الطائف ـ الإصلاحات السياسية

حسين ماجد

يتابع الأستاذ حسين ماجد في هذه الحلقة مناقشة تفاصيل الإصلاحات السياسية التي وردت في اتفاق الطائف…

ج – رئيس مجلس الوزراء

رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة، يمثلها، ويتكلم بِاسمها، ويُعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء، ويمارس الصلاحيات الآتية:

1 ـ يرأس مجلس الوزراء.

2 ـ يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها. وعلى الحكومة أن تتقدّم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً. ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيل الثقة، ولا بعد استقالتها، ولا اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال.

3 ـ يطرح سياسة الحكومة العامة أمام مجلس النواب.

4 ـ يوقع جميع المراسيم، ما عدا مرسوم تسمية الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة.

5 ـ يوقع مرسوم الدعوة إلى فتح دورة استثنائية ومراسيم إصدار القوانين، وطلب إعادة النظر فيها.

6 ـ يدعو مجلس الوزراء للانعقاد ويضع جدول أعماله، ويطلع رئيس الجمهورية مسبقاً على المواضيع التي يتضمّنها،

وعلى المواضيع الطارئة التي ستبحث، ويوقع المحضر الأصولي للجلسات.

7 ـ يتابع أعمال الإدارات والمؤسسات العامة وينسّق بين الوزراء، ويعطي التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل.

8 ـ يعقد جلسات عمل مع الجهات المختصة في الدولة بحضور الوزير المختص.

9 ـ يكون حكماً نائباً لرئيس المجلس الأعلى للدفاع.

من المستحسن، والمفيد أيضاً، الإشارة إلى أنّ الفقرات الواردة أعلاه، قد أدخلت جميعها في صلب الدستور اللبناني بتاريخ 21 أيلول من العام 1990.

لقد استحدث الفرنسيون منصب رئيس مجلس الوزراء، عام 1926، من دون ذكر الطائفة، وبعد الاستقلال، وانطلاقاً

من «ميثاق العيش المشترك» أصبح هذا المنصب للطائفة السنية، ولا يزال، بِاستثناء ما حدث في عهدي بشارة الخوري وأمين الجميّل، حيث تولى كلّ من فؤاد شهاب ثم ميشال عون منصب رئيس الحكومة.

وتحقيقاً لما لم يعلن عنه، وبعد اغتيال رينيه معوض، أول رئيس جمهورية بعد الطائف، طلب الرئيس الجديد آنذاك الياس الهراوي، من السوريين استبدال الرئيس الحص، بسبب خلافه معه، وهكذا تفهّم السوريون سريعاً الأمر، وشكل الرئيس عمر كرامي حكومة «المصالحة الوطنية» التي نالت الثقة بـ73 نائباً، وبعد أن أنجزت ما خطط لها، وعيّنت النواب، واكتمل العدد المقرّر، وضعت العراقيل أمامها، ورفع سعر الدولار إلى نحو 3000 ليرة لبنانية، فأسقطت الحكومة، وكلف رشيد الصلح بتشكيل حكومة تمهيدية، ولفترة قصيرة، التقى بعدها الرئيسان الهراوي ورفيق الحريري، وارتاح الأوصياء، وتقاسموا إنتاجهم، الاقتصاد، يعادل الأمن والسياسة. تمهيداً لذكر صلاحيات رئيس الحكومة، تنص الوثيقة على أنه يمثلها ويتكلم بِاسمها، بينما حرمت رئيس الجمهورية «رئيس الدولة» من هذا الحق، مع العلم أنّ مفهوم الحكومة، يطلق على من يتدبّرون شؤون الدولة، أبتداءً من رئيس الجمهورية وصولاً الى موظفي الإدارة العامة، وقد تجاوزت صلاحيات مجلس الوزراء.

ومن الممكن مقاربة هذه الصلاحيات كالآتي:

1 ـ رئاسة رئيس الحكومة لمجلس الوزراء قائمة، ولا يمكن لغيره أن يترأسها في حال غيابه.

2 ـ إنّ إجراء الاستشارات لتشكيل الحكومة، قد اقتصرت على النواب فقط، ولم تحدّد مدّتها، ولم تعتبر ملزمة، ولم يتبعها التشاور مع رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، كلّ ذلك يحتاج الى توضيح، وتبرير. أما القول بأنّ على الحكومة أن تتقدّم ببيانها في مهلة ثلاثين يوماً فإنه يطرح السؤال التالي: ماذا يحصل إذا لم تتقدّم به في الوقت المحدّد لذلك؟

ومن المستحسن أيضاًً استمرار الحكومة، القيام بواجباتها كاملة، حتى صدور مرسوم تشكيل حكومة جديدة ونيلها الثقة، لأن عبارة «بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال»، غير مقيّدة زمنياً، ومجهولة المضمون.

3 ـ انّ كلمة سياسة الحكومة هي عامة، والمفروض أن يعرض رئيس الحكومة الخطط، والبرامج، والمشاريع ويناقشها بحضور الوزراء أمام المجلس النيابي.

4 ـ المراسيم جميعها لا تصبح نافذة إلا بتوقيعه، وهذه الصلاحية لم تمنح لرئيس الجمهورية، والسؤال هو: ماذا يحصل إذا أصرّت أكثرية مجلس الوزراء على إصدار مرسوم ويتمنع هو عن توقيعه؟ هذا مع الإشارة الى مرسومين يوقعهما رئيس الجمهورية منفرداً «مرسوم منح العفو الخاص»، و«مرسوم منح الأوسمة»، وليس جميع المراسيم.

5 ـ انّ ما ورد في هذه الفقرة هو كلام مكرّر، لأنه كما ورد قبلها، يوقع رئيس الحكومة جميع المراسيم.

6 ـ الدعوة للانعقاد الدوري لمجلس الوزراء هي حتماً من مهام رئيسه، ولكن من الذي يحق له طلب عقد جلسات

استثنائية، أم انه حق للرئيس فقط؟ وهل يحق له عدم إدراج مواضيع، في جدول الأعمال، قدّمها الوزراء؟ ولماذا يطلع رئيس الجمهورية على المواضيع، وليس على جدول الأعمال؟ وهل يوقّع وحده فقط على «المحضر الأصولي»؟ كلّ هذه الأسئلة يمكن ان يجيب عليها نظام داخلي لمجلس الوزراء، يحدّد المهام والصلاحيات والآليات، وهو غير موجود حالياً.

7 ـ إنّ متابعة أعمال لإدارات والمؤسسات العامة، بل الإشراف، والمراقبة، والتوجيه، منوطة أصلاً بأجهزة الرقابة الإدارية، والمالية، وهي التي تضمن حسن سير العمل.

8 ـ لم تحدّد هذه الفقرة من هي الجهات المختصة في الدولة، وما هو مضمون جلسات العمل.

9 ـ ما المقصود بعبارة «يكون حكماً» وهل بدونها لا يكون نائباً لرئيس مجلس الدفاع الأعلى؟

انّ المواد الثلاث الأخيرة هي من البديهيات، ويمكن الاستغناء عنها حتى في النظام الداخلي لأية إدارة أو مؤسسة.

د ـ مجلس الوزراء

تبدأ الوثيقة تمهيداً لصلاحيات مجلس الوزراء، «ومن الصلاحيات التي يمارسها» مما يعني وجود صلاحيات أخرى

غير واردة في النصوص، وعدم ذكر الجهة التي تحدّد بقية الصلاحيات، وكيف يتمّ تنفيذها، اما مجلس الوزراء الذي أنيطت به السلطة الإجرائية، فإنه يمارس الصلاحيات التالية:

1 ـ وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ووضع مشاريع القوانين والمراسيم، واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها.

2 ـ السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والإشراف على أعمال كلّ أجهزة الدولة من إدارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية بلا استثناء.

3 ـ إنّ مجلس الوزراء هو السلطة التي تخضع لها القوات المسلحة.

4 ـ تعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم وفق القانون.

5 ـ الحق بحلّ مجلس النواب بناء على طلب رئيس الجمهورية، إذا امتنع مجلس النواب عن الاجتماع طوال عقد عادي أو استثنائي لا تقلّ مدّته عن الشهر بالرغم من دعوته مرتين متواليتين أو في حال ردّه الموازنة برمّتها بقصد شلّ يد الحكومة عن العمل. ولا يجوز ممارسة هذا الحق للأسباب نفسها التي دعت إلى حلّ المجلس في المرة الأولى.

6 ـ عندما يحضر رئيس الجمهورية يترأس جلسات مجلس الوزراء. مجلس الوزراء يجتمع دورياً في مقرّ خاص. ويكون النصاب القانوني لانعقاده هو أكثرية ثلثي أعضائه. ويتخذ قراراته توافقياً، فإذا تعذر ذلك فبالتصويت. تتخذ القرارات

بأكثرية الحضور. أما المواضيع الأساسية فإنها تحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء.

ويعتبر مواضيع أساسية ما يأتي: حالة الطوارئ وإلغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة، الاتفاقات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الإنمائية الشاملة والطويلة المدى، تعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها، إعادة النظر بالتقسيم الإداري، حلّ مجلس النواب، قانون الإنتخابات، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية، إقالة الوزراء.

إنّ السلطة الإجرائية المناطة بمجلس الوزراء تتطلب العمل والتنفيذ المباشر الملزم، وليست صلاحية، أو حق، أو خيار يقرّر استخدامها أو يمتنع عندما يشاء، بل تعتبر وظائف ومهام ومسؤولية، قد أدرجت جميعها، كغيرها من الإصلاحات السياسية في صلب الدستور اللبناني، ويمكن مقاربتها على النحو التالي:

1 ـ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء، كيف يتمّ إقرارها، وهل تعتبر نافذة إذا لم يوافق عليها رئيس مجلس الوزراء، وهل يحق له عدم إصدارها، وما الحلّ عند حصول ذلك؟ هذا مع العلم أنه على المجلس ان يضع الخطط والبرامج ويتولى تنفيذها بنفسه.

2 ـ رئيس الجمهورية يسهر على احترام الدستور، ومجلس الوزراء أيضاً يسهر على تنفيذ القوانين، مع أنّ على مجلس الوزراء أن يقوم هو بالتنفيذ ويطبق القوانين.

3 ـ عبارة مكرّرة، «القوات المسلحة تخضع لسلطة مجلس الوزراء» والسؤال أيضاً يتكرّر: هل يخضع أيضاً القائد الأعلى لها «رئيس الدولة» لسلطة مجلس الوزراء؟

4 ـ هل تشمل عبارة «موظفي الدولة» جميع الموظفين في الإدارات والمؤسسات العامة؟

5 ـ للمجلس الخيار بِاستعمال هذا الحق أوعدم استعماله، مما يدلّ على أنّ طلب رئيس الجمهورية غير ملزم لمجلس

الوزراء، والقول «ردّ الموازنة برمّتها بقصد شلّ يد الحكومة عن العمل» يحتاج إلى المنجمين وهم كثر في لبنان، لمعرفة القصد»!

ومن المستغرب حلّ المجلس من قبل الحكومة، لأنّ المجلس بإمكانه إسقاطها، وان يشلها قبل ان تحله.

6 ـ عبارة مكرّرة «ترؤس رئيس الجمهورية للجلسة» لماذا لا يترأس رئيس الجمهورية الجلسة بغياب رئيس مجلس الوزراء، ويمكنه ترؤسها بحضوره، وهل يختزل مجلس الوزراء برئيسه؟ وفي ما يتعلق بالاجتماعات الدورية لمجلس الوزراء هل هي ملزمة، ومحدّدة المدّة، وهل هناك اجتماعات استثنائية، وما هي الشروط المطلوبة لعقدها؟ وماذا يحصل إذا لم يجتمع ولم يكتمل النصاب؟ أما عن اتخاذ القرارات بالتوافق، فهي بدعة، لأنّ القرارات تتخذ بالتصويت، بالإجماع، أو بأكثرية الحضور. وليس ضرورياً، اعتبار تعيين موظفي الفئة الأولى من المواضيع الأساسية، حرصاً على استمرارية الإدارة. ويلاحظ عدم وجود أيّ دور لرئيس الجمهورية، حتى لو لم يحترم الدستور «عدم الدعوة للاجتماعات، عدم اكتمال النصاب»، ومردّ ذلك لعدم وجود نظام داخلي يحدّد المهام والمسؤوليات.

هـ ـ الوزير

لم تتحدّث الوثيقة سوى عن تعزيز صلاحيات الوزير بما يتفق مع السياسة العامة للحكومة ومع مبدأ المسؤولية الجماعية ولا يُقال من منصبه إلا بقرار من مجلس الوزراء، أو بنزع الثقة منه إفرادياً في مجلس النواب.

انّ ما ورد أعلاه هو كلام عام ومبهم من جهة تعزيز الصلاحيات، وغير قابل للتنفيذ من جهة إقالة الوزير، وذلك لعدم وجود وزير «إفرادياً» بل جماعياً، والإقالة تعني استقالة او إقالة الحكومة. هذا مع الإشارة الى عدم ذكر الشروط الواجب توفرها في الوزير، وعدم تحديد الأسباب التي توجب إقالته.

و ـ استقالة الحكومة واعتبارها مستقيلة وإقالة الوزراء

1 ـ تعتبر الحكومة مستقيلة في الحالات التالية:

أ ـ إذا استقال رئيسها.

ب ـ إذا فقدت أكثر من ثلث عدد أعضائها المحدّد في مرسوم تشكيلها.

ج ـ بوفاة رئيسها.

د ـ عند بدء ولاية مجلس النواب.

هـ ـ عند بدء ولاية رئيس الجمهورية.

و ـ عند نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه أو بناء على طرحها الثقة.

2 ت تكون إقالة الوزير بمرسوم يوقعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بعد موافقة مجلس الوزراء.

3 ـ عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يعتبر مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة.

لا بدّ من التذكير أيضاً بأنّ ما يتعلق بالوزير، وبِاستقالة الحكومة قد أصبحا في صلب الدستور، وما يهمّنا من موضوع استقالة الحكومة، هو أولاً، أين دور نائب الرئيس، في حال استقالة الرئيس، أو عدم تمكنه من الحضور؟

وثانياً في حال فقد رئيس مجلس الوزراء الأهلية والقدرة على متابعة صلاحياته، ولم يتقدّم بِاستقالته، في هذا الوضع، هل تعتبر الحكومة مستقيلة، ومن يقرّر ذلك؟ ومما يلفت استعمال كلمة «نزع» الثقة من الحكومة.

أما عن إقالة الوزير بمرسوم موقع من الرئيسين، فماذا يحدث إذا لم يوقعه أحدهما، خاصة إذا أصرّ مجلس الوزراء على قراره وفقاً للدستور؟ وأخيراً ما هي المبرّرات والفائدة من اعتبار مجلس النواب في حالة انعقاد دائم قبل أن يتمّ تكليف رئيس لتشكيل الحكومة؟

من المؤسف أن تتمكن مجموعة قليلة، من اللبنانيين، من فرض ما اعتبرته إصلاحات، في هذه الوثيقة، ومن المحزن أن تتحوّل بقدرة قادر إلى دستور لا مثيل له ولا يشبه أيّ دستور من دساتير العالم القديم والحديث ولن يكون له شبه أو مثيل.

وإلى اللقاء لمتابعة ما تبقى من الإصلاحات السياسية، وبعض الإصلاحات الأخرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى