هستيريا غزوة حلب… والمعركة المصيرية

هشام الهبيشان

لا يمكن لأي متابع أن ينكر حجم الأهمية الاستراتيجية لمحافظة حلب عسكرياً المتموضعة بموقعها الاستراتيجي بشمال سورية، فهي تشكل أهمية استراتيجية بخريطة العمليات العسكرية السورية، وتحتل أهمية استراتيجية باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتد على طول الجغرافيا السورية، فهي نقطة وصل بين مناطق وسط سورية وشرق وشمال وشمال غربي وشمال شرقي سورية، امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية التركية شمالاً من جهة ريفها الشمالي والشمالي الشرقي تحديداً، وصولاً إلى المناطق المرتبطة بالجانب الحدودي التركي من جهة محافظة إدلب شمال غربي سورية، إضافة إلى كونها تشكل نقطة ربط بين المناطق الجغرافية السورية المرتبطة بوسط وشمال سورية، وهذا ما يعكس حجم الأهمية الاستراتيجية الكبرى لمحافظة حلب بخريطة المعارك بالشمال والشمال الغربي والشمال الشرقي حتى شرق ووسط سورية بشكل عام.

هذه المحافظة الاستراتيجية تسيطر الجماعات الراديكالية على أجزاء منها تقدر بـ 43 في المئة وخصوصاً بعض مناطق أريافها وخصوصاً الشمالية منها وببعض مناطق المدينة وأحيائها وخصوصاً الشرقية منها، وهنا لا يخفى حجم الدعم التركي والسعودي والأميركي لهذه المجاميع المسلحة الراديكالية بعموم مناطق هذه المحافظة، الدولة السورية بدورها تحافظ على مساحة تزيد على 38 في المئة من عموم مناطق المحافظة، وتسعى بشكل مستمر إلى استراد المناطق الخاضعة لسيطرة المجاميع المسلحة بعموم مناطق المحافظة، والمساحات الباقية من المحافظة تتوزع خرائط السيطرة عليها بين الأكراد وجماعات وميلشيات مسلحة هدفها حماية مناطقها فقط.

مدينة حلب بدورها ما زالت وبمساحات واسعة منها تحت سيطرة الدولة وخصوصاً في مناطق وأحياء حلب الشرقية والشمالية الغربية والجنوبية إلى حد ما، هذه المدينة بالفترة الأخيرة تعرضت لمجموعة غزوات من قبل هذه المجاميع الراديكالية وداعميها بهدف إسقاط المدينة استكمالاً لمخطط إسقاط الشمال السوري كامتداد لما جرى بمحافظة إدلب مؤخراً، ولكن معظم هذه المحاولات فشلت وأسقطت بمقابل صمود الجيش العربي السوري مدعوماً بأهالي مدينة حلب أمام هذه الغزوات المتلاحقة، ما أدى لفشل معظمها إن لم يكن جميعها، أخيراً أعلنت ثلاثة عشر ميليشيا راديكالية موجودة في محافظة حلب، تشكيل غرفة عمليات «أنصار الشريعة»، والهادفة كما تتدعي إلى توحيد جهود الفصائل كافة من أجل إسقاط مدينة حلب، وريفها بالكامل، من تحت سيطرة الدولة السورية والجيش العربي السوري.

العملية بالطبع أعلنت نفسها فور انطلاقها، آلاف المسلحين الراديكاليين مدججون بعشرات الأطنان من الأسلحة الفتاكة كانوا هم النواة الرئيسية المحضرة لـ«غزوة مدينة حلب» وما يتبعها، وبدورها الأجهزة الاستخباراتية وعلى رأسها الاستخبارات التركية السعودية، جهزت الأرضية والدعم العسكري لهذه المجاميع الراديكالية لتتحرك بهذا الدعم العسكري والتسليحي واللوجستي بهدف إسقاط الأحياء الشرقية من المدينة كهدف رئيسي وأساسي، استكمالاً لمخطط إسقاط المنطقة الشمالية بعد سلسلة الانتكاسات التي تعرض لها الجيش العربي السوري بمدينة إدلب وبمناطق محددة بريفها وخصوصاً ببلدة جسر الشغور الاستراتيجية بالفترة الأخيرة، القيادة العسكرية السورية أيضاً استشعرت خطورة ما هو آت ويستهدف محافظة حلب كجزء من مشروع أكبر يستهدف المنطقة الشمالية ككل، والتي تعول عليها أنقرة والرياض كهدف أول يتيح لهم الوصول إلى مسار عسكري يضمن على الأقل تعديل مسار التوازنات العسكرية على الأرض السورية.

القيادة العسكرية السورية حضّرت بدورها لهذه المعركة الكبرى بمدينة حلب وأحيائها الشرقية تحديداً منذ زمن، وتعاملت بحرفية وحنكة مع معظم الغزوات السابقة التي تم صدها وإسقاطها بالتضحيات الجسام، معركة مدينة حلب هي معركة «مصيرية» بكل معنى الكلمة، نظراً إلى المكانة الاستراتيجية للمدينة وللمحافظة بشكل عام بخريطة العمليات العسكرية، وقد نجح الجيش العربي السوري بوقت سابق بإسقاط أهداف «غرفة عمليات فتح حلب «والتي تم تشكيلها من قبل ستة وثلاثين ميليشيا راديكالية مسلحة، تتقدمهم «أحرار الشام»، و«الجبهة الشامية»، ولم تنجح هذه الجماعات المدعومة من أنقرة والرياض بتحقيق أي إنجاز على الأرض، والسبب بذلك يعود إلى الحرفية والحنكة التي تعامل بها الجيش العربي السوري مع موجات الغزوة التي قادتها هذه المجاميع المسلحة بوقت سابق.

ومع فشل «غرفة عمليات فتح حلب» في تحقيق أي انتصار فعلي على أرض الواقع، ضغطت أنقرة والرياض باتجاه تشكيل قوة أكبر وأكثر تسليحاً لقيادة عمليات محافظة حلب كبديل نن «غرفة عمليات فتح حلب»، وهذا ما أنتج غرفة عمليات «أنصار الشريعة»، والتي تقودها مجموعة من الأنغماسيين الشيشان والأفغان التابعين لجبهة النصرة والمزودين بالآلاف من الصواريخ وكميات كبيرة من العتاد، كافية لمعركة قد تستمر لبضعة أيام على الأقل، وقد بدأت العملية باستهداف مبنى البحوث العلمية المتموضع بمنطقة حلب الجديدة والذي يعتبر نقطة مركزية من النقاط والمواقع العسكرية التابعة للجيش العربي السوري، وقد استهدف الموقع بالمئات من القذائف الصاروخية ومدافع جهنم ومجموعة كبيرة من العمليات الانغماسية، ما ساهم بتراجع الوحدة العسكرية الوجودة بالموقع «تراجع تكتيكي وليس انسحاباً لإعادة قراءة طبيعة المعركة والتكيف معها واستيعاب الضربة الأولى لها»، وهذا ما أثمر عملية عكسية فجر السبت نجح من خلالها الجيش العربي السوري باستعادة بعض المناطق المحدودة التي خسرها يوم الجمعة والعملية مستمرة بمحيط البحوث العلمية، مع العلم أن الغزوة ما زالت مستمرة وبزخمها الناري والقتالي نفسه وهي مستمرة منذ 48 ساعة تقريباً، والجيش العربي السوري يتصدى لها بحرفية سواء أكانت بمحيط البحوث العلمية أو بمحيط تجمع مباني جمعية الزهراء، مع توقعات تشير إلى أن الغزوة قد تستمر وفق زخمها الحالي إلى 48 ساعة أخرى على الأقل، نظراً لحجم التسليح الهائل وكثافة عدد المقاتلين للمجاميع المسلحة الغازية المدعومة من أنقرة والرياض.

ختاماً، فالجيش العربي السوري ووحداته القتالية ما زالت تتصدى بحرفية وبتضحيات جسام لموجات هذه الغزوة، مع عدم إنكار خطورة وحجم هذه الغزوة، ومع ذلك هناك مؤشرات على أن الجيش العربي السوري قد استوعب الموجة الأكثر قوة وانغماسية من موجات هذه الغزوة، وهو ما يسمح له الان بالمبادرة من جديد والقيام بعمليات عكسية مسنودة بسلاح الجو ضد هذه المجاميع الغازية، ومع ذلك سننتظر الـ72ساعة المقبلة للحكم بشكل فعلي على تطورات فصول وموجات هذه الغزوة التي تستهدف مدينة حلب من جديد، والتي ستبنى وسيكون لها وعليها بحال حسمها لمصلحة الجيش العربي السوري تطورات مهمة على مختلف الساحات العسكرية والسياسية الخاصة بالحرب على سورية.

كاتب وناشط سياسي ــ الأردن

hesham.awamleh yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى