عاصفة الجنوب بداية تحول في الحرب

ناصر قنديل

– منذ أيام قليلة أعلنت كلّ الفصائل المسلحة تحت قيادة «جبهة النصرة» غرفة عمليات موحدة لبدء عملية الزحف نحو دمشق، مدعومة عبر الحدود الأردنية نارياً وبشرياً بتدفق لآلاف المسلحين وتغطية إعلامية وسياسية، ترافقت مع بلوغ محاولات إيجاد ثغرة معنوية في درجة تماسك المنطقة المركزية المحاذية لدرعا في الجنوب السوري، وهي منطقة السويداء، التي سلطت للاشتغال على فكفكة علاقتها بالدولة والجيش وخطوط إمداده وحركته القدرة القصوى للمشاركين في حلف الحرب على سورية، من تركيا والأردن و»إسرائيل» والنائب وليد جنبلاط، وكله تحت ضغط التهويل بالمجازر والمذابح، وفيما كان التحضير متواصلاً على الجنوب الشرقي من جهة درعا، وكان الإرباك على وسط الجنوب في السويداء، كان الجنوب الغربي في سفوح جبل الشيخ يشهد حرب استنزاف قاسية توحي بكونها جبهة الحرب الحقيقية، والإيحاء أنها حرب الحسم لفتح الطريق إلى دمشق من جهة خان الشيح، بعد إسقاط حضر وتوظيف المجازر فيها لربح المعركة في السويداء.

– النظر إلى ما جرى تحضيره لجنوب سورية خلال شهر كامل، يجب أن يتمّ على خلفية المعرفة بما أصاب جبهة الشمال من جمود، في ضوء تطوّرين كبيرين، الأول المتغيّر الذي لحق بقدرة تركيا على مواصلة الانخراط الهجومي في الحرب على سورية بعد الشلل الذي أصاب فريق الرئيس رجب أردوغان وحزبه بنتيجة ما حملته الانتخابات، من إعلان نهاية السيطرة على مقدرات القرار التركي والدخول في مرحلة طويلة من الارتباك الداخلي من جهة، والتحرك الكردي على الحدود السورية التركية الذي غيّر أولويات تركيا، وتسبّب بالتركيز على منع نشوء شريط كردي متصل يستند إلى السيطرة على عين العرب كوباني من جهة مقابلة، فكانت معارك كوباني التي يخوضها «داعش» برعاية تركية هي الحدث الأول شمالاً، بينما كان تورّط «داعش» في هذه الحرب لاسترداد كوباني لتعويض الخسائر التي مُنيت بها في تل أبيض سبباً لتركيز «داعش» على الشمال في المعارك مع الأكراد، بعدما صارت جبهة الغرب نحو القلمون استناداً إلى السيطرة على تدمر، محكومة بمعادلة صعبة للكسر مرتين. فالجيش السوري نجح في تحصين مواقعه في الشمال الغربي لتدمر، تخطت مجرد التحصين عبر استرداد مواقع من قبضة «داعش»، وحزب الله نجح في كسر هيبة «داعش» بعدما نجح في كسر قدرة «النصرة» في حروب القلمون.

– لم يبق إلا الجنوب مسرحاً صالحاً للتوظيف للانتصار الذي يحتاجه حلف الحرب، قبل نهاية شهر حزيران، موعد الاستحقاقات الداهمة إقليمياً، خصوصاً ظهور نتائج التفاوض حول الملف النووي الإيراني، فكانت كلّ الإمكانات جنوباً من السعودية وتركيا و«إسرائيل» وجنبلاط والأردن وقطر ومن خلفهم الغرب كله، كما تقول أهداف الرمي المدفعي والصاروخي للمجموعات المسلحة بأسلحة ثقيلة بعيدة المدى من داخل الحدود الأردنية وبتسديد مبني على معلومات استخبارية، يندر أن تتمكن المجموعات المسلحة من تحصيلها من دون خدمة الأقمار الاصطناعية للدول الكبرى، لتزويد المسلحين بها ساعة بساعة.

– وقعت على مدى ثلاثة أيام حرب كاملة بكلّ ما تعني الكلمة، حرب فيها مناورة سياسية إعلامية معنوية ضخمة اسمها تحييد السويداء، ومناورة عسكرية متقنة اسمها الهجوم على حضر، والناس تستعدّ نفسياً لأحد خبرين متصلين ببعضهما، سقوط حضر وارتكاب المجازر فيها، أو إعلان تحييد السويداء وإلا بدء الهجوم عليها، ليكون الهجوم كما أريد له مفاجئاً على درعا، وفي الهجوم تكتيكات وحشود ونيران منسقة وخطط ومناورات تكفلت بإعدادها غرف عمليات محترفة تتخطى عقول المجموعات المسلحة التي ظهر تخطيطها العسكري في الكثير من عملياتها السابقة ما نجح وما فشل منها، حتى يمكن الجزم أنه يستحيل أن تفشل خطة اجتياح درعا إلا إذا كانت بداية لفشل الحرب كلها.

– لقد تقابلت الخطط بخطط والحشود بحشود، والنار بالنار، وتقابل فريقان يتبادلان الربح والخسارة منذ أكثر من خمسين شهراً، ويحتاجان التقابل في منازلة يملكان فيها أسباباً كافية لعدم ربط الفشل بالظروف، النارية والإمدادات البشرية والخلفية الجغرافية، لدرجة يمكن القول معها بكلّ راحة أنّ ظروف المسلحين من هذه الزوايا وامتلاكهم زمام المبادرة والمناورة، تجعلهم في الموقع الأفضل لكسب الحرب، وتجعل انتصار الجيش السوري علامة تتخطى مجرد الصمود والقدرة على التصدّي وردّ المهاجمين.

– ما جرى في جبهة الجنوب هو بداية التغيير المحوري في مسار الحرب، فيكفي متابعة ما يجري على جبهة المعنيين بالهجوم على درعا بعد انهيار غرفة العمليات واستقالة أركانها الذين بقوا على قيد الحياة، وتخوينهم لبعضهم البعض والشتائم التي يتبادلونها على صفحات التواصل، والتعازي التي توجه بها وليد جنبلاط، معزياً نفسه ربما ليقينه أنّ السويداء كانت التالية لو سقطت درعا في يد حلفائه، ويقينه أنّ خطة إسقاط السويداء في حضنه، دفنت مع قادة «النصرة» الذين دفنوا تحت أنقاض غرفة العمليات، ويعرف أنّ الذي مات هناك هو ما تبقى من مشروع الحرب على سورية، وأنّ ما أنجزه الجيش السوري هناك بقتل المئات من نخبة المسلحين المستوردين، وضباط دول مشرفة ومشاركة في الحرب، يتعدّى مجرد ربح معركة بل هو بداية حسم مسار ومصير الحرب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى