تونس بداية الثورة… وبداية العودة

راسم عبيدات

تونس كانت قاطرة الثورات العربية، تلك الثورات التي أجهضتها واستغلتها وتسلقت عليها الجماعات المتأسلمة من حركة الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات التكفيرية الأخرى «داعش» و «جبهة النصرة» كمتفرعات لـ»القاعدة»… ولتنجح أميركا بحرف مسار تلك الثورات عن خط سيرها وأهدافها خدمة لمشروعها الاستعماري للمنطقة الفوضى الخلاقة، ولتكن تونس المحطة الأولى، حيث نجحت حركة النهضة بالسيطرة على السلطة هناك، وتونس كانت محطة هامة من محطات التآمر على سورية، حيث كانت العاصمة التي احتضنت مؤتمر ما يسمى بـ»أصدقاء» أعداء سورية، ومنها أيضاً انطلق ما يسمى بـ «جهاد النكاح» صوب سورية، والتزمت بقرار ما يُسمّى بالجامعة العربية التي «تعبرنت» على يد مشيخات النفط والغاز بقطع العلاقات الديبلوماسية مع سورية.

محمد بو عزيزي أحرق نفسه وأشعل الثورة، ليس من أجل أن تأتي حركة «النهضة» كذراع لحركة الإخوان المسلمين، لكي تخدم مصالح وأهداف تلك الحركة، وتنفذ مشاريعها ومخططاتها وأجنداتها، وتغلب مصالحها وأهدافها على حساب أهداف ومصالح الشعب التونسي، بل وممارسة الإقصاء الإخوانية بحق مركباته المجتمعية والحزبية الأخرى، والعمل على أسلمة السلطة والدولة والمجتمع.

تونس عريقة بمجتمعها المدني، وقواها الحزبية حية ولها قواعد شعبية وجماهيرية، وقطعت شوطاً كبيراً على طريق المدنية والتعددية الفكرية والسياسية، ولذلك خاضت قواها ومؤسساتها المجتمعية نضالاً شعبياً وجماهيرياً ديمقراطياً ضد حركة النهضة والقوى المتأسلمة التي أخذت تعمل على نشر الرعب والخوف في المجتمع بممارساتها وسلوكها من بلطجة وزعرنة وتعديات وهجمات دموية. وفي سياق نضالها ومواجهتها لذلك، دفعت ثمناً باهظاً، حيث استشهد اثنان من قادة الجبهة الشعبية التونسية المعارضة للنظام، وبأيدي عناصر من رحم النظام، هما القائدان شكري بلعيد ومحمد براهمي، ولكي يثمر هذا النضال المتراكم عن إقصاء النهضة عن الحكم وفي شكل ديمقراطي، لم يخل من العنف.

التطورات الداخلية في تونس، من تشكيل حكومة ائتلافية إلى التطورات والمتغيرات الإقليمية والدولية، خصوصاً توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وما يحققه الجيش السوري وقوى المقاومة الشعبية المدعومة من حزب الله على الأرض من تقدم وتغير جوهري في موازين القوى العسكرية مع القوى التكفيرية من «داعش» و»النصرة»، هي من لعبت الدور الحاسم في أن تعيد تونس النظر في قرار تعليق علاقاتها الديبلوماسية مع سورية، فعندما يتحدث وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش بأن قرار الجامعة العربية بتعليق العلاقات مع سورية كان موقفاً خاطئاً، والتمهيد لإعادة فتح السفارة التونسية في دمشق، فهذا يحمل أكثر من رسالة ومعنى، فهو بداية فرط عقد التحالف المعادي ضد سورية، وكذلك رسالة من حزب النهضة التونسي المشارك في الحكم بقيادة راشد الغنوشي إلى المرشد في مصر بأن شعار «الجماعة فوق الجميع» لم يعد «سيد الموقف»، وهو مؤشر إلى تفسّخ حركة الإخوان، وضربة أخرى في إطار الضربات التي تتلقاها الجماعة من سقوط حكم الإخوان في مصر، إلى عدم فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان لا بثلثي الأصوات ولا بالغالبية المطلقة في الانتخابات التركية، وكذلك ما حصل من انقسام للحركة في الأردن، وأيضاً هذا يؤشر إلى أن حركة النهضة التي كانت ضمن الحلف القطري – التركي المعادي والمقاتل ضد النظام السوري لم تعد كذلك.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن أي محلل سياسي لا تعوزه الفطنة أو الذكاء أو القدرة على التحليل، لكي يستنتج بأن هذا الموقف التونسي، يأتي في ظل تغير كبير في الموقف الأميركي من المسألة السورية، فأميركا في بداية الأزمة كانت من أشد الداعمين للخيار العسكري وإسقاط النظام بالقوة، وكذلك دعم الخيار والموقف التركي بإقامة مناطق عازلة وحظر في الشمال السوري، ولينتهي هذا الموقف بعد اقتناع أميركي باستحالة إسقاط النظام عسكرياً، بسبب ما يحظى به من دعم شعبي، ومن قوى إقليمية ودولية روسيا وإيران وحزب الله إلى البحث عن حل سياسي للأزمة السورية وتحت راية الرئيس الأسد وبمشاركة حلفاء سورية إيران وروسيا وحزب الله.

هذا الموقف الأميركي «المتراجع» أملته ظروف وشروط ومعطيات، منها الصمود السوري وتوقيع الاتفاق النووي الإيراني، تشظي وتشرذم ما يسمى بالمعارضة السورية، وتشكيل القوى التكفيرية والإرهابية «داعش» و»النصرة» نواتها الأساسية، وبما يخرجها عن السيطرة الأميركية، والتي قد ترد سلباً عليها، وتشكل خطراً على مصالحها.

وليس فقط حدث تراجع واستدارة أميركية من المسألة السورية، بل شهدنا مثل هذا التحول في الموقف التركي، فتركيا كان يحلم «خليفتها» أردوغان باستعادة أمجاد إمبراطوريته على حساب الدم والجغرافيا السوريين، ولكن ما حققه الأكراد من انتصارات على «داعش» وطردهم لها من عدة مدن سورية، واضح انه بدأ برسم «مشهد سياسي مختلف»، أشعل نار الرغبة الكمينة في «العقل الكردي»، لخلق حالة كيانية شمال سورية وجنوب تركيا، مشهد دق ناقوس الخطر عن الإدارتين الأميركية والتركية، وأحدث الاستدارة التركية، تلك الاستدارة بإعلان تركيا عن دخولها في الحرب على الإرهاب، أي على «داعش»، هي كلمة حق يراد بها باطل، فتركيا هي من دعم ومول «داعش» مادياً وعسكرياً، وفتح لها الحدود لإدخال الآلاف الإرهابيين إلى سورية، ووفر لها المأوى والمعلومات الاستخبارية، ناهيك عن المتاجرة معها في النفط والآثار السورية المسروقة والمنهوبة، فهي ما تريده من هذه المشاركة، هو الخوف من المشهد المتكون، ليس لضرب سورية، بل لإحياء بناء دولة لم يكن مسموحاً بوجودها، نشطت الحركة الشعبية لأكراد تركيا تتعاطف وتدعم «الأشقاء» في شمال سورية ضد «داعش» ومن يساندها، وهو ما يشكل خطراً مباشراً على تركيا.

الخطوة التونسية بإعادة علاقاتها الديبلوماسية مع سورية، مؤشر جدي على انفراط عقد التحالف المعادي لسورية، وبأن سورية باتت قريبة جداً من استعادة سيطرتها الكاملة على الجغرافيا السورية، وهزيمة ليس فقط الجماعات الإرهابية والتكفيرية، بل من يقف خلفها من عربان مشيخات النفط والغاز الخليجية وجماعة «التتريك» وسقوط مدو للمشروع والحلف المعادي الذي تقوده وتتزعمه أميركا في المنطقة.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى