القاسم المشترك في هجمات الكويت وتونس وفرنسا

حميدي العبدالله

الانطباع السائد والذي ركزت عليه جميع التحليلات، وهو انطباع صحيح وإنْ لم يكن وحيداً، أنّ القاسم المشترك الذي يجمع بين الهجمات الإرهابية التي ضربت في وقت متزامن الكويت وفرنسا وتونس هو أنّ تنظيم «داعش» هو الذي قام بهذا العمل الإجرامي، وأنّ هذا العمل يعبّر عن مستوى القوة والقدرة وحرية الحركة الذي يتمتع بها هذا التنظيم والذي تجاوز ما كان يقوم به تنظيم «القاعدة» منذ تأسيسه حتى الآن. ورغم أنّ منفذ الهجمات الثلاث التي وقعت في ثلاث قارات أساسية هي آسيا وأوروبا وأفريقيا واحد، إلا أنّ الهجمات استهدفت الشيعة في الكويت والسنة في تونس والمسيحيين في فرنسا، وبالتالي فهذا الإرهاب لا يستهدف مذهباً أو ديناً بعينه، بل يستهدف كلّ من يخالفه الرأي حتى وإنْ كان من أبناء دينه وأبناء مذهبه، وحتى إنْ كان يقاسمه الكثير من الأفكار والمفاهيم الإرهابية، وهذا الذي يفسّر الصراع الدموي بين «داعش» الإرهابي و«النصرة» الإرهابية.

لكن ثمة قاسماً مشتركاً آخر لم تتطرّق إليه التحليلات ولم تشر إليه التقارير والتغطيات الإعلامية والتصريحات السياسية المختلفة. يتجلى هذا القاسم المشترك الآخر في أنّ الهجمات وقعت في ثلاث دول، كانت هذه الدول، وبعضها لا يزال، بشكل أو بآخر، يشكل بيئة حاضنة للجماعات الإرهابية عبر السياسات الرسمية المعتمدة من قبل حكومات هذه الدول.

فرنسا على سبيل المثال، حكومتها الحالية قدّمت كلّ أشكال الدعم للتنظيمات الإرهابية التي تنشط في سورية، وتجاهلت كلّ التحذيرات من مخاطر هذه السياسة، وبعض هذه التحذيرات جاءت من أجهزة أمنية فرنسية، وكشفت التقارير أنّ الذي نفذ الهجوم معروف بأنه إرهابي، لكن الحكومة الفرنسية الحالية، غضت النظر عن نشاطه، ونشاط غيره لقناعتها بأنّ هؤلاء الإرهابيين يجنّدون المزيد من المقاتلين ويرسلونهم إلى سورية لضرب الدولة السورية، وهؤلاء يعبّرون عن جزء من طموحات الحكومة الفرنسية في إسقاط النظام في سورية.

تونس أيضاً، كانت حتى فترة قريبة دولة حاضنة للجماعات الإرهابية، أو لجماعات تتبنّى مفاهيم وأفكاراً تغذي الفكر الإرهابي، وتشجع على انتشار هذه الجماعات، فعلى امتداد أربع سنوات شكلت تونس ملاذاً وحاضناً للجماعات الإرهابية في فترة حكم جماعة «الإخوان المسلمين» التي تحمل في تونس اسم «حركة النهضة»، وإذا كان الحكم الآن بيد حزب «نداء تونس»، فهذا لا يعني أنّ هذا الحزب، الذي حرص على تشكيل حكومة ائتلافية مع النهضة، قادر على إلغاء إرث النهضة ببساطة ومن دون حرب لا هوادة فيها ولها ثمن أكيد لاقتلاع هذا الإرث المشين.

أما الكويت، فهي جزء لا يتجزأ من منظومة الدول الخليجية، وقد تكون حكومة الكويت أقلّ الحكومات الخليجية تورّطاً وحماية للإرهاب، بعد سلطنة عُمان، ولها موقف واضح على هذا الصعيد، ولكنها كانت على نحو أو آخر، تشكل بيئة حاضنة للإرهابيين، ولا أدلّ على ذلك من أنّ الحكومة الكويتية لم تقم بإقفال قناة «وصال» التي تدعم الفكر الإرهابي التكفيري إلا بعد وقوع الهجوم الانتحاري في مسجد في عاصمة الكويت، الأمر الذي بات يشكل تهديداً مباشراً لاستقرارها ووحدتها الوطنية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى