مجموعة البريكس وشنغهاي وتصادم مشروعين… وبدائل متعددة لهيمنة القطب الأحادي على العالم

يعرض الباحث في الشؤون الاستراتيجية كمال مساعد أبعاد قيام تكتل دولي من مجموعتي بريكس وشنغهاي وتداعيات ذلك على سياسة واقتصادات العالم، خصوصاً على المستوى المالي. كما يعرض المؤسسات الحديثة التي أنشأتها المجموعتان، كبنك التنمية وصندوق الاحتياطات، والعمل بناءً عليه لاستبدال البنك الدولي بمؤسسات مالية تعود لهاتين المجموعتين إضافةً إلى إنشاء صندوق مشترك لاحتياطات النقد الأجنبي لدول المجموعتين المذكورتين.

كمال مساعد

تتجه دول الـ«بريكس» وشنغهاي لتوحيد موقفها من بؤر الصراع الملتهبة على اختلافها، والناتجة جميعها من تصادم مشروعين عالميين: أحدهما يطمح إلى بناء عالم جديد متعدد الأقطاب، يتيح فرصة التنمية المستقلة عن مراكز النظام العالمي المتهالك والمتقادم، والآخر يشن حرباً شعواء، في محاولة لإنقاذ هيمنته العالمية المتداعية.

إلا أن المجتمعين في مدينة أوفا الروسية، تجمعهم الرغبة بالتعاون لتحقيق الأمن المشترك والتنمية المستقلة. وإعلان ولادة عالم جديد لا يهيمن عليه الغرب.

ومجموعة «بريكس» تختلف بشكل كبير عن بقية أشكال التجمعات والتحالفات والمنظمات التي شهدتها الساحة الدولية من قبل، حيث لا يوجد رابط معين مشترك بين الدول الخمس، سواء سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً أو غيره، كما أنه لا يربطها نطاق جغرافي أو إقليمي، بل تأتي من أربع قارات مختلفة، كما أن هناك تبايناً واضحاً في درجات نموها الاقتصادي ومستوياتها الإنتاجية، وحتى المواقف السياسية بينها متباينة بشكل نسبي، فهي مجموعة لكنها غير محايدة تماماً بالنسبة إلى التوازنات السياسية العالمية، لأنها تضم دولاً مختلفة إلى حد كبير في التوجهات السياسية والأنظمة الاقتصادية وتمثل توجهات عالمية متعددة، كما أن اهتمام المجموعة يتركز في الأساس على النواحي الاقتصادية والمالية العالمية، ويتعرض لقضايا سياسية إلا إذا كانت مرتبطة بالشأن الاقتصادي العالمي من قبيل مقترحات مثل طرح عملة دولية جديدة أو إصلاح صندوق النقد والبنك الدوليين.

تشكيل المنظومة المالية العالمية

وتمثل «بريكس» خمس الناتج الاقتصادي العالمي و40 في المئة من سكان العالم. وهي تنظر إلى إعادة تشكيل المنظومة المالية التي يهيمن عليها الغرب. لذا وقّع زعماء دول «بريكس» البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا 6 وثائق تشمل خطة عمل للمرحلة المقبلة، واستراتيجية الشراكة الاقتصادية، واتفاقاً للتعاون الثقافي، ومذكرة نيات حول التعاون مع «بنك التنمية الجديد» الذي أنشأته المجموعة، ومذكرة تفاهم لإنشاء موقع إلكتروني خاص بالمجموعة.

ويعتبر اجتماع زعماء مجموعتَي دول «بريكس» ومنظمة شنغهاي للتعاون، في حدث هو الأول من نوعه. وكان على جدول أعماله، النظر في الطلبين الرسميين اللذين تقدمت بهما باكستان والهند للانضمام إلى منظمة شانغهاي، علماً بأن إيران كانت قد تقدمت أيضاً بطلب انضمام هو قيد الدرس حالياً، لكن بتّه رهن برفع عقوبات مجلس الأمن عنها. وشهدت القمة أيضاً الإعلان الرسمي عن إنشاء «بنك التنمية الجديد»، برأسمال قدره 100 مليار دولار، فضلاً عن إطلاق صندوق الاحتياطات النقدية، برأسمال يبلغ أيضاً 100 مليار دولار.

قد يكون الحدث الأبرز في قمة أوفا هو مباشرة الهند وباكستان، المتناحرتين والمسلحتين نووياً، بعملية الانضمام إلى منظمة شانغهاي للتعاون، التكتل الأمني الذي تقوده الصين وروسيا، ويضم الجمهوريات السوفياتية السابقة، طاجيكستان وأوزبكستان وقازاخستان وقرغيزستان، إلى جانب الهند وباكستان وإيران وأفغانستان ومنغوليا كمراقبات.

وكانت روسيا قد اقترحت إنشاء آلية لاستبدال العملات الوطنية في ما بين المصارف المركزية لدول الـ«بريكس»، وذلك «لتسهيل تمويل التجارة، مع تجاوز الدولار كلياً… وفي الوقت نفسه استبدال صندوق النقد الدولي، كأمر واقع، وذلك بالسماح للدول الأعضاء بريكس بتوجيه الموارد لتمويل الدول الأضعف».

كما أن المصرف المركزي الروسي «اقترح إنشاء آلية موازية لشبكة SWIFT العالمية لتحويل البيانات المالية، والتي تعالج وتنقل مراسلات يومية بقيمة 6 تريليونات دولار يومياً»، وأن « البنك المركزي» الروسي يسعى بذلك إلى تقليص مخاطر عرقلة أو منع روسيا من استخدام القنوات المالية التي يهيمن عليها الغرب.

وهناك من يعتقد أنه ليس ثمة بديل من شبكة SWIFT في العالم حالياً لكن الموضوع الوحيد الذي قد يحظى باهتمام جميع دول البريكس هو مناقشة إمكان إنشاء نظام مواز بين هذه الدول.

إطلاق بنك التنمية وصندوق الاحتياطات

كما أن «بنك التنمية الجديدNDB»، الذي أطلقته مجموعة دول الـ«بريكس» خلال المؤتمر، سيعزز الأمن الاقتصادي للدول تلك، وبالتالي استقرارها. وفيما يمثل إطلاق البنك المذكور، بعد إطلاق «البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية» AIIB، تحولاً استراتيجياً أكيداً على صعيد التحرر من الهيمنة الغربية على المؤسسات المالية العالمية، فهو أيضاً يهدد هيمنة الدولار على التجارة العالمية.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد صادق على اتفاق إنشاء صندوق مشترك لاحتياطات النقد الأجنبي لدول مجموعة الـ«بريكس» وكان رؤساء الدول الخمس قد وقعوا مذكرة تفاهم بشأنه. وبحسب مذكرة التفاهم، ستبلغ قيمة هذا الصندوق 100 مليار دولار، تساهم الصين بـ41 ملياراً منها، فيما تساهم روسيا والهند والبرازيل بـ18 ملياراً لكل منها، وتساهم جنوب أفريقيا بـ5 مليارات دولار. وبحسب ما أعلنت الدول هذه في قمة فورتاليزا، فإن الصندوق سيجنبها «ضغوط السيولة على المدى القصير»، وسيدفع باتجاه «تشجيع المزيد من التعاون» في ما بينها. وتجدر الإشارة إلى أن دول الـ«بريكس» تملك حالياً أكبر احتياطي من العملات الأجنبية في العالم، وبالتالي يمثل صندوق النقد الجديد فرصة مهمة لاستثمار الاحتياطات الضخمة هذه في المشاريع التنموية.

وبالتالي سيمنح الصندوق الجديد قروضاً تصل قيمتها إلى 30 في المئة من مساهمة الدولة المقترضة فيه، بناءً على أكثرية بسيطة من الأصوات، فيما يحتاج إقراض مبالغ أكبر إلى توافق جميع الدول الأعضاء. أما الهدف الأساس من إنشاء صندوق النقد الجديد، فهو تأمين البديل من الإقراض الطارئ الذي يوفره «صندوق النقد الدولي»، المؤسسة التي تهيمن عليها الولايات المتحدة خصوصاً وحلفاؤها الأوروبيون منذ إنشائها غداة الحرب العالمية الثانية.

وفي هذا السياق، يكشف يوري موسيكين، نائب عميد معهد الاقتصاد والأعمال العالمية في موسكو أن «البريكس تجذب رؤوس الأموال «الساخنة» من المناطق الأخرى، حيث لا تستطيع تلك الموارد المالية إيجاد موطئ للاستثمار، وتعتبر أسواق البريكس أكثر جذباً للشركات بسبب تمتعها بقوة عمالة أرخص». كما أن «الأحداث» الأخيرة تظهر أن نمو البريكس يؤثر في الاقتصادات الغربية على نحو أكثر مباشرة، وبات يهدد وحدة الاتحاد الأوروبي «الأزمة اليونانية»، وتعمل البريكس هناك من خلال اتفاقات صندوق النقد الدولي، عبر زيادة حصص البريكس في الصندوق». ووفقاً لتقارير عالمية، حول آفاق الاستثمار التي عقدت في كانون الأول 2010، قد تصبح البريكس بحجم مجموعة الدول السبع الولايات المتحدة واليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكندا وإيطاليا بحلول عام 2027. وتظهر التوقعات طويلة الأجل أن البريكس ستسهم بقرابة 50 في المئة من أسواق الأسهم العالمية بحلول 2050، وسيتجاوز ناتجها الإجمالي المحلي المجمع مثيله في الولايات المتحدة بحلول عام 2020، وفقاً للأرقام الصادرة عن القمة الأخيرة لهذه الدول، فإن مجموعة البريكس، اتخذت إضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي في ما بينها، خطوات لدعم التنسيق السياسي الداخلي، لزيادة أرباحها وتأثيرها في الساحة الدولية.

هذا يعني أن سلطة الدولار الأميركي واليورو الأوروبي وما يرتبط بهما من عملات ستنحسر 60 في المئة من السوق الدولية، وأن البنك وصندوق النقد اللذين جرى تأسيسهما من قبل مجموعة البريكس باتا مرشحين لإزاحة البنك وصندوق النقد الدوليين عن موقعهما الذي سمح منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بتدمير اقتصادات بلدان العالم الثالث وإغراق هذه البلدان بمديونيات ضخمة تسد أمامها آفاق التنمية الحقيقية.

في سياق آخر، أعلن وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف أن دول «بريكس» اتفقت على عدم توسيع المجموعة في المرحلة الحالية، مشيراً إلى ضرورة تنفيذ المجموعة لكل الاتفاقات في الإطار الخماسي القائم أولاً. وذكّر لافروف أن «بريكس» تكتل غير رسمي، حيث لم توقع الدول الأعضاء أي وثائق تتعلق بالعضوية وشروطها. أما عن انضمام الهند وباكستان إلى منظمة شنغهاي للتعاون، فقد أكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أنه «كلما ازدادت أشكال التعاون والتحاور بين البلدين ، ازدادت فرص البلدين الجارين بتجاوز الخلافات القائمة بينهما.

وبحسب وكالة «سبوتنيك» الروسية، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن بلاده طرحت على مجموعة «بريكس» جملة مبادرات تندرج في إطار خريطة طريق لتنمية التعاون الاستثماري بين دول المجموعة. وأهم تلك المبادرات تأسيس اتحاد للطاقة في إطار المجموعة، وإنشاء مركز أبحاث دولي في مجال الطاقة، بالإضافة إلى إنشاء اتحاد للصناعات المعدنية، واعتماد خطط تعاون تكنولوجي بين دول المجموعة في حقل إنتاج الآت طبية حديثة وأجهزة إلكترونية وبرامج كمبيوتر متطورة. وكشف الرئيس الروسي بوتين أن عدد المبادرات والمشاريع التي يطرحها الجانب الروسي يصل إلى 50 مشروعاً، داعياً زعماء دول المجموعة وخبراءها المختصين إلى تبادل الآراء حول هذه المقترحات لاختيار ما يمكن تطبيقه في المستقبل المنظور، والمستقبل آت.

باحث في الشؤون الاستراتيجية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى