الدور الأردني في سورية والعراق

د. إبراهيم علوش

يتناسى من زعموا أن تدخلهم في العراق وسورية جاء لـ»مكافحة الإرهاب» أنهم لعبوا دوراً عام 2003 في تسهيل الاحتلال الأميركي للعراق، وأن تدمير الدولة الوطنية العراقية وحل مؤسساتها وجيشها على يد واشنطن وحلفائها، كان المقدمة الأولى لنشوء حواضن الإرهاب، فهم من عزف لحن «الديمقراطية» الأفاكة الذي جعل أفعى الإرهاب تشرئب من جحرها لتتمايل على إيقاعات الموت المعمم. لنتذكر القواعد الأميركية، لا في دول الخليج العربي فحسب، بل في شرق الأردن أيضاً، ولنتذكر فتح المجال الجوي التركي لطائرات التحالف، لضرب العراق عام 2003، وأن الطائرات الأردنية والخليجية شاركت مع الناتو بضرب ليبيا عام 2011، فأسهمت بذلك بخلق حواضن الإرهاب هناك. ولم يكن العراق قبل عام 2003، ولا ليبيا قبل عام 2011، دولتين حاضنتين للإرهاب التكفيري، وهي نقطة بديهية كثيراً ما تغيب عنا. كان تدمير الدولة الوطنية في العراق، ثم ليبيا، بالقوة الغاشمة من الخارج، العامل الأول الذي سمح بتحول بعض بقاع تينك الدولتين إلى موئلٍ الإرهاب التكفيري.

لم تتعرض سورية طبعاً لحملة جوية شاملة على غرار العراق عام 2003 وليبيا عام 2011، على رغم الضربات الجوية الصهيونية بين الفينة والأخرى، وعلى رغم تلويح الولايات المتحدة بشن مثل تلك الحملة قبل صيفين، غير أن ذلك لا يعني بتاتاً أن العدوان عليها كان أقل ضراوةً، فمن وسائل «القوة الناعمة» لإثارة الفتنة الدموية بأيدٍ داخلية، إلى الدعم المالي والعسكري واللوجيستي والاستخباري المباشر والعلني للعصابات المسلحة من قِبل دول حلف الناتو وتركيا وقطر والسعودية، تدفقت شحنات الأسلحة والمتطوعين لتلك العصابات عبر تركيا أساساً وعبر الأردن، كما وثقتُ في مادة سابقة في «البناء» في شباط 2014 بعنوان «تغذية الإرهاب في سورية عبر الأردن: ثمة من يلعب بالنار». أما تركيا فتحولت إلى معبرٍ لانتقال عشرات آلاف الإرهابيين التكفيريين من كل أنحاء العالم إلى سورية والعراق، ما حوّل سورية اليوم إلى تجمعٍ للإرهاب التكفيري أكبر مما كانت عليه أفغانستان في ثمانينات القرن الفائت، ما هيأ مباشرة لنشوء مواطئ قدم في سورية لجماعات قطع الرؤوس وأكل الأكباد مثل داعش والنصرة. فالإرهاب في سورية منبعه في الخارج ومصبه في سورية. وهي حقيقة بديهية أخرى كثيراً ما يتم القفز عنها. كان السماح بتدفق الإرهابيين والأسلحة لسورية والعراق، بالأخص عبر تركيا، العامل الأول الذي سمح بسيطرة داعش على الرقة ثم الموصل، ثم سيطرة النصرة وأخواتها على إدلب.

الموقف الرسمي المعلن هو أن النظام الأردني لا يتدخل في الشأن السوري أو العراقي، وأنه يؤيد الحل السياسي في سورية إلخ… لكن الحديث عن غرفة عمليات «الموك» التي تدير العصابات المسلحة وعملياتها جنوب سهل حوران هو حديثٌ علني، كما وثقتُ في مادة سابقة في «البناء» في 14 كانون الثاني 2015 بعنوان «درعا كبوابة للخطر الإقليمي». وقد أشرتُ في «البناء» في 26 شباط 2014 تحت عنوان «في أبعاد الغارة الصهيونية على جرد سهل البقاع»، إلى أن تلك الغارة جاءت على خلفية «حملة إعلامية مدعّمة بالدلائل الميدانية حول فتح جبهة جنوبية على الدولة السورية عبر الأردن مع وصول الجولة الثانية من جنيف 2 إلى طريقٍ مسدودة، وعلى خلفية تزويد العصابات المسلحة في سورية بشحنات أسلحة أميركية جديدة»، وعلى خلفية «تقارير قديمة عن لقاءات بين ضباط من الجيش الحر وضباط صهاينة في الأردن وغرفة العمليات المشتركة في الأردن لتنسيق العمليات العسكرية للعصابات المسلحة في جنوب الدولة السورية التي تضم ضباطاً عرباً وغربيين وربما صهاينة، وتموضع قوات أميركية في الأردن». وعلى رغم ذلك، أصر النظام الأردني أنه لا يتدخل في الشأن السوري، وقد ترافق ذلك مع خطاب رسمي أردني يتناول «الاتهامات السورية للإردن» بالتدخل بنبرة منخفضة و»عاقلة» وغير تصعيدية، ليمرر ما يريد قوله عبر بعض كتاب الأعمدة المحسوبين على النظام.

ثمة حديث علني الآن عن تسليح العشائر السنية في العراق وسورية، «بناء على طلبها» طبعاً، وعن إعادة تعريف دور «الجيش العربي» ليشمل تحذير الدول المجاورة أن «تضبط حدودها… وإلا فإن القوات المسلحة الأردنية لن تتردد في التعامل مع أي خطر يهدد أمن بلدنا خارج حدودنا إن لزم الأمر»، كما صرح رئيس هيئة الأركان مشعل الزبن، في حفل لمناسبة عيد الاستقلال وعيد الجلوس الملكي وعيد الجيش ويوم الثورة العربية الكبرى، تخلله تسلم الراية الهاشمية، تلك الراية القرمزية التي كتب عليها التشهد والبسملة والحمد إلى جانب النجمة الهاشمية، ما يوحي بأن النظام الأردني تتم تهيئته للعب دور أمني وسياسي في سورية والعراق يتجاوز تدريب وتسليح وإدارة العصابات المسلحة من قواعد خلفية في الأردن. وتبع تصريح الزين تصريح الملك عبدالله الذي نشرته وسائل الإعلام في 15 حزيران 2015 بأن «العالم يدرك أهمية دور الأردن في حل المشاكل في سورية والعراق وضمان استقرار وأمن المنطقة»، ثم جاءت بعدها بأيام زيارة وليد جنبلاط الأردن وما نقلته وسائل الإعلام عن مطالبته للملك عبدالله بالتدخل مباشرة «لحماية دروز السويداء»، وكان الطلب تقديم مساعدة أمنية وعسكرية، وليس التدخل سياسياً لدى العصابات التي يدعمها النظام الأردني مثلاً.

ثم، قبل سويعات من كتابة هذه السطور، نُشر تقرير «فايننشال تايمز» البريطانية أن الأردن يفكر بإقامة منطقة عازلة في سورية تشمل محافظتي درعا والسويداء، بذريعة «منع الجهاديين» من التمدد في تلك المنطقة، وسبقت ذلك تسريبات عبر صحيفة تركية ناطقة باسم حزب العدالة والتنمية الإخواني بأن أردوغان طلب من الجيش التركي إقامة منطقة عازلة موازية شمال سورية، بذريعة «تمدد الأكراد» والمتطرفين!

هو مشروع التفكيك الصهيوني نفسه بأدوات صهيونية، لكن هيهات، فالجيش العربي السوري بالمرصاد، وللحديث بقية…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى