الوطن المبتلي… بالمصالح الخاصة دون العامة

د. سلوى خليل الأمين

ليس الوطن خريطة مرسومة بين خرائط الوطن، وليس أرضاً مستباحة لمن يريد فيه فساداً وخراباً، وليس حدوداً تخترق بأطماع المستفرسين على اقتسامه حصصاً، ولا يملك أمره حين سيادته تمزقت بين الطوائف والمذاهب المتناحرة، وأصحاب الشأو والشأن، ممن غلبوا الناس على أمرهم، واستغبوا عقولهم القادرة على التماهي مع إنماء الوطن وتطويره إلى الأفضل والأميز، بغضّ النظر عمّن سحلوا ضمائرهم بحفنة دولارات لا تسمن ولا تغني من جوع في زمن الانتخابات النيابية التي تمنح الوكالة الحصرية لمن كان الظنّ أنهم هم المؤتمنون على مصالح الوطن العليا والشعب الأبي المحروم.

إنّ فشل المشهد السياسي في لبنان، هو الذي يدعونا كأهل فكر وقلم إلى رفع الصوت عالياً في وجه من اغتصب حقوق المواطنين اللبنانيين، من أجل ضخّ المال العام في خزائن بيوت مالهم الخاصة، التي اتخمت من سرقة المال العام وهدره في مشاريع ملتبسة، تعود بالنفع على كلّ من أعلى القصور، وأسّس الشركات الوهمية، أو دخل شريكاً مضارباً في عمليات الخصخصة التي تدير المنافع العامة، كشركة «سوكلين» مثلاً، التي تخضع اليوم لمساومات من قبل بعض السياسيّين النفعيّين، الذين لم يشبعوا من تكديس المال، لهذا عمدوا إلى إغراق البلد في النفايات، في عزّ الطقس الحارّ الذي يسبّب الأوبئة والأمراض، خصوصاً في موسم الصيف السياحي، من خلال إنزال محازبيهم ومناصريهم إلى الشوارع والتسبّب بإغلاقها في عطلة الأحد الأسبوعية ما تسبّب تالياً بحجز الناس داخل سياراتهم على اتوستراد الجنوب، دون أيّ ارتباك أو إدراك للمسؤولية التي منحهم إياها الشعب اللبناني، الذي أئتمنهم على الصالح العام وليس العكس، مروراً بعدم اغتصاب المواقع الإدارية والمنافع العامة للحاشية المحظوظة، وإهمال الوطن ككلّ مناطقياً وطائفياً ومذهبياً، بحيث بات الماروني ابن الجنوب اللبناني محروماً، والدرزي ابن حاصبيا محروماً، والشيعي ابن جبيل محروماً، وابن الجنوب الشيعي الذي لا ينتمي إلى الأحزاب والحركات والتكتلات السياسية محروماً، والسني ابن الأقليم وابن البقاع وابن عكار محروماً، والوطني العلماني محروماً، والقومي العربي المؤمن بالعروبة ومقاومة الغاصب المحتلّ العدو الصهيوني محروماً، والواقف بثبات في وجه عصابات الإرهاب التكفيري محروماً، ولم يعد الوطن سوى مزرعة عشائر وقبائل تتناتش مقوّماته ومقدراته بالاستناد إلى قوى خارجية ووصايات خليجية وأجنبية، تفتح لهم باب الارتزاق أيضاً المسحوب على بيع الوطن لمن يدفع أكثر، بغضّ النظر عن مصلحة المواطن المغلوب على أمره، الذي بات متآخياً مع الأمراض والأوبئة والجرائم التي تحدث في البيوت والشوارع على عينك يا تاجر، ودون أن يرفّ جفن لأي مسؤول.

فيا سادة هذا الوطن الأشاوس، لقد أخطأنا الخطأ الجسيم بمنحنا لكم وكالة عامة لتدبير شؤوننا العامة، لهذا عليكم بتقديم استقالة جماعية تثبت عدم أهليتكم للاستمرار، وأنّ الشعب قادر على اختيار من يمثله بكفاءة عالية غير مرتهنة لزيد أو عمرو من الخارج، فقد سئمنا منكم، ومن الفقر والجوع والمرض واغتصاب الحقوق والإصرار على دفع الفواتير المتوجّبة من دون وجه حق، سئمنا من تدني الرواتب وغلاء الدواء ولقمة العيش، ومن هدر كراماتنا، ومن فسقكم وفجوركم وتصريحاتكم النابية التي تخدعنا وتستغبي عقولنا وتطمس معاني الحب في قلوبنا، وتسرق سحر قمرنا وضوء شمسنا وربيع أيامنا، نعم سئمنا من خزعبلاتكم الشيطانية ومن خطاباتكم المرتهنة والمفبركة، ومن إعلامكم المضلل والمباع في سوق النخاسة، لأننا كما خاطبتني صديقتي مها دمشقي علم الدين زوجة السفير اللبناني الراحل أديب علم الدين على الفايسبوك رداً على مقالي الأسبوعي المنشور في جريدة «الثورة» السورية بتارخ 26 تموز بعنوان: «تبقين يا دمشق الأمل المرتجى… المدعوم بالوفاء» الذي أسجل فيه عتبي على دمشق لأنها أهملت دعوة الأنقياء والشرفاء والصادقين من أبناء لبنان كي يدلوا بدلوهم في مؤتمرها الإعلامي الأخير حول الإرهاب الذي عقد مؤخراً في دمشق، ونشر المقال بحرفيته من دون أيّ حذف أو تغيير من منطلق احترام حرية الرأي التي تؤمن بها الصحافة السورية اللامرتهنة للبترودولار.

ما قالته مها وأودّ إيراده كي يطلع الجميع على مدى القرف والإحباط الذي يصيب مواطنينا الأنقياء من خلال بعض الممارسات التي لا تدخل حيّز المراجعات الدورية والانتقاد البنّاء من أجل تصحيح المسارات: «تساؤلك يا سلوى محق عن الأقلام العربية الحرة وعن قصقصة الجوانح وكذلك عهدك، أما وجعك فقد ضاعف وجعي المزمن على: عروبتنا وأمتنا، وواقعنا وقضايانا، ووجهنا ووجهتنا. مفردات لكلّ معاني الانتماء والهوية نشأنا عليها وشكلت وجداننا الحيّ، نراها اليوم أصبحت بأمسّ الحاجة لإعادة التعريف، حرصاً على سلامة من محيط ملتهب يلفنا وهو مثخن بالتخويف، مضلل بالتحريف، مبتل بالتسويف والتسخيف، فلا على الفكر والقول الأمان، ولا لفعل الكتابة أيّ ضمان، وقد دفعت في سبيل حريتها أغلى الأثمان».

أما ردّي فهو: الوطن مبتلٍ بالمصالح الخاصة دون العامة، والخطأ يستجلب الخطأ، علماً أنّ تاريخنا نابض بالثورات الحقيقية التي قادها المنتمون إلى أصالتهم الوطنية والقومية المتينة بشرف الدفاع عن الأرض والعرض والكرامات، أما حالياً فالصورة مأزومة ومتغيّرة إلا في بعض جوانبها حيث المخلصون الأنقياء والأوفياء لقضايا الأمة والشعب، هم الواقفون على خطوط النار، بالرغم من تمدّد الساحات، وانفلاش الإرهاب المنظم، وانجذاب الضمائر إلى المزادات العلنية، القائمة على البيع والشراء وأماكنها المشبوهة التي تدور حالياً حول القناعات الثابتة على الحرية والكرامة وسيادة الوطن، تماهياً مع كلّ ما يخطط من مؤامرات لعينة تغطي بغشاوتها وإرهابها التكفيري على العقول.

نعم نحن بحاجة لإعادة هيكلة مفرداتنا ومواقفنا وقناعاتنا وعروبتنا من جديد، من أجل استعادة مجدنا الغابر الذي تعمّد بالتضحيات الجسام حين كان للكلمة وقعها الحادّ وللسيف ذراعه المتينة، خصوصاً ونحن نشهد من حولنا هذا التمدّد الإرهابي اللعين، في بلاد الشام ومصر وليبيا، المدعوم من الخليجي والعثماني المتأمرك والمتصهين ومن الغرب الذي يتقن لعبة الأمم حين ازدواجية المعايير والمفاهيم هي حالة النفاق المنظم الذي يتمّ تمدّده لصالح سياساتهم الرعناء والمتوحشة.

يبقى الوطن كما قال الرئيس بشار الأسد في خطابه بالأمس: «الوطن لمن يدافع عنه ويحميه وليس لمن يحمل جواز سفره ويسكن فيه»، هذا القول ينطبق على العديد من سكان هذا الوطن لبنان الذي أردناه وطناً مشعّاً بالنور والأمل ويريدونه مزنراً بالنفايات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى