة تجعلها واحدة من القوى الدولية العظمى، بينما تنسحب عن الساحة منافستاها التركية والسعودية بقوة الإلغاء.

– تلعب واشنطن تكتيكياً لعبة حافة الهاوية في ربع الساعة الأخير، وهي الاستراتيجية التي وصف بها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر الرئيس الراحل حافظ الأسد، والقائمة على التفاوض على قاعدة عدم الخشية من الذهاب إلى النهايات الصعبة في المواجهة في قلب الصراع، والتي تفترض ضمناً وفقاً لكيسنجر في وصفه للأسد امتلاك خيار الحرب إذا فشل التفاوض في نيل ما يفترض أنه الأساسيات التي لا تراجع عنها، وهذا ما ليس موجوداً في حالة واشنطن اليوم تجاه ملفات المنطقة، فالذهاب بالتكتيك التصعيدي نحو النهاية يعني خسارة الفرص ودخول النفق المظلم، وحافة الهاوية التي تعتمد على درجة من قدرة التحمّل وبرود الأعصاب، لا تكتفي بهما ما لم يكن خيار الذهاب إلى النهاية في المواجهة خياراً عقلانياً، وهذا قد يصحّ في حالة «إسرائيل» بشروط معينة، والسعودية بشروط أخرى، حيث التسويات كأس لا تقلّ مرارة عن الحروب، والحروب لا تقلّ مرارة عن مساكنة التآكل مع الوقت، لكن في حالة أميركا تبدو بدائل التسويات العقلانية مجزية وليست مجرد أنها الأفضل، ليصير السير إلى حافة الهاوية تكتيكاً تفاوضياً، وإرضاء للحلفاء الغاضبين، ومنحهم فرص وضع كلّ أوراق قوّتهم لتحصيل أفضل مكانة تفاوضية.

– يصف كيسنجر استراتيجية الأسد التفاوضية، حافة الهاوية، بالقول، إنها تشبه ملاعبة أسد الغابة لفريسته حيث يبلغ معه حافة الهاوية ولا يتراجع لأنه واثق أنه في النهاية بعد القفز فوق الهاوية سيمتلك بمرونة وتفوّق أدائه أن يتخذ من فريسته وسادة سقوطه، وهذا في السياسة يعني جعل خسائر الخصم من فشل التفاوض أكبر من خسائر الأسد، وطالما خيار المواجهة هو خيار وجود بالنسبة لسورية، فهل تتوقع واشنطن صمت أو رضا أو تسليم سورية، أما بالنسبة لإيران فحائك السجاد يذهب إلى السوق ويفاوض حتى آخر رمق لنيل أفضل الأسعار لكنه كثيراً ما يعود ويقول، سجادة أمضينا عمراً في نسجها إنْ لم يأت سعرها هذا الموسم فلا بدّ أن يأتي في الموسم المقبل ويحملها على كتفيه ويتوسّدها في طريق العودة راضياً فرحاً، وهذه هي حال إيران مع ملفها النووي والمفاوضات حوله.

– خيارات فشل التسويات أقلّ وطأة على إيران وسورية، والذهاب إلى ما بعد حافة الهاوية مدمّر بالنسبة إلى واشنطن ومصالحها وحساباتها وحلفائها، لكنه أهون الشرور بالنسبة إلى قوى محور المقاومة.


اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى