الحلّ حكومة «تكنوقراط» أو توافق وطني سياسي… أو ماذا؟

راسم عبيدات

في ظلّ انسداد أفق العمل السياسي وتعمّق وتكرّس الانقسام وعدم دوران عجلة حكومة الوفاق الوطني، وفي ظل التطورات الجارية على صعيد إنجاز هدنة طويلة الأمد بين «حماس» ودولة الاحتلال، حيث المحادثات بينهما قطعت شوطاً كبيراً برعاية عربية وإقليمية ودولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، والمسألة لم تعد مجرد «دردشات» أو تفاهمات شفوية، كما يحلو لقياديين في حماس القول. ونحن لسنا بصدد النقاش في هذا الجانب، ولكن المهم هنا القول بأن تلك من العوامل التي دفعت بحكومة الحمد الله إلى تقديم الاستقالة أو إقالتها.

وأضح أننا سنعود إلى «تجريب المجرب» فنحن في تشكيلات الحكومة السابقة كانت هناك حكومات «تكنوقراط» ومستقلون وحتى حكومة بصيغ وطنية، وهذه الحكومات المتعاقبة لم يحصد القائمون عليها سوى الفشل والإفشال، فهي لم تحقق الهدف الأساسي من التكليف، سواء على صعيد تحقيق تنمية أو معالجة الهموم والمشاكل الحياتية للناس وتثبيت الأمان والاستقرار والسلم الأهلي والتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية، والحدّ والتخفيف من حالة الاحتقان السياسي بين مركبات العمل السياسي الوطني والإسلامي الفلسطينية، وبالذات منها طرفا الانقسام فتح وحماس .

حكومة رامي الحمدالله المستقيلة والتي تشكلت على أساس معالجة الهموم والقضايا الحياتية في قطاع غزة على وجه الخصوص، والقيام بمشاريع تنموية تعمل على تخفيف حدّة التناقضات الاجتماعية هناك، وكذلك تقليل نسبة الفقر والجوع والبطالة، والعمل على تحسين شروط وظروف حياة الناس، والتي باتت أقرب إلى الجحيم، وهذا يتطلب معالجة ملفات جوهرية مثل رفع الحصار وإعادة الإعمار وفتح المعابر وبالذات معبر رفح وحل رواتب موظفي سلطة حماس الـ40 ألفاً وإعادة المشردين الذين شردوا في الحرب الأخيرة بفعل العدوان «الإسرائيلي» ببناء مساكن لهم.

هذه الملفات فشلت حكومة الحمدالله في معالجتها على مذبح الأجندات والأهداف والمصالح الخاصة لـ»فتح وحماس» والفئوية والتدخلات العربية والإقليمية والدولية وإسرائيل في الشأن الفلسطيني، يضاف إلى ذلك أن وضعاً جديداً نشأ عن هذا الفشل، هو أن قيادة حماس وجدت أن من أجل ضمان بقاء حكومتها وسيطرتها على القطاع وحل مشاكلها المالية والسياسية، وكذلك حل المشاكل الحياتية المتفاقمة للجماهير، من جوع وفقر وبطالة وأزمات كهرباء وماء وصرف صحي وبنية تحتية، فإن خيار عقدها لهدنة طويلة مع «إسرائيل» قد يشكل لها مدخلاً مهماً في إيجاد حلول لتلك المشاكل، وهي تقول لسلطة رام الله «ما في حدا أحسن من حدا»، وعلى رغم الخطر الجدي في هذا الخيار من خلق حالة كيانية في قطاع غزة مقابل تحسين ظروف حياتية، ميناء عائم، وإيجاد حالة من التقاسم الوظيفي المدني مع السلطة في الضفة وابتلاع القدس، إلا أن حماس تقول بأنه لن تكون هناك دولة في قطاع غزة، والمسألة ليست بالقول والنوايا، ولكن بما يخطط له الاحتلال.

حل حكومة الحمدالله أو تقديمها للاستقالة، قد يكون من أجل ممارسة ضغوط على حماس لثنيها عن الاستمرار في مفاوضاتها مع «إسرائيل»، وحماس تقول بأن حل الحكومة من دون مشاورتها وموافقتها يعني التنصل من اتفاق الشاطئ، وتحلل حماس من التزاماتها تجاه حكومة الوفاق الوطني.

المسألة ليست في تشكيل الحكومة من جديد برئاسة الحمد الله أو غيره، وليس المهم أن تكون حكومة «تكنوقراط»، أو مستقلين أو حكومة توافق وطني سياسي، بل ما هو البرنامج الذي ستقوم عليه هذه الحكومة؟ وهنا يبنى عليه الفشل والنجاح، فالحكومات يتم استحضارها لتجاوز وحل أزمات وليس تقيدها وتأبيدها، وفي ظل ما نشهده من اتساع حدة وعمق الخلافات بين طرفي الانقسام، فهذا الانقسام يستطيل مداه ويتكرس، ولذلك الأولية يجب أن تكون لإنهاء الانقسام على تشكيل أي حكومة وتحت أي مسمى، فما فائدة وما هو الإنجاز الوطني الذي سيتحقق من تشكيل حكومة من دون برنامج وطني متفق عليه وطنياً؟ وهل الخطوط السياسية هذه ستُحترم أم ستضرب بعرض الحائط؟ وهل ستنجح تلك الحكومة بخطوطها السياسية في حل مسألة ما يسمى بالمؤسسات السيادية من حيث المهام والوجود والهدف؟ فهذه المؤسسات لم تبنَ على أساس وطني، بل بنيت على أساس فئوي، نمت فيها مصالح للكثيرين المستعدين لهدم المعبد على من فيه في سبيل الحماية والدفاع عن تلك المصالح، وكذلك مسألة الانتخابات، هل هي قادرة على الحسم في هذا الجانب؟ حيث حماس، ترى في الانتخابات أنها شاملة ومتزامنة مع مجلس وطني وتشريعي، وفتح في المقابل تقول بتعذر ذلك.

نحن الآن حقيقة في أزمة مفصلية جداً خطيرة، مرحلة كل المؤشرات تقول بأن المشروع الوطني يجرى تفكيكه، والقضية الوطنية تصفى وللأسف بأيدٍ ومشاركة فلسطينية، أزمتنا لا تنفع ولا تفيد معها تسمية نوعية الحكومة، فلا يصلح العطار ما أفسده الدهر، فنحن لا نريد حكومة تعيد إعادة إنتاج العقم السياسي والتنموي، بل المطلوب تغيير جوهري في السياسات ومنهج العمل، يجب أن يتم خلق حالة من الوعي والضغط الشعبي من أجل إسقاط ما هو قائم، وقبل تشكيلة أي حكومة مهما كان نوعها وشكلها، فالأولية يجب أن تكون لإنهاء الانقسام، وعلى الجماهير أن ترفع شعارها الناظم لتحركاتها «لا شرعية لأحد في ظل الانقسام»، وهذا يحتاج إلى تشكيل أطر ولجان جماهيرية حقيقية، بقيادة مركزية تقودها وتوجهها مع امتدادات فرعية لها في كل القرى والمدن، تأخذ على عاتقها ومن خلال حواضن تنظيمية من القوى الشعبية والمجتمعية والحزبية العمل على إيجاد أساليب ضغط جماهيرية جدية وفاعلة على السلطة في رام الله وسلطة حماس في القطاع، من أجل وضع حد للانقسام، كأن يتم الاعتصام الدائم أمام مقارها الرئاسية ورئاسة الوزراء بشكل دائم وبجموع غفيرة، تطالبها بإنهاء الانقسام.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى