واشنطن تأخذ انجرليك ولا تغطي حرب أردوغان الداخلية

د. هدى رزق

لا تمكن قراءة ما يحدث اليوم في تركيا بمعزل عن نتائج الانتخابات البرلمانية التي اسقطت مشروع اردوغان الرئاسي وشكلت عائقاً حال دون تحكمه بمصير الشعب التركي ومستقبله. لقد طلبت الأحزاب المنتصرة وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري من اردوغان التزام الدستور الذي حدد صلاحيات رئيس الجمهورية الذي يحول دون تدخله بعمل الحكومة كما طلب منه إعادة محاكمة الوزراء الأربعة بالفساد أعادت فتح ملفاتهم.

اعتبر اردوغان ان انتصار «حزب الشعوب الديمقراطي» هو الذي ساهم في اسقاط مشروعه. وسكت عن ضرب مكاتبه منذ 5 حزيران طلب الحزب من الحكومة الاهتمام بأمن حملاته الانتخابية وردع المعتدين الا انه ادارت ظهرها وانتقدت حملاته. ولم تتوقف العمليات العسكرية ضد المناطق الكردية وبالتحديد في جنوب شرقي تركيا منذ 7 حزيران ما حمل حزب العمال الكردستاني على الرد.

تأتي العملية الارهابية التي حدثت في سوروج وأدت الى مقتل 32 شاباً وشابة في هذا السياق، وأثار ادعاء الحكومة بانتماء الارهابي الى تنظيم «داعش» دهشة قبل اجراء التحقيقات. لم تتأخر التظاهرات باتهام الحكومة بالتقصير والتواطؤ وما لبث حزب العمال الكردستاني ان اعلن عن مسؤوليته في قتل ضابطبن تركيين اتهامهما بمساعدة الارهابي الذي فجر نفسه في سوروج.

على أثر هذه الأحداث اتصل اردوغان باوباما وأبلغه بأن تركيا ستسمح للاميركيين باستعمال قاعدة انجرليك بعد ان كانت رفضت الأمر منذ اسبوعين بعد طول محادثات مع جون الن المبعوث الاميركي الذي ناقش الموضوع مع الحكومة التي أبدت موافقتها على المساعدة في وقف تدفق المسلحين عبر حدودها لكنها لم تعطِ موافقتها على فتح قاعدة انجرليك. قالت انها ستساهم في الحرب مع التحالف ضد «داعش» من دون اعطاء تفاصيل.

بدأ الاعلام التركي بترويج لموافقة الاميركيين على منطقة آمنة وشراكة في عمليات برية في الشمال السوري وعوض ضرب «داعش» في الداخل وجهت صواريخها على عنصرين من «داعش» داخل الاراضي السورية. فالاستخبارات التركية تعرف أماكن تواجد «داعش» في الداخل التركي عوضاً عن ذلك تحولت الطائرات الى قصف جبال قنديل في شمال العراق واستهداف حزب العمال كذلك جرى قتل أحد قياديي اليسار المتطرف وإلقاء القبض على عناصر من هذا الحزب وجمع كبير من مؤيدي حزب العمال داخل الاراضي التركية.

واطلقت آلة الحكومة الاعلامية تصريحات باعتقال عناصر من «داعش» والعمال الكردستاني الارهابيين، وساهمت في إثارة الروح القومية التركية ودعت الناتو الى الاجتماع من اجل النظر في الاعتداءات ضد الدولة التركية. لم تلبث واشنطن أن أكدت انه لا صفقة مع الاتراك في شمال العراق ولا اتفاق على منطقة آمنة ولا شراكة في اي عملية برية ولا تغطية جوية تركية لأي معارضة سورية انها فقط حرب ضد «داعش».

لقد تخلى الاتراك عن كل شروطهم وسمحوا للاميركيين باستعمال قاعدة انجرليك. وكان جون الن قد حذرهم من الدخول الى الشمال السوري.

اما حلف الناتو فقد اجتمع اعضاؤه الـ28 في شكل طارئ بعد ان استمعوا الى تقرير عن التهديدات التي تواجه تركيا من «داعش» وقالوا ان الارهاب يشكل تهديداً لأمن الناتو والامن العالمي فهو لا حدود له ولا هوية ولا منطقة. وأرسلوا تعزية الى الحكومة التركية وعوائل الضحايا. كما ان الأمين العام لحلف الناتو رأى انه من حق تركيا الدفاع عن نفسها. لكنه اعتبر على ان هذا الرد يجب ان يكون مناسباً كما ان رئيسة الاتحاد الاوروبي شددت على ضرورة استئناف عملية السلام مع الأكراد بعد ان كانت المانيا قد اعتبرت ان الرد التركي على العمال الكردستاني في جبال قنديل «غير مناسب».

يتضح ان الأتراك قد غالوا في تقديرهم لنوعية الاتفاق مع الاميركيين الذين سيمنحون الاتراك منطقة يمكنهم فيها التحليق لضرب داعش وهي تعتبر منطقة خالية من داعش وليس منطقة أمنة ويبدو انهم اغلقوا باب التفاوض حول القوة المعتدلة التي لطالما طالبت بها تركيا التي تروج لضرورة تواجد «الجيش الحر» مكان داعش بعد ضربها.

يبدو ان الولايات المتحدة قد غضت الطرف عن الضربات ضد العمال الكردستاني ولكن لا يعني الامر القضاء على عملية السلام. يختلف مشروع تركيا عن مشروع اوباما هم يريدون ضرب داعش والتوسع ليطاول الجيش السوري كما يريدون منع الاكراد من وصل كانتون الادارة الذاتية في عفرين مع منطقة عين العرب ورسم كيان من اجل الانفصال ما يؤرق الاتراك الذين لا يهمهم قتال داعش بقدر منع الاكراد من تحقيق كيان مستقل على حدودهم.

ان كانت حسابات حزب العدالة والتنمية هو الترويج للحرب من أجل مكاسب في الداخل فهذا يعني انهاء عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني والحرب عليه وهذا ما سيعيدها الى مربع التسعينات. تبدو رسالة واشنطن لتركيا واضحة ولا تريد ضرب حزب الاتحاد الديمقراطي في سورية بل هي تتعاون معه وتخوض حرباً ضد «داعش» وكل تصرف مغاير من قبل تركيا سوف يصب في مصلحة «داعش».

ان الضغط الذي تمارسه أنقرة على حزب الشعوب الديمقراطي ودعوة اردوغان للبرلمان الى الى محاكمته بسبب علاقته مع حزب العمال الكرستاني هو من اجل عزله وهكذا يمكن لاردوغان العودة الى مشروعه الرئاسي بعد ان يكسب اصوات القوميين المتطرفين من حساب حزب الحركة القومية. لن تمنع هذه الحرب حزب الشعب الجمهوري من اعطاء اصوات لحزب الشعوب الديمقراطي. وفي النهاية هذه الضربة سوف تجمع الاكراد وتحشدهم من اجل انجاح المرشح الكردي.

ان كان حزب العدالة والتنمية يعلن الحرب من اجل مكتسبات داخلية ومن اجل انقاذ اردوغان سياسياً فهذا يعني انهم مستعدون لخراب تركيا من اجل السلطة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى