محمد ناصيف رجل الرعيل الأول المستمرّ إلى الحداثة وصاحب البصمة في العلاقات السورية ـ الإيرانية

دمشق ـ نيرمين فرح

شيّعت الأوساط الشعبية والرسمية جثمان اللواء المتقاعد محمد ناصيف خير بيك، معاون نائب رئيس الجمهورية العربية السورية. من دمشق التي ودعها ناصيف رسمياُ إلى قرية اللقبة في منطقة مصياف بحماة مسقط رأسه، حيث ووري الثرى في مدافن العائلة، رحلة اختصرت تاريخاً من العمل الأمني والعسكري والسياسي.

«أبو وائل» كما تعرفه الأوساط العسكرية والسياسية داخل وخارج البلاد، والذي اغتاله المرض العضال، يعتبر شخصية استخباراتية تاريخية سورية بامتياز تدرّجت بمناصب عدة آخرها مساعد نائب رئيس الجمهورية.

في الثلاثينيات من عمره تولى ناصيف رئاسة فرع الأمن الداخلي، واستمرّ فيه ما يقارب العشرين عاماً، أشرف خلالها على عمل الجهاز مواكباً ومتابعاً أزمات سورية منذ حرب 1973 وحرب لبنان 1975، والمواجهة مع «حركة الإخوان المسلمين» في الثمانينات، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران، حيث لعب ناصيف دوراً كبيراً في تهيئة وتأسيس علاقات سورية الاستراتيجية مع إيران.

جمعت ناصيف علاقات وطيدة مع سياسيين لبنانيين وعراقيين وأكراد وإيرانيين، كما عرف عنه اطلاعه على العلوم الدينية، فكان الأقرب إلى رجالات الدين السوريين على اختلاف مذاهبهم، وحاز على ثقتهم مما هيأه للعب أدوار في المصالحة السورية إبان الثمانينات، كما بنى جسوراً صلبة مع رجالات الدين في لبنان والعراق وإيران، ويقول المقرّبون من ناصيف بأنّ قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله الخميني كان يقدّره شخصياً.

ويعتبر ناصيف الذي غدا معاوناً لنائب رئيس الجمهورية منذ حوالي سبع سنوات تقريباً بمرسوم رئاسي عام 2005 من أهمّ رجالات الأمن في سورية.

نعي الراحل المفتاح

وفي جملة شهادات في الراحل وصف عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام الدكتور خلف المفتاح اللواء محمد ناصيف بالمسؤول القريب من الناس، الذي لم تمسّ سمعته بأيّ ذكر للفساد طوال مسيرة عمله، وقال لـ«البناء»: خدم اللواء ناصيف بلاده لعدة عقود بروح وطنية، حيث حظي بالعمل مع القائد حافظ الأسد واستمرّ حتى وفاته يرافق مسيرة الرئيس بشار الأسد، بالإضافة إلى دوره الكبير في عدة مفاصل تاريخية في سورية كمواجهة مشكلة «الإخوان المسلمين» في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وترتيب العلاقات مع دول صديقة كلبنان وإيران أعمق من النطاق السياسي، إنما على المستويات الاجتماعية والإنسانية أيضاً، وكان له دور في ترتيب المؤسسات الأمنية وطريقة عملها والاعتماد على حسّ المواطن الأمني وليس على دور الدولة فقط.

وإذ أسف خلف لفقدان شخصية من رجالات الرعيل الأول لبناء سورية طلب الرحمة والغفران للراحل الذي لن يُنسى ذكره في تاريخ سورية.

الإمام

بدوره عبّر الدكتور وائل الإمام عن أسفه لخسارة سورية رجلا في السياسة والأمن والجيش، وهب حياته لسورية منذ عهد الرئيس المؤسس حافظ الأسد وحتى وفاته، وقال في شهادته لـ«البناء»: كان أبو وائل مثالاً للالتزام والانضباط والخبرة لكلّ ضباط الجيش والأمن في سورية، واستطاع اختراق مخابرات أجنبية وأدلى بمعلومات هامة لصالح الجمهورية العربية السورية».

الحسن

من جهته اعتبر الدكتور حسن الحسن الباحث والخبير الاستراتيجي أنّ غياب اللواء محمد ناصيف يتجاوز صفة الشخصنة للموت، لأنّ الخسارة امتدّت لتفوق كلّ ما هو معتاد، وأضاف: عندما نودّع قامة كمحمد ناصيف فإننا نودّع همّة تزرع في النفوس الهمم وإرادة لطالما روّضت المستحيل. وتابع: الراحل ليس مجرد مواطن أو ضابط بل هو استثناء بإبداعه وعطائه واستثناء بقدرته على التعامل مع المتغيّرات والمصاعب.

فياض

ويصف الدكتور نبيل فياض الراحل محمد ناصيف بأنه أكثر ديمقراطية من كبار المثقفين، وأضاف في شهادته لـ«البناء»: أفتخر بمعرفتي به رغم اعتبار بعضهم أنّ التصريح بعلاقة مع رجل استخبارات بهذا المركز خطأ، ولكني اعترف بمساعدة محمد ناصيف لي في كثير من الأحيان، خاصة في مواجهة منغصات لاحقت نشر أحد كتبي عام 1993 في دمشق، وله فضل عليّ على طول معرفتي به». وتابع: «كان رجلاً نادراً كبيراً بفكره وثقافته، وعايشت معه مواقف عديدة لمست فيها مدى ديمقراطيته وتقبّله للآخر، ما دفعني إلى أن أجزم بأنه لا يمكن الخوف من رجل كبير مثل محمد ناصيف، بل الخوف هو من بعض الصغار العاملين في المؤسسات الأمنية».

ويؤكد فياض أنّ ناصيف كان رجلاً ملتزماً دينياً هادئ ورزين، وأعلم أنني لن استفيد من كلامي هذا بعد رحيل ناصيف، ولكني أقوله إنصافا له ولعائلته وللحقيقة».

باتريك سيل: كان يعيش في مكتبه

في كتاب عن سيرة الرئيس حافظ الأسد يقول الكاتب البريطاني باتريك سيل: «كان محمد ناصيف متكتماً أكثر من الجميع إلى درجة أنه كان يعيش في مكتبه، وكان واحداً من القليلين جداً من الناس المسموح لهم بالمبادرة إلى التحدث مع الرئيس الأسد هاتفياً في أيّ وقت. فبالإضافة إلى ترؤسه لما كان في واقع الأمر بوليساً سياسياً، كان واحداً من أهمّ مستشاري الأسد في شؤون الشيعة سواء في لبنان أو في إيران. وكان مقرّباً من السيد موسى الصدر والقادة الثوريين الإيرانيين ».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى