سرقة الوقت… وحماقة في لبنان؟

ناصر قنديل

– يسير قطار فيينا السريع نحو محطة الوصول وهو قطار يبدو للناظر بحمولة واحدة هي الملف النووي الإيراني. وهذا صحيح، لكنه بهذه الحمولة وحدها يصير محمّلاً بثلاث حمولات إضافية، الأولى أنّ الغرب الذي عاقب إيران وحاصرها فشل في منعها من بلوغ كلّ المراحل التقنية اللازمة لامتلاك القدرة على تصنيع قنبلة نووية، وصار طريقه الوحيد لذلك هو التراضي مع إيران أن تمتنع عن استخدام هذه القدرة لبلوغ تلك المرحلة، أيّ الامتناع الطوعي عن تخصيب بنسب مرتفعة لليورانيوم، والامتناع عن تخزين اليورانيوم المخصب، طالما لا الحرب تشكل ضمانة للنجاح بتحقيق هذا الهدف ولا العقوبات ولا الحصار نجحا. فالبديل الوحيد هو الإغراء بفك العقوبات ووقف الحصار مقابل الضمانات الرضائية التي تقدّمها إيران لترجمة هذا الامتناع، وهذا يعني اعتماد الجزرة بعد فشل العصا.

– الحمولة الثانية هي أنّ كلّ تهديد في شأن آخر وملف آخر يضع بين يدي إيران ورقة اسمها العودة إلى التخصيب والتخزين، بعدما تكون الفائدة المرجوة من فك العقوبات قد أعادت الأرصدة المجمّدة، طالما أنّ ما تبقى من العقوبات قد اعتادت إيران على التعايش معه، ويعني أيضاً أنّ إيران ستبقى بعيدة عن التهديد مجدّداً في كلّ ملفات الخلاف، خصوصاً الإقليمية منها، وأنّ إيران الباقية على التزامها بالتفاهم النووي قد نالت ما تريد من امتلاك كامل التقنيات اللازمة التي تجعلها عضواً ضمنياً في نادي الدول النووية الكبرى.

– الحمولة الثالثة الضمنية لقطار فيينا هي أنّ إيران في ظلّ معطيات القوة في ملفها النووي، نجحت في رفض أيّ زجّ بملفات الخلاف الكبرى المشتعلة في المنطقة ضمن مقايضات الملف النووي، حيث حاول الغرب وعلى رأسه واشنطن تعويض العجز عن منع إيران من بلوغ المرتبة التي تريدها نووياً بإضافة مجموعة أثمان لفك العقوبات عنها، بدءاً بالمساومة على موقفها من سورية ورئيسها وموقفها من دعم المقاومة وخطابها العالي السقف حول وجود «إسرائيل»، وسياستها الداعمة للقوى المناوئة للهيمنة السعودية على الخليج، لكن العقوبات والحصار والضغط على الخاصرة السورية، والابتزاز في العراق، وتحريك الشهوة العثمانية التركية والوهابية التكفيرية السعودية و«داعش» و«النصرة»، كلها فشلت في دمج الملفات وتحقيق المقايضات.

– إنّ أي بحث لاحق بملفات المنطقة سينطلق بعد التفاهم النووي من معادلتي قدرة إيران على الضغط والتهديد بالعودة إلى التخصيب أمام كل تهديد غربي بتغيير المعادلات بالقوة من جهة، ومن جهة مقابلة دخول حلفاء أميركا موائد التفاوض من موقع الضعف، وموائد التفاوض تصير إلزامية طالما أن الملف الأكبر جرى حله عبرها، فما جدوى الرهان على القوة؟ ومن يراهن على كسر إيران بالقوة لا يوقع تفاهماً يحقق لها أرباحاً كخصم يظنّ أنه سيخوض عليه حرباً بعد شهور وينتصر فيها، فالطبيعي أن ينتظر الحرب ويحسم كلّ شيء، وهكذا سيجري التفاوض على الملفات الإقليمية والجميع قد خاض اختباراته ووصل إلى نهاياتها. وها هي تركيا جريحة بعد الانتخابات تسحب كلامها عن الحشود على الحدود مع سورية وأحاديث المناطق العازلة والحظر الجوي. ومثلها السعودية تنتظر معجزة تخرجها من الغرق المتواصل في المستنقع اليمني. و«إسرائيل» ليس في يدها حيلة مثخنة الجراحات من كلّ اتجاه.

– محاولات لسرقة الوقت جرت وستجري، قبل أن يصل قطار فيينا إلى محطة الوصول، لكنها لن تغيّر في الوقائع، المهمّ أنها محاولات قد ترتكب الحماقات التي تشعل فتيل تفجير يصعب وقفه. وإذا كانت تركيا و«إسرائيل» تحت ضغط الحسابات والموازين الرادعة بعيدتين نسبياً عن المغامرات، محكومتين بأنظمة حكم تمنع المقامرات الشخصية، لتصير العين مفتوحة على حماقة سعودية، لتفجير الموقف في مكان ما، ويصير لبنان موضوع عناية خاصة على رغم كلّ المؤشرات التي تقول إنّ الوضع تحت السيطرة، فيحتاج اللبنانيون إلى الانتباه مما قد تحمله الأيام القليلة المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى