يامن الحجلي: سنردّ… إنما بعد انتهاء العرض

آمنة ملحم

مشاهد إغراء كَثُر عددها هذه السنة، حتى تكاد لا تحصى. وإيحاءات غرائزية فرضت نفسها ضيفة ثقيلة على بعض الدراما السورية. ربما يقبلها المشاهد مضطراً حينما يقرّر متابعة عمل دراميّ عن «الخيانة» مثلاً، على رغم أنها كانت مستهجنة لدى الجمهور السوري حتى في هذه الأعمال. أما أن تقدّم وبصورة فجّة على الشاشة، في عمل يتناول أزمة البلاد وينغمس فيها لدرجة أنك تشعر بالواقع المرير يمرّ أمام شاشتك، ورائحة البارود تكاد تخترق زجاجها لتملأ منزلك مرارة، فهذا ما صَعُب على المشاهد تقبّله حقّاً .

مّن قرّر متابعة مسلسل «عناية مشدّدة»، رغب بالتأكيد العيش مع صورة الواقع العنيف الفجّ المحيط به أينما رحل، إنما بقالب دراميّ يحمل التشويق وربما التوعية في حكاياته التي تشعبت لتنقل بشاعة الحرب وكل ما قد تحمله من مأساة اجتماعية وأخلاقية وجسدية. لكن جمهور العمل لم يتوقع طرقه في إحدى «حدّوداته» عالم الجنس والغرائز البشرية والتعرّي، بمشاهد إغراء قد تصلح للسينما فقط، لا لدراما أزمة البلاد التي قد يجتمع على متابعتها كافة أفراد الأسرة السورية من دون التفريق بين كبير وصغير .

لم يمرّر الجمهور ما تابعه مرور الكرام، إنما صبّ جام غضبه على العمل وصنّاعه. لا سيما الفنانات مؤدّيات تلك المشاهد لقبولهن تجسيد لقطات السرير بإيحاءات استفزّت الحضور. فأطلقوا العنان لغضبهم عبر صفحات التواصل الاجتماعي لا سيما «فايسبوك». ومرّروا انتقاداتهم عبره. وأهمّها تجسّد بضرورة وضع إشارة «+ 18» في شارة هذه العمل، أو عرضه خارج موسم رمضان. لتجد فئة من الجمهور في هذه المسلسلات من الإباحية ما يفوق أحياناً بعض الأفلام الرومنسية الأجنبية. ولنجد «فايسبوك» قد تحوّل إلى منبر للتعبير عن امتعاض الناس لما آلت إليه الدراما السورية بعدما بنت أمجادها لسنوات عدّة خلت عبر التزامها الأخلاقي والاجتماعي، واستطاعت دخول منازل السوريين والعرب ككل من دون استئذان، لما حملته من فنّ حقيقي وصورة ملتزمة بعيدة عن الابتذال والمتاجرة بالأجساد .

لم يتوقف الأمر عند حدود تعليقات خطّها رواد «فايسبوك» على صفحاتهم. إنما اندفعوا لتأسيس صفحة خاصة حملت عنوان «معاً لمحاربة المسلسلات السورية المسيئة للسوريين»، إذ أشادت الصفحة بالخطوة التي قرّرت المصممة العالمية السورية منال عجاج القيام بها تجاه الجرأة المبالغ بها في مسلسل «عناية مشدّدة» والمتمثلة بجمع مئتي سيدة سورية من كافة أطياف المجتمع، لرفع دعوى قضائية ضدّ العمل وضدّ الرقابة التي لم تفتح عينيها لوقف حلقات العمل، على حدّ تعبير عجاج. ودعت منال كل سيدة سورية مستعدة للدفاع عن مجتمعها وأجيال بلدها، إلى الانضمام لها بعمل توكيل فقط. وأبدت استعدادها للتكفل بكافة المصاريف اللازمة لرفع الدعوى، موجّهةً لومها لكتّاب العمل ومخرجه .

وسرعان ما دافع مخرج العمل أحمد إبراهيم أحمد عمّا قدّمه. إذ وجّه كلماته لكل منتقدي تلك المشاهد، مبرّراً وجودها بذريعة التوعية لفئات عدّة في المجتمع. فكتب عبر صفحته على «فايسبوك»، إن جميع الحكايات والقصص في «عناية مشدّدة» مأخوذة من الواقع السوري، ولن نقوم بتجميل ذاتنا ونكذب على المشاهد. فإذا لم تعجب شخصيّات عدّة بعض الناس كشخصية «عتاب» التي قامت بدورها الفنانة لينا كرم، وما تحمله الشخصية من سلبيات في بعض المشاهد مشهدان في كامل المسلسل ، فالهدف هو تسليط الضوء على هذه النماذج في المجتمع كي لا يقع البعض ضحيتها من استغلال حاجة المهجرين السوريين للقمة العيش، وتشغيل بناتهم في مهنة الدعارة تحت أسماء جمعيات خيرية وما شابه.

بدوره، أشار الفنان يامن الحجلي ـ المشارك في كتابة نصّ «عناية مشدّدة» ـ لـ«البناء»، إلى أنّ الردّ على ما يثار من ضجة حول الجرأة في مشاهد العمل سيكون بعد انتهاء عرض العمل لا الآن. مؤكداً أنه، ومع تطور الأحداث، سيدرك الجمهور مبرّرات وجود هذه المشاهد.

بينما ترفض الفنانة لينا كرم حالياً إجراء أي لقاء صحافي، أو الردّ على كل ما يثار حول شخصية «عتاب»، والتي تقدّم مشاهد الإغراء بالنسبة الأكبر من الدور.

ووجّهت الصفحة على «فايسبوك» رسالة إلى صنّاع الدراما السورية، تضمّنت: «بعض المسلسلات السورية لا يمثّل الشعب السوري. صورة الشعب السوري ليست في الدعارة والمخدّرات والمشروب والخيانة. الشعب السوري ـ على رغم الحرب والظروف ـ يبقى أشرف وأطهر. هذه الفئة السلبية وإن وجدت، فهي لا تتعدّى 10 في المئة، وحتى لو زادت بسبب الحروب، إلا أنها تبقى قليلة جدّاً. ليس من حق الممثلين أن يشوّهوا صورة السوريين ونبقى نحن صامتين. الشعب السوري أرقى وأطهر ولن نسمح بأن نبقى صامتين على مهزلة كهذه».

هذه النداءات ليست الأولى التي توجّه لإنقاذ الدراما السورية من براثن الانحلال الأخلاقي. ربما سيكون لها وقع آخر بخطوات جدّية وحقيقية في محاولة لانتشال الدراما السورية من فخّ مشاهد السرير هذه المرّة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى