العدالة

آلاء ملحم

استيقظت من حلمٍ غريبٍ لا يشبه الواقع أبداً. كنت جالسةً على قارعة الطريق أغنّي: «يا ظريف الطول ميّل تا قلّك»، فوقف أمامي رجلٌ غريبٌ هو الأخير الذي أريد له أن «يميّل». فقد بدت في عينيه نزعة الجنون، وفي لون بشرته صوت يهمس: «أنا لست من هنا». وحينما سألته باستهجانٍ عمّا يريد، صفعني على وجهي بشدّة من دون سبب وهرب!

فأخبرني المختار الذي كان يضع ساقاً على ساق و«يدخّن الشيشة»، وهو يراقب المشهد من دون سَرحان: «هذه العدالة يا بنيّة»، وأخذ ينفث الدخان ويضحك.

ومن شدّة الصدمة… لم أتحرّك.

ثم عاد الغريب وضربني من الوراء غدراً على أسفل رقبتي، فنهضت للّحاق به فأشار لي المختار بالعكّاز الذي في يده أن أجلس. وعلى رغم استطاعتي الإمساك به والقضاء عليه بقبضةٍ واحدة… فقد أطعته، وجلست.

ولكن، من مكان ما، تبعه صبية الحيّ ببضعة حجارة لم تصبه أيٌّ منها، وولّى هارباً.

عاد الغريب مرّة أخرى، بعضلاتٍ مزيّفةٍ مفتولة، وعندما حاول ضربي، تحايلت عليه ومِلت عكس اتجاه ضرباته. فأرسل المختار صبية الحيّ بعدما غرّهم ببضع قطع حلوى ـ منتهية الصلاحية ـ ليقيّدوا حركتي كي يتيسّر للغريب الأبله ضربي؟ فأفلتّ على رغم شدّة الوثاق الذي كان يقيّدني، وعلمت أنّ العدالة لا تحقّقها سوى… قبضتي.

واستيقظت! عيّدت!

لا تنتظروا العدالة. لا من الأمم المتحدة التي أدخلت العصابات الصهيونية إلى فلسطين لتنفّذ جرائم الإبادة الممنهجة. ولا من أميركا التي هي خليفة بريطانيا في استنزاف حقوق الفلسطينيين. ولا من الدول العربية التي باعت حالها قبل قضيتنا…

هي قبضتنا، وحدتنا، هي المقاومة من تحقّق العدالة. أعان الله أبناءنا وأحفادنا على مادة التاريخ لما تحمله من المعاني المعقّدة، وأكوام المصطلحات الجامدة والتواريخ المسطّرة والثورات المتضاربة بالقرارات الخارجة عن الإرادة، والتي تشهد بالفشل والضعف والاستكانة والمؤامرة. جملٌ مرهقة للعقل والنفس. ليفيض الكتاب دماً ويملأه جثثاً من الصفحة الأولى حتى «تمّ بحمد الله»، لا تدري أين أنت بينها!

تُرى، هل سيتعلمون من سذاجتنا، أن هناك تعريفاً واحداً للإنسانية، والوطنية؟ وأن إشارة «خطأ» كبيرة لا تقع سوى على خانة التبعية؟ وأن كل معالم الفساد رؤوسها بارزة لا تحتاج إلى سؤال توضيحيّ، إنما هي فقط دائرة لتعطي الجواب الصحيح؟ تُرى، هل ستدرس على أساس أنهم الأمل وطوق النجاة؟ أم هو تمهيد لتدريب ميدانيّ لتكريرها بدرجة الغباء والسلبية والهراء نفسها، إنّما بجودة الجيل وعصره؟!

كاتبة من فلسطين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى