وجهة الحنش الداعشي… استراتيجية إطباق الثغر والاستدارة

حسن شقير

لم تكد تمضي أيام قلائل على سيطرة «داعش» على مدينتي الرمادي العراقية وتدمر السورية، حتى انهالت التحليلات من كلّ حدب وصوب حول الوجهة التالية للتنظيم الإرهابي في الجغرافيا السورية تحديداً، ذلك لأنّ تدمر السورية هي الامتداد الجغرافي للرمادي العراقية المحتلة ابتداء…

لا شك أنّ موقع هذه المدينة السورية وتماسها مع بعض من المحافظات السورية الأخرى، جعل منها، ومن وجهة التمدّد الداعشي في سورية محلّ تساؤلٍ ونقاش وتحليل… بعيداً عن كلّ ما ذكر مؤخراً حول هذه النقطة بالتحديد – والذي لا ننفي إمكانية حدوثه – إلاّ أننا ووفقاً لما نعتقده، وفي كل ما كتبنا حوله في السنوات الماضية، بأن الإرهاب، ما هو عاملٌ حيوي استراتيجي، تستخدمه أميركا تارةً، وتستثمر به أطواراً أخرى، لتحقيق مصالحها ومصالح من تتعهد بحمايته – وبكافة الوسائل والأساليب – وبأقلّ كلفة مباشرة وممكنة عليها… لأجل ذلك، وتنفيذاً لاستراتيجية أوباما في كيفية الحفاظ على مصالح الأمن القومي الأميركي في المنطقة، والتي ظهرت جلياً في الاستراتيجية الأولى للأمن القومي الأميركي في العهد الأوبامي، والصادرة في أيار من العام 2010، والتي كتبنا عنها في حينه بأنها «خريطة طريق جديدة في استراتيجية أوباما»، وذلك للحفاظ على أمن الكيان الصهيوني من خلال مجموعة من الإحاطات الأربع، التي كانت من بينها الإحاطة الجغرافية…

لقد ورد في متن تلك الوثيقة – والتي تسير بها وحولها السياسات الأميركية، منذ تاريخ إصدارها حتى اليوم، والمرتكزة على الاستثمار «بالأصدقاء، أو حتى بالأعداء» لتحقيق ما تصبو إليه تلك الوثيقة… والتي كان من أبرزها حماية الكيان الصهيوني…

لقد توصلت سابقاً، إلى قناعة مفادها، بأنّ «داعش» هي رافعة للبازل الصهيو ـ أميركي المتعثر في المنطقة، والذي وُضع تحت العين الصهيونية منذ بداية ما سُمّي بـ»ربيع العرب»، والذي شمل مثلث الجيش والشعب والدولة في المنطقة، بحيث أنّ هذا التنظيم وأخواته من الفصائل الإرهابية الأخرى قد فعل فعله – للأسف – بذاك المثلث… وقد أشرت في تموز الماضي إلى أنّ «داعش» سيصبح العامل الأبرز في تنفيذ الاستراتيجيات الكبرى للصهيو ـ أميركية، والتي من بينها «بتر الأهلّة وتهديد الأقواس»، بحيث أنّ تمدّد «داعش» الحالي، يكون قد أسدل الستار على تلك الاستراتيجية لهذه الناحية.. فلقد بُتر فعلاً، ما سُمّي يوماً ما بالهلال الشيعي، ولقد وُضع الهلال السني تحت نير التهديد الفعلي، والذي يجعل من دوله الثلاث أكثر التصاقاً بالحلف والسياسة والاستراتيجية الأميركية في المنطقة تركيا، الأردن والسعودية .

بالعودة إلى تلك الوجهة المقبلة والمفترضة لذاك الحنش الداعشي، والممتدّ من محافظة صلاح الدين العراقية، فنينوى، فالأنبار وصولاً إلى تدمر السورية… ولأجل التذكير فقط فإنّ «داعش»، لا بدّ له أن يقرأ جيداً نتائج محاولته التوجه إلى أربيل في العام الماضي، وما لحق به من هزائم في عين العرب الكردية، وأيضاً ما لحق بمناصريه ومبايعيه في تخوم الجولان السوري المحتلّ، وعلى أيدي من يدعمهم اليوم الكيان الصهيوني هناك، والمتمثلين بـ»جبهة النصرة» وحلفائهم في تلك المنطقة… وبالتالي، فهو «أعقل» من أن يكرّر أخطاءه في هذه المرحلة…

لعلّ من المفيد التذكير بأنّ الكيان الصهيوني، لطالما يتغنّى بـ»داعش»، كونها تشكل حوافز عظيمة للكيان الصهيوني… لا بل أنّ هذا الأخير، لطالما يُهدّد بأنّ المسّ الداعشي بالأراضي الأردنية سيدفعه فوراً إلى التدخل، لحماية النظام في المملكة، والتي يعتبرها الكيان مجالاً حيوياً لأمنه… وأيضاً ما يريده ويردّده الأميركي مؤخراً، بأنّ داعش ليست خطراً داهماً على المملكة العربية السعودية! فاستقرار هذه الأخيرة، وبحسب اعتقادنا، لهو من أوجب الواجبات لدى أميركا، وذلك من باب مصالحها الاستراتيجية في تلك المنطقة…

إذاً، واذا افترضنا بأنّ المنطق السياسي والاستراتيجي والمصلحي، والذي سيحكم على خط سير «داعش» المقبل في سورية – ولأسباب استراتيجية وميدانية ومصلحية لدى التنظيم – فسيكون – أيّ هذا الخط نحو القلمون الشرقي تجنباً لمدينة حمص، وكذا لمدينة دمشق… بل أنه سيتخذ مساراً بين هذا وذلك من القلمون الشرقي، ثم القلمون الشمالي، ليصبح على تماس مباشر مع حزب الله في القصيْر وريفها على حدّ سواء…

ماذا يعني ذلك؟ إنه الحنش الداعشي الممتدّ من العراق فسورية فلبنان… كون تلك الوجهة تخدم تقاطع المصالح الصهيو ـ أميركية والثالوث التركي القطري السعودي، وذلك على حدّ سواء… في خدمة وتقاطع وعدم تضارب مع مصالح تحالف العدوان على سورية بأجمعه…

إنّ تضخيم الجذع الداعشي في ما بعد تدمر نحو لبنان، وفتح ثغر الحنش الإرهابي على المقاومة، وبأنيابٍ حادّة ممتدّة من الأنبار العراقية… سيحتم على المقاومة والممانعة استراتيجيات جديدة وسريعة لا بدّ منها، لإفشال الأهداف الداعشية والصهيو ـ أميركية المتقاطعة مع الثالوث المذكور أعلاه… والتي لا بدّ لها أن تعمل لعدم تضخيم الجذع الإرهابي بدايةً، وعدم السماح بالتالي لفتح ثغر الحنش، لا بل أنّ هذا الأخير لا بدّ أن تُفرض عليه استدارة إلزامية نحو نقطة الإنطلاق… فكيف سيكون ذلك؟

قبل البدء بالإجابة على هذا السؤال، من المفيد الإشارة إلى تلك السرعة التي سارت بها المقاومة في معركة القلمون المستمرة، وذلك لحشر مجاميع الإرهاب من «داعش» و«النصرة» في بقعة جغرافية أضيق مما كانت عليه إلى حدود النصف تقريباً، وذلك لأسباب أضحت معروفة لدى الجميع… ولا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أنّ خيارات «النصرة» قد ضاقت عليها بخصوص التوافق الإلزامي مع «داعش» لتأمين خط انسحاب نحو الداخل السوري، في حال رضخت لذلك، كون «داعش» وحده يمتلك خطاً مفتوحاً – ولو ضيّقاً – من الجرود نحو الداخل السوري… هذا فضلاً عن تواجده في بعض الريف الدمشقي، وبالقرب من العاصمة، وذلك في الحجر الأسود ومخيم اليرموك تحديداً…

لأجل ذلك كله فإنّ وجهة «داعش» المفترضة أعلاه، والتي لا تُغضب من ذكرناهم سابقاً، ستشكل بشكل أو بآخر مدداً مادياً ومعنوياً لكلّ تلك البؤر الداعشية التي ذكرناها، الأمر الذي قد يجعل من كثر كانوا حتى الأمس القريب يقاتلون «داعش» في تلك المناطق، سيجعلهم حلفاء، إنْ لم يقوموا بتقديم فروض الولاء والطاعة أيضاً، وذلك خوفاً وطمعاً في أنٍ معاً…

من هنا فإننا نفهم تلك السرعة التي سارت وستسير بها معركة الجرود، وتحديداً في عرسال، وذلك لمنع تضخم رأس الثعبان وانتفاخه من جهة، ولمنع رفد اتصال الجذع الإرهابي بالأذرع المتناثرة من جهة ثانية…

هذه الاستراتيجية، ستكون فقط البداية، لأنّ ذلك لا يكفي لمنع التضخم وفتح الثغر الذي تحدّثنا عنه… إلاّ أنّ السرعة في السير باستراتيجية المقاومة في منع التضخم والانتفاخ في الرأس الإرهابي، لا بدّ أن تصاحبه – وبدون إبطاء – عاصفة سريعة وقوية أيضاً من مكان الانطلاق في الأنبار، وباقي المحافظات العراقية، وذلك لإجبار هذا الحنش المتمدّد في سورية وصولاً إلى الوجهة اللبنانية، بأن يطبق فاه مجدداً، ويستدير مضطراً نحو الخلف لرفد بداية جذعه من جهة، ولمحاولة إطفاء النيران المشتعلة فيه من جهة ثانية، لأنّ السير بتلك الاستراتيجية لدى محور الممانعة، ستُصيب أكثر من جحرٍ تآمري في أن معاً… فمن جهة ستبعد خطر «داعش» عن محافظتي دمشق وحمص الاستراتيجيتين للدولة السورية، وستفرض على «داعش» وجهة استدارة محدّدة نحو الداخل العراقي مجدداً… وستجعل من المعركة الحاصلة في سورية اليوم محصورة ما بين الدولة السورية والمقاومة من جهة، وما يُسمّى بـ»جيش الفتح» من جهة ثانية، وذلك بدلاً من أن تكون مقابلهما معاً…

خلاصة القول، قد تكون هاتان الاستراتيجيتان السريعتان، والمفترض السير بهما بزخم وبقوة وبسرعة على حدّ سواء، لدى محور الممانعة في كيفية التعامل مع الحنش الداعشي، وتحديداً من بدايته في العراق، وحتى رأسه على تخوم لبنان… هما السبيل الأيسر لتقزيمه وتشتيته بدلاً من تجميعه، وذلك ربما سيكون كفيلاً بإبعاد خطره الاستراتيجي، والذي يعمل اليوم على تظهيره بالتكافل والتضامن وتلاقي المصالح مع دول تحالف العدوان على سورية والمقاومة ومحور الممانعة، وعلى من يقف خلفهم من دول العالم أيضاً.

باحث وكاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى