مقامرة تسيبراس وميركل

عامر نعيم الياس

آلِكسيس تسيبراس رئيس حزب «سيريزا» اليساري الراديكالي في اليونان، فاز في الانتخابات النيابية في كانون الثاني الماضي. خبرٌ حلّ بمثابة زلزال في بروكسل. لا أحد يريد لليسار الراديكالي أو اليمين الراديكالي التقدّم في أوروبة. نحن هنا في مواجهة يسار ويمين شعبويين إلى الحدود القصوى. لكن الرياح جرت عكس تمنيات الاتحاد الأوروبي وقاطرته السياسية والاقتصادية في ألمانيا، فإسبانيا هي الأخرى خرجت عن سيطرة الأحزاب التقليدية المحافظة التي حكمت البلاد على امتداد عقود. وظهر بلداً عن الحزبين الاشتراكي واليميني، حزب «بوديموس» اليساري، وحزب «سيودادانوس» اليميني الذي فاجأ الجميع هو الآخر. لا مكان للأحزاب التقليدية المنضبطة في دول أوروبا تلك الدول التي تمر بأزمات مالية على وجه الخصوص وتخضع لبرنامج تقشف «المستشارة ميركل».

منذ بداية الأزمة في اليونان لوحظ توافق في المسار الفرنسي الألماني لمعالجة الأزمة، يحمل الفرنسيون على الدوام عقدة الحلف اللازم بوجودهم لقيادة أوروبا. مع أن ألمانيا تجاوزتهم منذ فترة ليست بالقصيرة. لعل في الاختلاف الواضح في تصريحات الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والمستشارة الألمانية آنجيلا ميركل حول استفتاء اليونان ما يشير إلى ذلك. ففي الوقت الذي رأى فيه الرئيس لفرنسي مدعوماً من رئيس المفوضية الأوروبية أنه «يجب الاتفاق فوراً»، ردّت المستشارة الألمانية على مقترحات رئيس الوزراء اليوناني بتعديل الاتفاق مع أوروبا بالرفض «لا نريد اتفاقاً بأي ثمن» لننتظر ونرى ما بعد «الاستفتاء»، الذي يبدو أن سيشكل المحطة الفاصلة في التاريخ الأوروبي الموحّد. فالاستفتاء الذي أعلن عن تنظيمه آلِكسيس تسيبراس يوم الإثنين المقبل في الخامس من الشهر الجاري، لهو استفتاء «بنعم أو لا» على الشروط الأوروبية لإدارة الأزمة المالية اليونانية ومنع البلاد من إعلان إفلاسها. هذا ظاهرياً. لكن الاستفتاء، وهو ما تدركه آنجيلا ميركل، يهدف إلى الإجابة بنعم أو لا على الأسئلة المصيرية الثلاثة التالية: رفض العملة الأوروبية الموحدة أو قبولها. رفض البقاء في الاتحاد الأوروبي أو قبوله. رفض حكم سيريزا لليونان أو قبوله. بمعنى أن الاستفتاء هو بمثابة اقتراع على شخص آلِكسيس تسيبراس وبرنامج عمله.

لا تريد المستشارة الألمانية أن تضحي بكامل الاتحاد الأوروبي وتراه يخرج عن العباءة الألمانية. ولا تريد لليسار الشعبوي المتحالف أو المتعاطف إلى حدٍّ ما مع التجربة الروسية أن يحكم. لذلك فهي تراهن على الاستفتاء من أجل فرض شروطها في عملية تفاوضية جديدة وبكلا الاتجاهين، سواء نجح تسيبراس وفازت الـ«لا»، أو خسر تسيبراس وفازت الـ«نعم». فالدعاية الأوروبية المنظمة في مواجهة تسيبراس تقوم أولاً وأخيراً على الرهان على مخاطر الخروج من اليورو والمجهول الذي ينتظر اليونانيين. ورقة يستخدمها الطرفان في معركة كسر العظم بينهما والتي يبدو أنها ستشتد مع نهاية نهار الخامس من تموز حيث يتوجه 9.855.029 مواطن يوناني للتصويت على برنامج التقشف. فيما تسيبراس نجح حتى اللحظة في فرض إيقاعه على الأمور بدءاً بورقة الاستفتاء التي تحضر الـ«لا» فيها باعتبارها الخيار الأول، وليس انتهاءً بالخلاف الألماني الفرنسي المستجد داخل الاتحاد والذي لا يمكن المرور عليه إن فاز تسيبراس في معركته.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى