الاستطلاع… «قانون أرثوذكسي رئاسي»

هتاف دهام

لم يستطع لبنان أن ينشئ دولة المواطنة حتى اليوم، فهو يعيش فيديرالية الطوائف لكن ليس على أساس جغرافي بل على أساس قانون الانتخاب. وتستند هذه الفيديرالية إلى أعراف غير مكتوبة يُخشى أن تتحوّل إلى نصوص دستورية مكتوبة، بخاصة مع المتغيّرات في الداخل ومخططات التقسيم التي تستهدف المنطقة برمّتها.

إنّ إجراء الاستطلاع الشعبي الذي تحدّث عنه رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون في 15 أيار الماضي للخروج من الأزمات الدستورية، يحتاج إلى قانون أقله قانون عادي إنْ لم يكن قانوناً دستورياً حتى تكون نتيجته ملزمة لمجلس النواب، ما يعني تكريسه عرفاً شفهياً بنصّ خطي، وهذا ما يتجنّبه لبنان حتى الآن.

ويعتقد المتابعون أنّ اللجوء الى الاستطلاع دونه عقبات دستورية وسياسية، إذ إنّ مؤيدين للعماد عون شخصياً، قد يستمرّون في تأييده مرشحاً رئاسياً، لكن سيمتنعون عن تأييد آلية تحضير الانتخابات، بما في ذلك استطلاع الرأي، خصوصاً أنّ فريقاً من «المسلمين» يخشى من أن تكون هذه الآلية طريقاً لوصول المتطرفين «المسيحيين» الى الرئاسة وإبعاد الوطنيين المعتدلين الذين يشكلون ضمانة وطنية للنظام. وأعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ كلّ العالم يعرف أنّ الجنرال عون هو الأقوى مسيحياً، لكنّ الاستطلاع سيكرّس رئيس حزب «القوات» سمير جعجع الأقوى مسيحياًَ بعد رئيس التيار الوطني الحر. وبدا ذلك واضحاً أيضاً في كلام رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية الذي أكد أمس عقب استقباله أمين سرّ تكتل التغيير والإصلاح النائب ابراهيم كنعان في بنشعي «أنه يوافق على الاستطلاع الرئاسي شرط أن يكون وطنياً وليس مسيحياً فقط».

لكن ماذا بعد الاستطلاع الذي وافق عليه رئيس حزب «القوات» ضمناً خلال زيارة وفد «التكتل» الذي ترأسه كنعان الى معراب منذ نحو شهر، لطرح مبادرة عون، ولم ينتظر زيارته إلى الرابية للإعلان عن ذلك؟

أيّد رئيس «القوات» ودعم بقوة البند الثاني من المبادرة التي فنّدها الوفد العوني بنداً بنداً أولها اعتماد الانتخابات الرئاسية من الشعب مباشرة على مرحلتين الأولى مسيحية والثانية وطنية، أو القيام باستفتاء شعبي ومَن ينتخبه الشعب للرئاسة ينتخبه المجلس النيابي، أو انتخاب مجلس النواب للرئيس من بين القيادات المسيحية الأكثر تمثيلاً، ورابعاً انتخاب المجلس النيابي قبل انتخاب رئيس الجمهورية، مع اعتبار أنّ البنود الثلاثة الأولى تسوية أما الرابع فهو الحلّ .

أبدى حزب «القوات» موافقته على طرح الاستطلاع الذي يعطي «القوات» فرصة إثبات وجودها كإحدى القوتين المسيحيتين الأساسيتين، ويجعل من جعجع المسيحي الأقوى بعد عون، وبذلك يكون الاستفتاء قد منحه فرصة العمر، فضلاً عن أنّ جعجع الذي أيّد الاستفتاء يعلم أنّ «المسلمين» لن يسمحوا بتمريره على غرار القانون الأرثوذكسي الذي نفض جعجع يده منه بعد «الفيتو» الذي وضعه تيار المستقبل على اعتبار أنه غير دستوري، وبذلك يكون تيار المستقبل رفض الأرثوذكسي رئاسياً ومسيحياً.

بناء على ذلك يكون جعجع، وفق مصادر متابعة، قد وافق على الاستطلاع لأنه أذكى من غيره من الأقربين والأبعدين، مراهناً على رفض الحلفاء والخصوم لفكرة إجراء الاستفتاء ولنتائجه، وفي الوقت نفسه يكون قد سجل نقطة متقدّمة في ملعب عون وأجرى مصالحة شعبية مع القاعدة العونية.

أما العماد عون فيؤكد وفق زواره أنّ استطلاع الرأي يلزم الأطراف الأخرى المتضاربة في مواقفها من حيث المشاريع السياسية ورؤيتها إلى مواصفات الرئيس الذي يجب أن يكون، فهو رسالة الى الحلفاء والخصوم وإلى كلّ من يتعاطى في هذا الملف من الدول الإقليمية والغربية، ومفاد الرسالة أنّ أحداً لا يمكنه أن يصادر رأي الشعب اللبناني في تسمية الرئيس الأقوى مسيحياً، كما صادروا رأيه في التمديد للمجلس النيابي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى