«لا» اليونانية أبعاد الرفض الجيوسياسية

عامر نعيم الياس

61.1 في المئة من اليونانيين رفضوا الشروط التقشفية القاسية من قبل الاتحاد الأوروبي، ربح آلِكسيس تسيبراس الجولة الأولى من كسر العظم مع المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل، التي دعت والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى اجتماع لزعماء منطقة اليورو اليوم الثلاثاء.

تأثيراتٌ وتداعياتٌ للرفض اليوناني على الاتحاد الأوروبي ومصير العملة الأوروبية الموحدة والاقتصاد العالمي، لا يمكن التغاضي عنها، لكن اليسار اليوناني الذي عزّز موقعه في الحكم بتفويض شعبي كاسح في مواجهة الاتحاد الأوروبي وشروطه المجحفة، يملك أوراق ضغط في المفاوضات المقبلة مع الأوروبيين تتجاوز مصير الاتحاد إلى ما يمكن تسميته الأبعاد الجيوسياسية للأزمة اليونانية والتي، ليس تسيبراس بغافلٍ عنها، ويشكل مصير قيادة الناتو في شرق المتوسط أحدها.

في كتابه بعنوان «جيوبوليتيك اليونان» الصادر عام 2005، يقول جورج بريفيلاكس الأستاذ في جامعة باريس «إن ضمان يونان مستقرة سياسياً واقتصادياً يساعد على استقرار المنطقة وأَورَبة البلقان، أما اليوم فإن اليونان تتَبَلقَن»، فاليونان تتوسط البلقان ألبانيا، كوسوفو، مقدونيا، صربيا غير المستقر والشرق الأوسط المتشظي، وتعد بوابة أوروبا الجنوبية وهي البلد الديمقراطي الوحيد ذو الثقافة والأصول الأوروبية في محيط متأرجح. ففي الشمال نرى صعود القوميين البلقان، وفي الجنوب تتراجع الديمقراطية في شمال أفريقيا، وفي الشرق تركيا الماضية في التأسلم وسياسة صفر علاقات مع جيرانها، فضلاً عن الشرق الأوسط الذي يخوض حرب إعادة تشكيل وصوغ لوجوده وحدوده. فهل من مصلحة الولايات المتحدة قبل أوروبا الدفع باتجاه خروج اليونان عن السرب؟

واشنطن والناتو

لم يأتِ كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما عن خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي ومخاطر ذلك حبّاً بتسيبراس اليساري، إنما يقيناً منه بمخاطر خروج اليونان عن سيطرة البيروقراطية الأوروبية ممثلةً بالاتحاد الأوروبي، وبالتالي عن الرقابة الأميركية. فعلى رغم أن القواعد العسكرية الأميركية المتواجدة على أرض اليونان منذ الحرب العالمية الثانية قد تم تفكيك غالبيتها، إلا أن أهمها لا يزال متواجداً على الأراضي اليونانية، ومنها تلك التي تقع في «سودا» في جزيرة كريت وهي مقر للأسطول السادس الأميركي ومجهزة لاستقبال حاملات طائرات أميركية، كما أنها مركز تتزوّد به الطائرات الأميركية بالوقود. ووفقاً لصحيفة «لوموند» الفرنسية، فقد استُخدِمت هذه القاعدة «خلال الحرب على القذافي حيث رابطت على أرضها طائرات إف 16 و400 جندي من مشاة البحرية لأميركية أتوا إليها من كارولينا الشمالية». هذه القاعدة تسمح للولايات المتحدة الأميركية والناتو بالعمل في شرق المتوسط والتدخل السريع في أي نزاع ينشب في المنطقة كون موقعها يطل على كلٍّ من سورية والأردن ولبنان والكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة.

البلقان

الأسبوع الماضي، نقلت صحيفة «لوموند» عن مصادر في مقدونيا خبراً عن «مقتل خمسة من رجال الشرطة على يد مجموعة قومية مسلحة عبرت الحدود، يُعتقد أنها من كوسوفو»، والجدير بالذكر هنا أن ميناء سالونيك شكّل عام 1999 المعبر الأهم لقوات الأطلسي أثناء أزمة البلقان، وبالتالي فإن القيادة الشرقية للحلف من شأنها أن تتأثر بالتغيّرات التي تمر بها اليونان، خصوصاً إذا رفض الاتحاد الأوروبي التفاوض وفق شروط تسيبراس الذي لا يبدو أنه في وارد التراجع عنها بعد فوزه الساحق في الاستفتاء، وهنا يبرز عاملان يدعّمان موقف رئيس الوزراء اليوناني التفاوضي:

الأول: الورقة الروسية، فموسكو التي غمزت من قناة احتواء اليونان وجذبها وإن بتحفظ، كانت إحدى أهم المحطات الخارجية لجولات رئيس الوزراء اليوناني الذي وصل إلى سدة الحكم في شباط الماضي، إذ زارها مرتين. وبالتالي، نحن هنا أمام احتمالية تغيير في الوضعية الجيوسياسية لليونان والتحالفات الضامنة لها.

الثاني: الاتحاد الأوراسي والدخول الصيني على خط الاقتصاد اليوناني. فالصين كما يعلم الجميع تفضّل الجيواقتصادي على الجيوسياسي، وبالتالي هل تكون اليونان حصان طروادة بالنسبة إلى بكين؟

منطقة عبور اللاجئين

في السنة الحالية، بلغ عدد اللاجئين الذين وصلوا إلى الأراضي اليونانية 51920 لاجئاً غالبيتهم من سورية البلد الذي يهدد بأكبر أزمة للاجئين في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وتتعامل أثينا مع هذا الأمر بدعم من الوكالات الأوروبية المختصة وعلى رأسها «فرونتيكس» التي تقدّم الدعم المالي والتقني لقوات الأمن اليونانية. لكن ماذا لو خرجت أثينا من الاتحاد الأوروبي؟ ألا يعني ذلك تحوّل اليونان إلى معبرٍ مفتوح للاجئين من شرق المتوسط؟

تدرك الولايات المتحدة كل ما سبق، وتحاول منع كارثة خروج اليونان. أما ألمانيا ميركل فهي محتارة بين واشنطن وباريس والاقتصاد الألماني والمشروع الأوروبي. ويبقى تسيبراس المالك الأكبر والمسيطر على غالبية أوراق القوة في العملية التفاوضية سواء لجهة البقاء في أوروبا أو لجهة الخروج منها.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى