أهمّ اتجاهات الاقتصاد العالمي

لمياء عاصي

يشهد العالم اليوم متغيّرات كبيرة في كلّ النواحي الاقتصادية والسياسية، قسم منها غير مفهوم وغير متوقع، حيث اختلطت الشؤون الاقتصادية بالسياسية والمناخية لتشكل حالة تزداد فيها التهديدات المباشرة لحياة البشر. والغريب أنّ معظم الحلول لا تقترب من التهديدات الأكثر خطورة مثل ظاهرة الإرهاب التي بدأت تنتشر وتتوسع، وكذلك الفجوة بين الأغنياء والفقراء. لذلك لا أحد يمكنه التكهُّن بمصير البشرية في ظلّ هذه الأخطار المتنامية، وهنا نستعرض أهم الأخطار والاتجاهات التي تتحكم في حياتنا بشكل أو بآخر:

1 ـ التغير المناخي: يوصف بأنه أهمّ الأخطار التي تواجه عالمنا اليوم، وبرغم الاجتماعات الكثيرة وآلاف التقارير عن التغير المناخي، لا تزال الخلافات كبيرة جداً بين الدول الصناعية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية التي انسحبت من التوقيع على اتفاقية كيوتو وما زال تبادل التهم جارياً بين الدول الصناعية، في الوقت الذي يشهد فيه العالم ارتفاعاً حرارياً مستمراً.

2 ـ عدم الاستقرار السياسي وتنامي ظواهر الإرهاب : هذا العنوان الذي طرح في مؤتمر دافوس 2015 على أساس أنّ ظهور «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ داعش»، بأنه العامل الرئيسي في التمهيد للإرهاب في العالم، معتمدين على الذاكرة القصيرة للناس، وأنّ الإرهاب موجود قبل داعش، وأنّ سياسات «إسرائيل» العدوانية في الأراضي المحتلة في فلسطين، هي من أهم أسباب الإرهاب، وتنمية الشعور بعدم العدالة، إضافة إلى أنّ الحريق العربي الذي ما زال يضرب الكثير من دول المنطقة العربية للعام الخامس، ولا سيما سورية والعراق وليبيا واليمن، وبدأ ينتشر إلى دول أخرى حيث ضرب الإرهاب مؤخراً الكويت وفرنسا وتونس في أسبوع واحد.

صحيح أنّ لوجود الإرهاب عوامل داخلية أهمها انتشار البطالة وانخفاض مسوى مؤشرات التعليم، وهي الظواهر التي تساعد على انخراط العديد من الشباب في التنظيمات الإرهابية، لكنّ الأيدي الخفية للدول المختلفة واضحة البصمات في خلق «داعش»، إذ سبق للولايات المتحدة أن خلقت القاعدة في أفغانستان من قبل.

3 ـ عدم المساواة وازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء: وبالرغم من عرض الموضوع ضمن محور رئيسي في دافوس لعدة سنوات، إلا أنه لم يُسجَّل أي تقدم في هذا المجال، وما زال معدل الدخل لـ 10 في المئة من الدول الأغنى، هو أكبر بتسع مرات من دخل الـ 10 في المئة الأكثر فقراً. معدلات البطالة ستبقى عالية حتى عام 2018 حيث وصلت في بعض الدول إلى ما يزيد عن 50 في المئة، والقلق الرئيسي الذي تسببه الفجوة في الدخل بين الأغنياء والفقراء أنها غالباً ما يمكن أن تؤدي إلى عدم استقرار اجتماعي وسياسي وذلك سينعكس مجدّداً على الاقتصاد بشكل سلبي جداً.

4 ـ التكنولوجيا: يطرح التقدم التكنولوجي الهائل في مجال الاتصالات والمعلومات قضايا مشابهة لموضوع توزيع الثروة والفجوة بين دول تمتلك التكنولوجيا وتساهم في شكل كبير في تطويرها والعمل عليها، ودول أخرى مجرد مستهلكة لهذه التكنولوجيا وتخضع لتحكم الكبار في هذا المجال، إضافة إلى ما يشكله أمن الفضاء المعلوماتي من تهديد حقيقي لاقتصاديات الدول التي باتت تعتمد على هذا الفضاء مباشرة. صحيح أنّ التكنولوجيا ساهمت في الانتعاش الاقتصادي العالمي من جهة، لكنها ساهمت من جهة أخرى، في تعميق عدم عدالة التوزيع وتحكم أكبر للدول الأقوى في الاقتصاد العالمي.

5 ـ البترول: انخفاض أسعار النفط إلى مستويات قاربت أو تجاوزت النصف، هو الظاهرة الأهم في الاقتصاد العالمي، وإصرار الدول المنتجة على إبقاء معدلات الإنتاج السابقة كما هي من دون أي تعديل هو محاولة لإيقاف صناعة البترول الصخري وإخراج المنتجين له من سوق النفط العالمي. وفي حين شكل هبوط أسعار النفط تهديداً لاستقرار اقتصاديات المنتجين للنفط وحمل معه فوائد للمستهلكين، إذ مكنهم من الحصول على النفط بأسعار أقلّ، إلا أنه سبب أيضاً بعض الاختلالات في السوق العالمي ويحتاج تحقيق التوازن إلى بعض الوقت وبعض الضحايا.

6 ـ التيسير الكمي: أو Easy Quantitative، وهو المصطلح الذي أُطلق من قبل اليابانيين بشكل رئيسي على عملية ضخّ النقود في الاقتصاد لتيسير عملية التبادلات التجاري وتخفيف آثار نقص السيولة المحبطة للأسواق المالية والاقتصاد الياباني، ثم تمّ تداوله من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عندما طرحت كميات كبيرة من الدولار الأميركي في السوق العالمية وسميت بحزم التحفيز المالي وتجاوزت الـ 3 تريليون دولار لإنقاذ الولايات المتحدة من كارثة اقتصادية مالية محققة بدأت في 2007-2008، واستمرت بعد ذلك حتى الآن حيث بدأت مرحلة تعافي الاقتصاد الأميركي. وفي افتتاح مؤتمر دافوس لعام 2015 أعلن حاكم المصرف الأوروبي عن إطلاق عملية تيسير كمي هي الأكبر في أوروبا بحدود 2 تريليون يورو بمعدل 65 مليار يورو كلّ شهر تستفيد منها الدول الأوروبية بنسب مختلفة ونصيب الأسد فيها سيكون من حظ ألمانيا، وستوجه بمعظمها لشراء سندات وأوراق مالية لتنشيط الاقتصاد الأوروبي، مع العلم أنّ عملية التيسير الكمي هي مخالفة صريحة لأحكام اتفاقية «ماستريخت» التي تمنع طبع وضخّ أوراق نقدية إلا بحسب معدلات النمو في الاقتصاد الحقيقي في أي بلد وبمعايير صارمة.

7 ـ الأمراض والأوبئة: إنّ ظهور الأوبئة في العالم بات ظاهرة غير مفهومة من «سارس» إلى «إنفلونزا الخنازير» إلى «إيبولا» الذي حصد الآلاف من الأرواح في أفريقيا. وقد حذرت منظمة الصحة العالمية من هذه الأوبئة وحضرت لها الكثير من التدابير، في حين يشير بعض الكتاب إلى العامل الاقتصادي في إثارة الضجة تلو الضجة حول بعض الأمراض وتتهم شركات الأدوية بأنها وراء تلك الحملات المفتعلة لمحاربة مرض أو وباء معين.

8 ـ كيف تنعكس تلك الاتجاهات العالمية على الحياة الاقتصادية والسياسية في سورية؟ في ظلّ حرب طاحنة ما زالت الأبرز في المشهد السوري المثقل بأهوال تلك الحرب وكلفتها الباهظة والدامية، نجد أنّ بلدنا في قلب الظاهرة الأبرز في السنوات الأخيرة وهو:

ـ عدم الاستقرار السياسي والإرهاب: ما زال الإرهاب يضرب كلّ المناطق من دون استثناء، وأصبحت البلد تغصّ بالميليشيات والفصائل المسلحة التي تمارس الإرهاب وتتبع لأجندات ودول خارجية، وبسببها يعيش الشعب السوري محنة قاسية ويختبر كلّ أنواع الآلام من التشرد إلى الفقر إلى فقد الأهل والأبناء، فارتفع عدد الشهداء والضحايا إلى ما يزيد عن مئتي ألف شخص، كما زاد عدد المهاجرين من السوريين إلى مختلف دول العالم إلى أرقام غير مسبوقة عالمياً.

ـ ازدادت الفجوة في الدخل بين الأغنياء القلة والفقراء الذين يشكلون نسبة كبيرة من الشعب السوري، فازداد ثراء التجار وغيرهم ممن استغلّ الأزمة ومارس اقتصاد العنف في حين ارتفع عدد الفقراء بسبب التضخم وانخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية وتقلص الناتج المحلي الإجمالي.

ـ البترول: حقول البترول السورية أصبحت خارج سلطة الدولة وتحت رحمة الفصائل الإرهابية المسلحة من «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما من التنظيمات، وأصبحت سورية مستوردة للمشتقات البترولية لأغراض التدفئة وتوليد الكهرباء والإنتاج الصناعي وغير ذلك من الاستخدامات وارتفع سعر ليتر المازوت والبنزين أضعاف ما كان عليه قبل الحرب.

ـ التكنولوجيا: تعاني المنتجات السورية من ضعف كبير في المنافسة بسبب غياب المكون التكنولوجي والقيم المضافة، بينما توفر التكنولوجيا وعبر الفضاء الرقمي المعتمد على الاتصالات فرص لاستخدام هذه التكنولوجيا وتقديم الخدمات التكنولوجية لشركات في دول أخرى خارج الحدود. فقدمت الإنترنت من خلال برمجة وهندسة التطبيقات المختلفة فرصة اقتصادية مهمّة للعديد من الشباب الموهوب بسبب رخص القوى العاملة.

ـ الأوبئة والأمراض: أصبحت تشكل تهديداً جدياً بسبب نقص اللقاحات والعناية الطبية اللازمة، وخصوصاً في المناطق الساخنة والتي يصعب الوصول إليها، فنشهد عودة لشلل الأطفال في بعض المناطق والتهاب الكبد الوبائي وغيرهما من الأمراض، وإن غابت عنها الإحصائيات والمعلومات التي تظهر حجم المشكلة.

ـ التيسير الكمي: أو طبع وضخّ الأوراق النقدية من خلال البنك المركزي الذي قام بعملية ضخّ العملة السورية لتغطية الحاجة الماسة إلى السيولة في الاقتصاد الوطني، وهذا يفسّر بشكل أو بآخر الانخفاض الشديد في قيمة الليرة السورية التي واجهت انكماشاً في الناتج المحلي الإجمالي من جهة، وانخفاضا في الإيرادات العامة للدولة من جهة أخرى، فعملية ضخّ العملة في الاقتصاد الوطني لم تكن لإنعاش وتنشيط الحركة الاقتصادية في البلد بل لتغطية الاحتياجات الضرورية للسيولة.

إذاً، نجد في الاقتصاد السوري اتجاهات مشابهة لما يحصل عالمياً، ولو في سياق مختلف وبسبب الحرب التي تخوضها البلد للعام الخامس على التوالي، ومن الضروري أن يقال، أنه ما لم تضع الحرب أوزارها فسيكون من الصعب جداً إجراء أي معالجات حقيقية للمشاكل التي بدأت تتجذر في البلد وتتحوّل من ظواهر يمكن معالجتها إلى تغيير عميق في االبنى الاقتصادية والاجتماعية للبلد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى