خطابان يحدّدان معالم الطريق إلى حلول في المنطقة

محمد ح. الحاج

الحديث عن توافق دولي لفرض حلول لأزمة المنطقة الممتدّة على مساحة العالم العربي ومنطقة المشرق شاملة إيران وأفغانستان وربما بعض دول آسيا التي كانت تشكل أجزاء من الاتحاد السوفياتي السابق، لها مدلولاتها وتندرج ضمن صراع القوى الكبرى على النفوذ واقتسام المغانم والثروات وتأمين استمرارية الماكينة الصناعية المتقدمة ومصالح الشركات الاحتكارية الكبرى متعددة الجنسيات، والتي تملك غالبيتها عائلات تنتمي إلى طبقة وتنظيم دولي معروف، وجزء من هذه العائلات يسمّون أنفسهم «المتنورين»، لكن الحلول الحقيقية لا تفرضها هذه القوى بمعزل عن إرادة شعوب المنطقة في تطبيق الحلول، إنما تساهم في جزء كبير من الحلّ عن طريق وقف تنفيذ مخططاتها التخريبية، ووقف التحريض والتمويل ودعم الأدوات، وترك استكمال باقي الحلول لأولي الشأن، وهم حكومات وشعوب المنطقة.

في حديثه أمام اجتماع عام للاتحادات والتنظيمات النقابية والشعبية، كان الرئيس بشار الأسد واضحاً وصريحاً، وسمّى الأمور بمسمّياتها، أكد أنّ إيران تقدّم الخبرات العسكرية للجيش السوري في دفاعه عن أرضه وسيادة دولته في وجه حرب تشنّها عشرات الدول مستهدفة تغيير بنيان الدولة من الجذور وليس تغيير نظام حكم أو محاربة أشخاص، وأن لا وجود عسكريا لإيران على الأرض السورية في مقابل وجود تركي فعلي، وسعودي وقطري وغيرها من دول العالم، خبراء أمريكيون وبريطانيون وفرنسيون، وغرف عمليات في كل من تركيا والأردن، ومعسكرات تدريب في أغلب دول الجوار، وصناديق مالية مفتوحة بلا حساب، ويدرك الجميع أنّ المواطن السوري اكتشف حقيقة ما يجري والمشروع المسخّر لخدمة أميركا ومشروع الدولة اليهودية .

الرئيس الأسد توجه بالشكر إلى الدولة الإيرانية، والاخوة في المقاومة اللبنانية الذين امتزجت دماؤهم بدماء الجيش السوري وتشكيلات الدفاع الوطني الرديفة للجيش، ووصف الموقف بما هو الحقيقة ولم ينكر معاناة الحكومة والمواطن السوري من شحّ في الموارد والمواد، من تدمير ونهب للمصانع، انخفاض الناتج الزراعي والصناعي وخاصة في مجالات النسيج والأدوية والأغذية، والكهرباء والوقود، وقال: أداء الدولة في الكثير من المجالات يتراوح بين المقبول وبين الجيد… إنها الحرب، وهي ليست حرب الجيش السوري لوحده، بل هي حرب الأمة.

القاعدة القانونية التي ذكّر بها العالم أنّ الشعوب وحدها صاحبة الكلمة في التنازل عن سيادتها أو حقوقها أو جزء منها، والشعب السوري لم يعط وكالة بالتنازل عن سيادته وحقوقه حتى لقيادته التي اختارها ويقف معها حتى آخر نقطة دم، وإذا كانت حكومات العالم تعتقد أنّ الحكومة السورية ستتنازل فإنها واهمة وتفكيرها سطحي ومتواضع إلى أقصى الحدود.

الرئيس الأسد، ذكًر بما قاله عن إرهاب سينفلت من العقال، وينقلب كالأفعى فيلدغ الحاوي، وهذا ما يحصل اليوم في الساحات القريبة والبعيدة، هذا ما أكده السيد حسن نصر الله أيضاً.

الأهمّ هو ما قاله الرئيس الأسد عن معارضات الخارج التي تدين بالولاء لمن يدفع وأنها منسلخة عن شعبها واعتبارها مجرّد أوراق في يد مشغليها نهايتها إلى سلة المهملات ولكن قبل ذلك رمى بهم الشعب إلى مزابل التاريخ.

كلام الرئيس الأسد يشير إلى موقف ثابت بأن لا حوار مع الأدوات، وأن لا مكان لهم على ساحة الوطن في الحلول المقبلة، حتى بعض المعارضات الداخلية التي تراهن على المتغيّرات وتعتمد الدعم الخارجي بطرق مشبوهة إنما هي أيضاً غير مؤهلة للشراكة أو الحوار.

ما أشار إليه الرئيس الأسد تؤكده الوقائع وما يجري على الأرض، فعمليات التطويق المبرمجة وحصر الإرهاب ضمن بؤر يسهل القضاء عليها، إغلاق المنافذ والممرات، والضرب بقوة هي السياسة الجديدة التي تمّ تفعيلها وتطبيقها في جرود القلمون والزبداني ولن تتكرّر تجربة حمص، أيّ خروج العصابات بأسلحتها الفردية لتنتقل إلى مواقع جديدة، في الزبداني خيار وحيد هو الاستسلام بلا شروط أو الموت دون الخروج، وهذا ما سيتمّ تطبيقه في أماكن أخرى ومراحل مقبلة، خدعة الممرات الإنسانية الآمنة لن تمرّ من جديد، والدول التي كانت تلجأ إلى التدخل في مثل هذه المواقف لإنقاذ أدواتها ما عادت وساطتها مقبولة، أما عن تركيا فهي تحصد ما زرعه حزب التنمية والعدالة بعد سلسلة التفجيرات وعمليات القتل وإعلان خطورة «داعش»، وكما قال لهم السيد: صحّ النوم… بعد بكير!

وقد اتسم خطاب قائد المقاومة اللبنانية السيد حسن نصرالله بالوضوح والصراحة ووضع النقاط على الحروف، وإذ نقول المقاومة اللبنانية فإنما نعني بذلك كلّ القوى الوطنية والقومية والعلمانية على الساحة إلى جانب حزب الله، وهي تعتمد ثالوث الجيش والشعب والمقاومة، وهي جزء من محور المقاومة والممانعة الذي يمتدّ من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق وصولاً إلى فلسطين… هذا المحور الذي يطلق عليه جماعة المحور الصهيو ماسوني «القوس الشيعي» رغم بعده الواقعي عن هذه الصفة، فإيران لا تدعم الشيعة فقط على ساحة لبنان أو فلسطين أو الشام، ففي لبنان هي مع وحدته في وجه التفتيت، مع الأغلبية المارونية ومع كلّ الوطنيين، مع السنة في فلسطين، ومع أغلبهم على ساحة الشام والعراق، أيّ أنّ التصنيف على أسس طائفية أو مذهبية مرفوض من الأساس، والاعتبار الوحيد الذي يحكم الموقف هو الاصطفاف مع أو ضدّ المشروع الصهيو أميركي الذي يعمل له الغرب بكلّ طاقاته، وبما أنّ تكتل التغيير والإصلاح هو صاحب مشروع وطني ولا يدين بالتبعية لأيّ طرف خارجي فإنّ سيد المقاومة اقترح حواراً واقعياً بين تيار المستقبل الذي يدّعي تمثيل السنة على ساحة لبنان وبين التغيير والإصلاح للاتفاق على رئيس للجمهورية، لأنّ تحالف حزب الله والقوى الوطنية الأخرى مع التيار لا يقوم على تبعية طائفية ولا تحكمه عوامل خارجية، بينما تيار المستقبل معروف بتبعيته لجهة خارجية هي ذاتها تشكل تابعاً يدور في الفلك الأميركي الذي يعمل لتحقيق وحماية المصالح الصهيو أميركية في المنطقة، القدس والأقصى ليستا من مقدسات ايران لوحدها بل هما مقدسات العالم الإسلامي والسعودية تعتبر نفسها زعيمة هذا العالم، وهذا ما لم تدّعه إيران، وهزيمة الكيان الصهيوني دفاعاً عن لبنان وفلسطين والشام ليست مصلحة ايرانية بقدر ما هي مصلحة وطنية تخدم الأمن الوطني والقومي وليس الإيراني، وما يُقال عن توسع النفوذ الإيراني في المنطقة العربية إنما هو أمر مشروع بما يقابله من توسّع النفوذ الصهيوني في عالم الخليج وبعض دول المغرب العربي، ايران قوة اقليمية فاعلة باعتراف دولي، إنْ أُحسِنَ توظيفها في خدمة العالمين العربي والإسلامي فهي لن تكون قوة استعمارية بالمعنى الذي نعرفه تماماً، وإن كنا الأحرص على استقلاليتنا ونسج علاقات متكافئة مع الجوار، عالم الأعراب هم من بدأ الحرب على الثورة الإسلامية في ايران، خدمة للأميركي الذي اعتبرها دولة مارقة وتشكل خطراً على مشروعه الكبير للمنطقة، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا لا اعتراض على النفوذ العثماني الجديد رغم استعماره بلادنا أربعة قرون؟ وما هو مبرّر التحالف معه في الحرب على العراق والشام بما يخدم مصالحه الذاتية وتحالفاته مع الكيان الصهيوني وحلف الناتو؟

السيد نصرالله كان صريحاً في الإعلان عن تلقيه دعم إيران في مواجهة العدو الصهيوني دفاعاً عن لبنان، ومؤكداً أنّ المقاومة اللبنانية لم تكن في يوم من الأيام أداة لتحقيق مصالح ايرانية أو دخول حروب بالنيابة عن ايران، وهي لم تشنها على أحد، وإذا كان من حق السعودية وتركيا ادّعاء «الدفاع عن السنة» وهم غالبية الشعوب العربية، فلماذا استنكار موقف ايران المدافع عن حقوق أقليات مضطهدة على ساحة العالم العربي؟ وهي حقوق يتحدث عن انتهاكها العالم ومنظماته المتخصصة، وهل شيعة العالم العربي ايرانيون أم عرب؟

الاتفاق النووي بين ايران والدول الكبرى ليس نهاية المطاف وقد لا يكون له تأثير على بقية الملفات التي رفض المفاوض الايراني النقاش فيها، وقد تكون الأشهر المقبلة ساخنة إلى أبعد الحدود، وعسى أن لا نشهد حرباً تنخرط بها الدول التي اكتفت بمن ينوب عنها، لكن حربها بالنيابة لم تحقق ما رمت إليه فعلاً، رغم الخراب والأذى الذي لحق بدول المنطقة وأهمّها العراق والشام، وتوقف مسيرة الحياة الحكومية الطبيعية في لبنان، شعبنا صابر ونتيجة صبره ستكون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ، الرئيس الأسد ختم كلمته بتحيا سورية، ونحن جميعاً نعمل ونستمرّ في العطاء لتحقيق المجد والحياة لسورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى