هل تفتح معركة الزبداني باب الحلّ للعسكريين وعرسال؟

روزانا رمّال

تثبت معارك الزبداني العنيفة أنّ عنصر المباغتة والمفاجأة على صعيد فتح جبهات جديدة لقتال الإرهاب في سورية لا يزال أكثر التكتيكات الفعّالة التي توقع المسلحين بين يدي كمائن حزب الله والجيش السوري عاكسة تنسيقاً عالي المستوى بين حزب الله والجيش السوري .

هذا التنسيق لا يبدو أنه ينسحب فقط على المعارك في سورية بل ينسحب على كونه تنسيقاً سياسياً بأعلى المستويات بين القيادة السورية وقيادة حزب الله، ففتح معركة الزبداني في هذا التوقيت بالذات، ليس شأناً سورياً فقط بل هو شأن لبناني بامتياز، فمنطقة الزبداني هي منطقة إمداد الإرهابيين داخل سورية عبر عرسال التي تشهد الساحة اللبنانية اليوم سجالاً وتهرباً من المسؤولية الواقعة على عاتق الحكومة في البت بموضوع الحسم العسكري فيها وإعطاء الضوء الأخضر للجيش، فكلّ اللبنانين يعرفون أنّ الإرهابيين اتخذوا من عرسال منذ أكثر من 11 شهراً، فندقاً بكلّ ما للكلمة من معنى مع الحفاظ على أمنه على عاتق بعض القوى اللبنانية المعروفة المواقف والأدوار .

تفتح المعارك الدائرة في الزبداني اليوم، في شكل رسمي، مصير عرسال البلد وجرودها وتضع فكرة الضغط على المسلحين ودعوتهم إلى الانسحاب أقرب من أي وقت مضى وخصوصاً بعد حسم جبهات رئيسية في القلمون ما جعل الخناق يضيق أكثر فأكثر على المسلحين.

وتشير المعلومات في الزبداني إلى أنّ المعارك الشديدة أشاعت أجواء الهلع والهرب بين صفوف المسلحين ما أدى إلى إعلان «جبهة النصرة» أنها أعدمت ستة مسلحين حاولوا الهروب من معاركها قاصدة من خلال هذا الإعلان ترهيب المسلحين وتحذيرهم من مغبة التفكير بالهروب مهما زادت الضغوط، ما يعني أنّ القتال أمر واقع، مهما كلف الأمر، وفي هذا إشارة أوضح إلى أنّ الضغط التركي ـ القطري يزداد على المسلحين الذين أدركوا أنّ واقعهم بات مأزوماً .

وفي ما يخصّ اللبنانيين في شكل مباشر، فإنّ أحد أهم الملفات العالقة في البلاد هو ملف العسكريين المخطوفين وهم تحديداً عناصر للجيش وقوى الأمن الداخلي اللبناني خطفوا خلال الاشتباكات التي اندلعت بين الجيش اللبناني وإرهابيي «جبهة النصرة» و«داعش» منذ حوالي عام، وحتى الساعة لم تستطع الحكومة اللبنانية أن تثبت أنها قادرة على التواصل مع كل الجهات من دون أن يغيب عن أذهان اللبنانيين الدور التركي الناجح سابقاً في الإفراج عن الطيارين التركيين، مقابل زوار لبنانيين احتجزوا في أعزاز. وعلى أي حال، فإنّ هذا الغموض في ملف التفاوض أو بالأحرى، عدم جدية الأطراف الأساسية التي تعتبر وسيطة، شاءت أم أبت تركيا وقطر والتي أكدت أنّ التمسك بالمخطوفين اللبنانيين ليس سوى ورقة مؤجلة سيتم استعمالها للضغط لا محالة في وقت محدّد، حسب رغبة المشغلين.

لكنّ هذا التوقيت لا يبدو أنه سيبقى لوقت أطول في يد القوى التي ترغب بتحريك القضية حسب مقتضيات الساعة السياسية الإقليمية وتأكيدات الجانب اللبناني المتعدّدة أنّ ملف التبادل أنجز مع «جبهة النصرة» لم يثبت نجاعته وبالتالي فإنّ قول بعض القوى السياسية في لبنان إنّ الحلّ العسكري وحده قادر على استرجاع العسكريين يلوح في الأفق اليوم مع انتصارات الجيش السوري وحزب الله في الزبداني، التي عزّزت فرضيات استسلام «جبهة النصرة» في عرسال، أي أنّ الانتصار في معركة الزبداني يعني سقوطاً حتمياً للإرهابيين في عرسال .

تعرف المجموعات الإرهابية أنها تفقد خطوط إمدادها إلى الداخل السوري عبر الزبداني، وبالتالي فقدت عرسال اللبنانية مهمة الحفاظ عليها أو جدواها، وفرصة الرهان على سلسلة جغرافية تربط المنطقة بالقنيطرة انتهت، وكلّ هذا يعني أنّ وجود المسلحين الذين يقارب عددهم 2000 مسلح لم يعد له قيمة أو قدرة على الحراك والقتال، وبالتالي بات وجودهم عبثي وأقرب الطروحات ستكون المفاوضة من أجل المغادرة وربما تنجح هذه الفرضية، حسب مراقبين، وخصوصاً أنّ الجانبين التركي والقطري القادرين على توجيه الجماعات المسلحة يحتاجان اليوم إلى تقديم أي ورقة أو فرصة كتموضع سياسي أو مؤشر على تحرك جديد من قبلهم يمكن لروسيا أن تقرأه بعين الإيجابية في ظلّ كلام بوتين الداعم لسورية الأقوى من أي وقت مضى.

فهل يدخل الأتراك والسعوديون والقطريون على الخط لترتيب انسحاب الإرهابيين وحلّ ملف االعسكريين اللبنانيين المخطوفين، وبذلك تكون معركة الزبداني قد فتحت أبواب الحلّ للعسكريين أولاً ولمصير عرسال ثانياً؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى