«الإعلام الصهيوني… والإعلام المتصهين»… للدكتور سمير صارم/ الإعلام اليهودي: قلب للحقائق بتقنيات شيطانية 2

في هذا العدد، يتطرق د. سمير صارم إلى مرتكزات الإعلام الصهيوني من حيث الأساليب أو الموضوعات الأساسية لهذا الإعلام. وكل ذلك مشدود إلى جذر توراتي يضخ النسغ الذي يغذي الماكينة الإعلامية اليهودية.

لقد عرض الكاتب طريقة قلب الحقائق، إمعاناً من اليهود في إبراز «مظلوميتهم» من جهة و«عدوانية» الفلسطينيين من جهة ثانية.

لقد أنشأت الدعاية الصهيونية مشروعها على موضوعات أساسية بلغت اثني عشر موضوعاً، وقد عالجها الكاتب بشكلٍ مفصل. الموضوعات التي شكلت أساس الدور الدعائي للإعلام «الإسرائيلي»، فكانت سياسة التحريض على أصحاب الحق شأناً مركزياً في هذا الدور، إضافةً إلى منهج قلب الحقائق، فيظهر المعتدي مسالماً ومُعتدى عليه، والمُعتدى عليه همجياً وحشياً وقاتلاً، فتكون مهمة قتله على يد اليهود «المساكين» خدمةً للإنسانية.

هذا ما ظهر في هذا الجزء من الكتاب الذي يتكلم فيه عن موضوع الدفاع عن سياسة «الاغتيال الإسرائيلية».

الآراء الفلسفية للصهيونية الثقافية

يقول الحاخام آحاد هاعام: «سيسود شعبنا اليهودي على كل الشعوب الأخرى٬ إن «إسرائيل» هذه هي الأمة العليا التي تملك القدرة على التوسع وتصبح سيدة العالم٬ من دون النظر إلى ما يمكن أن يكلف هذه الشعوب الأخرى٬ الشعوب الأدنى مقاماً٬ لأن الأمة العليا وحدها فقط هي زهرة البشرية وذروتها٬ وما خلقت الأمم الأخرى جميعاً إلا لتخدم هذه النخبة».

ومثل هذه الآراء تتعدى مستوى الدعاية إلى مستوى التطبيق العملي وذلك بتربية الشباب اليهودي على روح التعصب والعنصرية.

وقسم باحثون آخرون الأساليب الإعلامية الصهيونية إلى:

أسلوب الاستعطاف والإثارة.

أسلوب التشبيه بالشعوب وبخاصة المتحضرة منها.

أسلوب التعظيم للذات.

أسلوب الابتزاز والتهديد.

أسلوب التهويل بصورة العدو وبشاعتها والتشنيع بالخصم.

أسلوب التزوير.

أسلوب التكرار.

أسلوب المناورة والمراوغة.

مقابل ذلك يصنف كتاب آخرون أساليب الإعلام الصهيوني بكلمتين هما:

«الدعاية بالكلمة».

إن «إسرائيل» تعتمد على إغراق العالم بالدعايات المكتوبة والمرئية والمسموعة بشتى وسائل الإعلام. دعاية الحركة الهادئة داخلياً وخارجياً، وتمتاز باستغلالها الكلي للعلاقات البشرية نتيجة الدراسة العميقة للنفس البشرية. دعاية العنف والإرهاب، والتي يحفل التاريخ الحديث بالأمثلة على أساليب دعاية العنف والإرهاب التي استخدمها قادة الكيان الصهيوني في شتى أنحاء العالم، سواء ضد الزعماء أو المفكرين، أو ضد المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، ومن الأمثلة على ذلك ما قيل عن المستشار النمساوي كورت فالدهايم، الكونت برنادوت، والفيلسوف روجيه غارودي.

موضوعات أساسية في الدعاية الصهيونية

يمكن القول إن ثمة موضوعات أساسية في الدعاية الصهيونية نوجزها في ما يلي:

1 – تؤكد الدعاية الصهيونية أن الجماعات اليهودية هي في واقع الأمر أمة يهودية واحدة لا بد من جمع شمل أعضائها لتأسيس دولة يهودية في فلسطين، مع التزام الصمت الكامل حيال العرب لتغييبهم، أو محاولة تشويه صورتهم إن كانت ثمة ضرورة لذكرهم.

2 – من الموضوعات الأساسية التي تطرحها الدعاية الصهيونية قضية البقاء. فالدولة الصهيونية ليست دولة معتدية وإنما هي تحاول الحفاظ على بقائها وأمنها فحسب، وتختلف طبيعة هذا البقاء من حقبة إلى أخرى وبحسب موازين القوى.

3 – تركز الدعاية الصهيونية على الحقوق التاريخية المطلقة للمستوطنين الصهاينة، مع الإغفال المتعمد لحقوق السكان العرب أصحاب الأرض الأصليين.

4 – طورت الدعاية الصهيونية رؤية مزدوجة للمستوطن الصهيوني. فبقاؤه مهدّد دائماً من قِبَل العرب، ولكنه في الوقت ذاته قوي للغاية إلى درجة أنه لا يمكن أن يهدده أحد، فهو قادر على البقاء وعلى سحق أعدائه وضربهم في عقر دارهم.

5 – تؤكد الدعاية الصهيونية أن «إسرائيل» واحة للديمقراطية الغربية في وسط عالم عربي متقلّب.

6 – تدخل الدعاية الصهيونية/ «الإسرائيلية» الموجهة للعرب في إطار الحرب النفسية، والتي تهدف إلى تحطيم معنويات العرب، بل تحطيم الشخصية القومية العربية، وغرس مفاهيم مثل جيش الدفاع «الإسرائيلي» الذي لا يقهر والسلام العبري.

7 – تحاول الدعاية الصهيونية/ «الإسرائيلية» تحويل مشاعر معاداة السامية من الفرع اليهودي إلى الفرع العربي. ولهذا، استبدلت بصورة اليهودي التقليدية في الوجدان الغربي «خائن- بخيل – تاجر – مرابي – عدواني طفيلي» صورة جديدة تماماً، فأصبح اليهودي «مسالماً – متحضراً – أميناً – ذكياً – صديقاً – منتجاً مقاتلاً». وفي المقابل، نجحت الدعاية الصهيونية في ترسيخ صفات سلبية عن العربي فقد أصبح «متخلفاً – بربرياً – جشعاً – عدوانياً بطبعه، وفي نهاية الأمر غائباً لا وجود له».

8 – ركزت الدعاية الصهيونية على قضية العداء الأزلي لليهود وعلى الإبادة النازية لليهود والستة ملايين يهودي، وهي تهدف من هذا إلى ابتزاز العالم الغربي وتبرير عملية اقتلاع الفلسطينيين من بلادهم، كما أن هذه القضية تقوّي التضامن اليهودي في الوقت نفسه.

9 – ركزت الدعاية الصهيونية في الغرب وبخاصة في مرحلة ما قبل بلفور على محاولة إعادة إنتاج صورة اليهودي حتى يمكن توظيفه في خدمة المشروع الصهيوني، فيهودي المنفى إنسان لا جذور له، طفيلي، يشعر بالاغتراب ما دام خارج أرض الميعاد، وهو مضطهد بشكل دائم عبر التاريخ ابتداءً من طرد اليهود بعد هدم الهيكل على يد تيتوس إلى إبادتهم بأعداد ضخمة على يد هتلر. وهكذا، أصبح هذا اليهودي الإنسان المثالي العبري القوي المحارب الذي يمكنه أن يدافع عن نفسه وعن مصالح الحضارة الغربية داخل إطار الدولة الصهيونية. وقد خفّت حدة الهجوم على شخصية اليهود في المنفى بعد عام 1967، بعد أن أدرك الصهاينة أن يهود العالم الغربي الذين يشكلون غالبية يهود العالم سيبقون في بلادهم ولن يهاجروا إلى فلسطين، وأن وجودهم في العالم الغربي في الولايات المتحدة بالدرجة الأولى يشكل أداة ضغط مهمة على صانع القرار الأميركي.

10 – توجهت الدعاية الصهيونية إلى الجماعات اليهودية، مبينةً لها أن وجودها في عالم الأغيار يهددها ويهدد هويتها بالخطر، وركزت الدعاية الصهيونية على دعوة اليهود للخروج من الغيتو والهجرة إلى «إسرائيل» للحفاظ على خصوصيتهم وهويتهم اليهودية. وقد تراجع هذا الموضوع في الآونة الأخيرة ويكاد يختفي للأسباب نفسها التي سبق ذكرها.

11 – تنشط المنظمات الصهيونية لإقامة جمعيات صداقة بين «إسرائيل» والدول التي توجد فيها جاليات يهودية كجمعيات التضامن والصداقة طبية – اقتصادية – حقوقية… إلخ ، وتضم هذه اللجان شخصيات يهودية وأخرى غير يهودية مهمتها الدعاية لـ«إسرائيل».

12 – تعتمد الدعاية الصهيونية على شبكة واسعة من الدوريات الصهيونية في أنحاء العالم كافة.

ونتيجة الالتزام بتلك القواعد أصبحت الدعاية الصهيونية من أنجح الدعايات الإعلامية التي تقوم بأكبر عملية غسل أدمغة على المستوى العالمي، يساعدها في ذلك امتلاك اليهود للإمكانات الاقتصادية والمالية، إضافة إلى معرفة اليهود لأنسب الطرق لمخاطبة العقل الغربي، حيث سهلت عليهم جذورهم الأوروبية أن يحققوا أكبر عملية غسل دماغ بشرية في التاريخ لمصلحة قضيتهم التي عملوا من أجلها، ألا وهي تهويد فلسطين وتغيير معالمها.

مرتكزات الدعاية الصهيونية

ركزت الصهيونية العالمية ـ وبشكل هائل منذ قيام «إسرائيل» ـ على الدعاية لتكبير الدور الحضاري لليهود في المنطقة العربية على وجه الخصوص وفي العالم بوجه عام، وكيف أن أبناءها اليهود غيّروا مجرى الأحداث السياسية والعلمية في العالم مثل ماركس وفرويد وأينشتين، وتأكيد أن «إسرائيل» حقيقة تاريخية، وحجتها في ذلك أنها دولة قائمة ولها حق البقاء، في حين أنها كما يقول المؤرخ هـ . ج . ويلز في كتابه «تاريخ العالم» ليست سوى سطور متناثرة في كتاب حضارة الشرق الأوسط الضخم الذي سطره العرب.

وقد تمكنت الدعاية الصهيونية من ربط تصرفات العرب بما كان يفعله النازيون.

وهذا التزاوج في الصورة يكفي وحده لإثارة النفور ضد العرب لدى الملايين من أهل الغرب الذين لن ينسوا ما أوقعه النازيون من خراب في الإنسان والإنسانية، وقد ساعدهم في ذلك عدم وجود دعاية عربية دفاعية أو مضادة لأن الوضع العربي الراهن يفتقر إلى استراتيجية موحدة.

وترتكز الدعاية «الإسرائيلية» الخارجية إلى خمسة مرتكزات أساسية هي:

المرتكز الأول: ادعاء «إسرائيل» أن الصهيونية ليست سوى تعبير عن إيمانها بالعالمية.

المرتكز الثاني: إظهار «إسرائيل» بمظهر الدولة المحبة للسلام والراغبة في التعايش مع العرب، في مقابل إظهار العرب بأنهم يرفضونها كياناً وحضارة وشعباً، الأمر الذي يعطيها تأييد الرأي العام الغربي ودعمه.

المرتكز الثالث: ادعاء «إسرائيل» بأنها قسم من حضارة الغرب المتمدن ممزوجة بحضارة يهودية أصيلة، الأمر الذي يعطيها صورة فريدة تجعل الغرب راغباً في دعمها ومساعدتها في حقها التاريخي في الوجود.

المرتكز الرابع: تظهر الدعاية الصهيونية «إسرائيل» كدولة تؤمن بالمساواة بين الشعوب وبين أبناء الشعب الواحد، لذا تظهر نفسها معيناً ومؤيداً للشعوب والأقليات المضطهدة مثل الأكراد ـ الأقباط.

المرتكز الخامس: إظهار العرب بصورة رديئة وسيئة، سواء على صعيد الأفراد أو المجتمعات ـ فهي مثلاً تصور الإنسان العربي بمظهر المتآمر، الجبان، الغبي، الإرهابي، المتخلف… وغير ذلك.

وتصف الدعاية الصهيونية النظم السياسية العربية بالديكتاتورية والتسلطية، كما تتهم الدول العربية بالعنصرية في التفرقة الدينية، وتعطي مثلاً على وضع الأقباط في مصر حيث تصفهم بأنهم مواطنون درجة ثانية، في المقابل تبرز الدعاية الصهيونية الشعب «الإسرائيلي» بصورة مثالية، فالمواطن «الإسرائيلي» هو دائماً ذكي ـ شجاع، محب للسلام ذو أخلاق عالية وأن «إسرائيل» هي واحة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط.

إن تحويل الضحية إلى مجرم أسلوب يهودي معروف استخدمه الإعلام «الإسرائيلي» الموجه بحرفية عالية، فعمليات الاغتيال للشخصيات الفلسطينية مبررة بالكامل لأنها وراء أعمال عنف إرهابية ألحقت أضراراً بالشعب «الإسرائيلي» كما في حال الشيخ أحمد ياسين، كما استخدم ألفاظاً ذات وقع خفيف للتعبير عن عمليات الاغتيال، مثل: «الدفاع الإيجابي، التصفية الموضوعية»، وبرر الإعلام العمليات بأنها وفق قاعدة «من يرد قتلك اقتله» من دون تفرقة بين عسكري ومدني ورجل مشلول وشاب من المقاومة.

والهزائم حولتها «إسرائيل» إلى حملة إعلامية استدرّت بها عطف الجميع إخلاء مستوطنات غزة ، واستثمرتها بشكل فعال مع إظهار ممانعة شديدة للمحتلين للانسحاب، ومع ذلك أصر رئيس الوزراء المحب للسلام على الانسحاب.

عنصرية تستند إلى «التوراة»

تستند العديد من المقالات العنصرية ضد العرب المنشورة في وسائل الإعلام «الإسرائيلية» إلى آية توراتية تتحدث عن النبي إسماعيل، وردت في «تكوين 16، الآية 12»، وجاء فيها: «ويكونُ إنساناً وحشيّاً يُعادي الجميعَ والجميعُ يعادونَهُ، ويعيشُ مستوحشاً متحدّياً كلَّ إخوتِهِ».

وعلى الرّغم من أن تأويل هذه الآية غير متفق عليه، حيث تُرجح بعض التفسيرات أن الترجمة الدقيقة للآية هي «يكون إنساناً قويّاً»، أو «ويكونُ رجلاً كحمارِ الوحشِ، يدُهُ مرفوعةٌ على كلِّ إنسانٍ، ويدُ كلِّ إنسانٍ مرفوعةٌ عليهِ، ويعيشُ في مواجهةِ جميعِ إخوتِهِ» إلا أن توظيف الآية أعلاه في المقالات المنشورة في وسائل الإعلام «الإسرائيلية» يُؤكد اعتماد التأويل الأول «ويكونُ إنساناً وحشيّاً».

وقد جاء في مقالة كتبها أ. يتسحاقي، نشرت في صحيفة «يتدن أمان» بتاريخ 11/4/2011: «في السنوات الأخيرة، وجد المخرج جوليانو مير- خميس ضالته في مخيم جنين، سكن هناك، وهناك عمل من أجل تطوير الثقافة الفلسطينية، معتقداً أنه من الممكن تثقيف أحفاد من كُتِبَ عنه في التوراة «إنسان وحشي». ردود اليساريين اليهود التي كانت ضد قتل جوليانو مير- خميس تثبت أنهم لا يعرفون الحقيقة حول شخصية رعاياهم في معسكر إسماعيل. ثقافة القتل الفلسطينية، أو ثقافة القتل الإسلامية عامة، ضاربة في الجذور لدرجة أن اليسار «الإسرائيلي» لا ينجح في رؤيته أمراً خطيراً».

والعنصرية والتحريض في وسائل الإعلام «الإسرائيلية» لا يقتصران على العرب فقط، بل يشملان المسلمين أيضاً في دول أخرى، ويعتمدان على شيطنة الدين الإسلامي، وتزوير الحقائق التاريخية وإخراج آيات قرآنية عن سياقها.

وعلى الرغم من تقارب المفاهيم اليهودية والإسلامية المتمثلة بتوحيد الله، ورغم العلاقات التاريخية الطيبة بين اليهود والأكثريات العربية والإسلامية التي عاشوا بينها، واحتضان الثقافة الإسلامية لليهود باعتبارهم «أهل كتاب»، ورغم تلازم مصائرهم بمصائر الإمبراطوريتين العربية والعثمانية الإسلاميتين، ودولة الأندلس، حيث لقوا النتائج المأساوية ذاتها التي لقيها المسلمون خلال الحروب الصليبية وسقوط الأندلس، بل وشاركوا أحياناً في صدها إلى جانب المسلمين إلا أن الانقلاب على التاريخ وخرق الانسجام العرقي والديني بين اليهود من جهة والمسلمين والعرب من جهة أخرى، قد وقع مع استحداث الصراع الذي قادته الصهيونية على أرض فلسطين، وهو ما قضى وفرض على معظم الكتاب «الإسرائيليين» التركيز على عناصر الاختلاف والتناقض الديني والثقافي، في حين أكد الباحثون اليهود خلال القرن التاسع عشر على علاقة قربى ثقافية وحضارية مع المسلمين، كما أشار د. عفيف فراج في كتابه «اليهودية بين حضانة الشرق الثقافية وحضانة الغرب السياسية».

كما ورد في صحيفة «هموديع» الدينية بتاريخ 22/3/2012، بقلم م. شالوم:

– «العالم يعرف كيف يتجاهل ويصمت، عندما يقوم اليهود في «إسرائيل» بالدفاع عن أنفسهم من المعادين للسامية المتوحشين من إنتاج الإسلام، والذين لا يشبعون من الإرهاب الوحشي، وفي الحالة السيئة يقومون بإدانة اليهود الذين يدافعون عن أنفسهم حين يقع قتلى يُسمون بـ«الأبرياء».

وورد في تقرير آخر في الصحيفة ذاتها، أعده يوسف لافي، نشر بتاريخ 23/3/2012:

– «إنها حرب عالمية يخوضها الإرهاب الإسلامي… الأطفال اليهود، على مدار تاريخنا المروي بالدم والألم، كانوا دائماً على رأس الأولوية بالنسبة للقتلة، العرب والمسلمون اليوم هم حَمَلَةُ صليب حَمْلَةِ الدم هذه، يجب أن يكون هذا عرضاً ساخراً. إيديولوجيا تقدس قتل الأطفال لأنهم يهود، ترقص على دم الأطفال اليهود، تحثّ الأمهات على توزيع الحلوى كي يعبّرن عن فرحهن بموت أبنائهن وبناتهن خلال انفجار قتلوا فيه أنفسهم وقتلوا أطفالاً يهوداً، وتجعل الأمهات ذاتهن يتمنين فقدان باقي نسلهن – تلك الإيديولوجيا تتحدث عن «إسرائيل» التي تقتل الأطفال الفلسطينيين، الأطفال الذين يستخدمهم المسؤولون الفلسطينيون كدروع بشرية قرب الأهداف الإرهابية. يستخدمون أطفالهم لأنهم يعرفون أن الجيش «الإسرائيلي» سيتنازل عن مهاجمة تلك الأهداف كي لا يمس بالأطفال، وإذا تم المس بهم- لا يتم ذلك عمداً».

وتربط الصحيفة بين ما تصفه بـ «الإرهاب العربي» وبين القرآن الكريم، من خلال مقالة كتبها يتسحاك تنينباوم، نشرت بتاريخ 23/3/2012 يقول فيها:

– «الإسلاميون يحتلون الجزء بعد الجزء من هذه البلدان، إنهم لا يشكلون تهديداً على العالم الجديد، فقط «إسرائيل» واليهود هم المشكلة العالمية. النزعة الإسلامية العامة تؤثر في اليهود في الدول المتحررة أيضاً، إنهم هدف للإرهاب العربي الذي توجهه إيديولوجيا المساجد الناتجة من القرآن. اليهودي هو ضحية – ديانة، كل من يزيله من العالم يحظى بـ «الجنة» الإسلامية».

ولا تتوانى بعض وسائل الإعلام »الإسرائيلية» عن توجيه إساءات عنصرية صارخة ضد الدين الإسلامي، حيث ورد في المقالة الافتتاحية لصحيفة «يتد نأمان» بتاريخ 26/3/2012: «كقاعدة، الثقافة الإسلامية تقمع بشكل شمولي حقوق المواطن حيثما وُجد، إنها ثقافة إرهاب، عنصرية، إذلال وقمع، من يحاول أن يرفع رأسه يقطعونه فوراً».

كما ورد في المقالة الافتتاحية للصحيفة بتاريخ 25/3/2012: «الإيديولوجيا الأشد خطراً من الأخريات هي الإيديولوجيا الإسلامية المتطرفة، التي هدفها الأساسي سيطرة الإسلام على الغرب. صحيح أن التعميم ممنوع، وأن الكثير من المهاجرين المسلمين يجدون أماكنهم في الدول التي هاجروا إليها، ولكن هؤلاء بقوا مع إيديولوجيا الإسلام التي تريد أن تحتل العالم كله تحت نعال دين محمد الهدامة، إنهم ليسوا أقلية بالتأكيد».

وإن كان يبدو أن حملات تديين الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» تدور بمعظمها على صفحات الصحف «الإسرائيلية» الدينية فقط، فإن ذلك يعود إلى أن الصحف «الإسرائيلية» العلمانية المركزية تتبع أسلوباً أشدّ دهاءً في هذا الجانب، إذ تقوم بالامتناع عن توجيه عبارات عنصرية مباشرة للعرب والمسلمين، وتتبع أسلوب التحريض المبطن وغير المباشر.

يبرز ذلك على سبيل المثال من خلال التركيز على نشر أخبار تُظْهِرُ العرب والمسلمين بصورة سلبية تُكرس الأفكار النمطية المسبقة، إذ يتم حصر التغطية عموماً بحوادث القتل والعنف وتغييب القضايا الجوهرية، كما يبرز التحريض غير المباشر من خلال مسألة التشديد على السيطرة الإسلامية على المسجد الأقصى ومحيطه، وما تدعيه الصحف «الإسرائيلية» من حفريات يجريها الوقف الإسلامي «للقضاء على الآثار اليهودية» المزعومة، وكأنها معركة يقودها المسلمون ضد الوجود اليهودي في القدس، «مركز الكون» وفقًا للمعتقدات اليهودية، أو كما فعلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» حين نشرت بتاريخ 2/10/2010 رسالة لأحد قرائها الذي انتقد بناء مسجد في نيويورك، مكان برجي التجارة العالميين، قال فيها:

– «كان يجب أن يطلق على هذا المسجد اسم «مسجد ضحايا الإرهاب الإسلامي»، لكي نذكر العالم أن المخربين الانتحاريين هم فقط من المسلمين. لم نسمع في أي مرة عن مخرب مسيحي أو يهودي، المسلمون المتطرفون هم فقط من يقومون بالعمليات الانتحارية ويقتلون الناس الأبرياء».

أو يكون ذلك من خلال نسب حوادث عنف فردية للمسلمين عموماً، وإظهار جرائم قتل غير المسلمين كأمر عقائدي في الدين الإسلامي، كما حصل في حادثة قتل شاب جزائري يدعى محمد مراح عدداً من اليهود في مدينة تولوز الفرنسية، حيث نشرت صحيفة «معاريف» بتاريخ 25/3/2012 مقالة بعنوان: «الإرهاب الإسلامي حي ويضرب»، وجاء في المقالة التي كتبها بوعاز بيسموط:

«الإرهابي محمد مراح، الذي قتل بوحشية كبيرة سبعة أشخاص، من ضمنهم معلم وثلاثة تلاميذ يهود صغار، جعل فرنسا تفهم أن هذا الورم السرطاني، الذي يُطلق عليه إرهاب إسلامي، حي ويضرب، يتنفس ويقتل أيضاً».

ولا تخلو وسائل الإعلام الصهيونية من التحريض العنصري المباشر أيضاً، ونشير هنا إلى صحيفة «هآرتس» المحسوبة على اليسار «الإسرائيلي»، حيث جاء في مقالة كتبها يسرائيل هرئيل، نشرت بتاريخ 17/3/2012:

– «كان على أولئك الذين يؤمنون بأن السلام ممكن مع الفلسطينيين وأنهم شركاء، أن يقولوا الحقيقية حول التحريض الذي يقوم به شركاؤهم. لا يمكن إثبات وجود علاقة مباشرة بين القتل في إيتمار والتحريض اليومي، الأسباب هي أسباب جذرية. خلال سنوات قتل في الجزائر ما يقارب 300 ألف، وفي دارفور أيضاً، وفي لبنان، وسورية، والعراق، ومناطق أخرى في العالم الإسلامي، التحريض الفلسطيني هو تعبير عن هذا الطابع الوحشي، وليس السبب لوجوده».

وفي مقالة أخرى كتبها م. شالوم قال: «الكذب والمكر هما أبرز صفات العرب، إنها صفات راسخة في «دين» محمد، و«اتفاقية قريش» تثبت أن الخداع مسموح وإجباري من أجل هزم العدو وتحقيق الأهداف».

وجاء في مقالة كتبها البروفسور هيلل فايس، ونشرتها صحيفة «ماكور ريشون» الدينية بتاريخ 15/12/2010: «لقد تحول الإسلام إلى جزمة تدوس أوروبا. القيادة الأوروبية تطلب من «إسرائيل» إخلاء القدس، هذه هي العنصرية!… أولئك الذين ابتكروا مصطلح «عنصرية» قاموا بتبنيه».

وورد في مقالة عنصرية نشرتها صحيفة «هموديع» الدينية بتاريخ 22/6/2012، بقلم يعقوب شنفلد: «الظمأ الحيواني للدم يجعل تصرفات المسلمين مجنونة، ويبدو أن الإسلام كله يحاول بسبب خيبة أمله الانتحار وجرف كل العالم نحو الضياع، يبدو أنه منذ الأزل لم يكن هنالك ما هو أكثر جنوناً من دين السيف، القتل والضياع اللذان تحزم بهما الإسلام اليوم».

أما موقع «إن. إف. سي» فلم يتوانَ عن نشر مقالة تصف الإسلام بـ «دين الشيطان»، حيث ورد في مقالة كتبها يهودا دروري، نشرت بتاريخ 29/1/2012: «هناك من يعارضونني لأنني أعرض الإسلام كدين عنيف ودموي ربما يجدون هم أكاديمياً متسامحاً يعيش في الغرب ويدعي أن الإسلام هو دين الحب والسلام… لكننا نعرف الإسلام أكثر منهم… أنا أتفهم أنه من الصعب على يساري أن يُليّن مواقفه ويتقبل الحقيقة الفظيعة التي تقضي بأن لا وجود لمسلمين «صالحين»، وأن كل هدف العرب، هنا على الأقل، هو إبادتنا… إنهم يقولون ذلك ليلاً نهاراً في وسائل إعلامهم، ولا يتوقفون لحظة عن التحريض ضدنا… الإسلام دين الشيطان!».

تفوق «الشعب المختار»

والارتهان لنظرية تَمَيُّزِ «سلالة إسحق» وتفوقها العرقي على «سلالة إسماعيل» العرب ، يترافق في كتابات الإعلاميين الصهاينة مع الارتهان لنظرية «شعب الله المختار» والتفوق الديني على الأغيار، فما زال العديد من الكتاب «الإسرائيليين» مقتنعين بأن اليهود هم «الشعب المختار» المتفوق دينياً وثقافياً على الشعوب الأخرى.

يقول رؤوفين باركو في مقالته المنشورة في صحيفة «إسرائيل اليوم» بتاريخ 19/10/2011، مؤكداً «التفوق العرقي» لليهود على العرب والتفوق الديني لـ«شعب الله المختار»: «العديد من الفلسطينيين يعترفون بأنه في حين أن الإسلاميين مستعدون لقتل مواطنيهم وأسراهم، فإن اليهود مستعدون للتضحية بأمن مواطنيهم من أجل جندي «إسرائيلي» واحد موجود في الأسر هذه المعادلة: تحرير مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل أسير يهودي واحد تعزز الشعور المحزن بأن رجال حماس، سلالة هاجر، يشعرون بأنهم رخيصون ولا يساوون صفراً، وأنهم لا يعتبرون حياة الإنسان الفلسطيني ذات قيمة، مقابل التفوق الأخلاقي والقومي لليهود و«إسرائيل»… إضراب الأسرى في السجون «الإسرائيلية» نموذج حي للتقييم الذاتي المشوّه والمليء بالتناقضات لأبطال الإسلام الفلسطيني، الذين منعوا عن جلعاد شاليط حقوقه الأساسية كإنسان وكأسير وفقاً للقانون الدولي، ومن ناحية أخرى، هم يضربون عن الطعام ويطالبون بوقاحة غير مفهومة بالرفاهيات، بالتعليم، بالغذاء، بزيارات الأقارب ومشاهدة وسائل الإعلام. هذا يؤكد أنه في مكان ما من الجزء الخلفي لدماغ الفلسطيني يوجد اعتراف ضمني بتفوق اليهود الأخلاقي. إنهم صادقون، هناك فرق جوهري بين اليهود والإسلاميين الفلسطينيين، الحديث لا يدور فقط حول إنجازات اليهود في العلم وجوائز نوبل التي حصل عليها الشعب المختار، الحديث يدور في الأساس عن تقدير اليهود للحياة مقابل صناعة الموت التي ينتجها الإسلاميون».

كما لا يخلو الأمر من إساءات عنصرية بالغة كتلك التي وردت على لسان المذيع اليميني أفري جلعاد، الذي قال في برنامجه «الكلمة الأخيرة»، الذي بث بتاريخ 12/6/2012 على إذاعة «جالي تساهل»: «في الحقيقة نريد أن نبحث عن مساحات كبيرة لنا، ولكن لا نريد أن ننسى أن الذين يدقون أبوابنا هم من أتباع الإسلام، والإسلام مرض متفشٍّ في العالم، ولا أريد أن أقول إنه سرطان العصر لأنه مصطلح منبوذ، والحقيقة أن الإسلام يسود العالم ونحن نرى ذلك في كل مكان، وهم يريدون السيطرة بأفكارهم ومعتقداتهم، وعلينا أن نكون حذرين في أمور حياتنا».

إعلام قلب الحقائق

قالت غولدا مائير ذات مرة: «لن أسامح الفلسطينيين لأنهم يجبرون جنودنا على قتلهم».

هذه صورة لتشويه الحقيقة وصناعة أخبار من وحي الأهداف العدوانية لتصبح كما الأحداث الحقيقة، حين تتناقلها وسائل الإعلام من دون تعليق أو نقد، فقد اعتمدت وسائل الإعلام منهجية لصناعة الأكاذيب والإشاعات وترويجها بِحرفية عالية، ولعل أهمها:

1 – استخدام صيغة المبني للمجهول مثل: «أُطلِقَ النار على، او «قُتِلَ» لتخفيف أثر الحدث والتمويه على مسؤولية الجيش الاحتلالي. كما تعمل وسائل الإعلام إلى اعتماد عدد من الروايات المختلفة، وربما المتناقضة لحادث واحد، وذلك لإرباك المستمع أو القارئ في أي من الروايات هو الصواب ففي حادثة استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة بتاريخ 30/9/2000، وبالرغم أن الحادث موثق بالتصوير، إلا أن «إسرائيل» حاولت تبرير الحادث الإجرامي بأكثر من رواية مثل إن الطفل قتل برصاص الفلسطينيين ثم قيل: «بأنه سقط في تقاطع نيران بين مسلحين فلسطينيين و«إسرائيليين»»، ثم قيل: «إن الطفل كان مشاغباً مؤذياً جلب لنفسه الموت» كما تساءل الإعلام «الإسرائيلي» عن سبب وجود الطفل في مكان الحادث

إن عملية تأليب الرأي العام العالمي ضد العرب وتشويه صورتهم وتزييف حقيقة عدالة قضيتهم هي سياسة تتم صياغتها بعناية فائقة من قبل المسؤولين »الإسرائيليين»، ساسة وأكاديميين، فالبروفيسور بنيامين عزار يقول:

– «إن الإيحاء للعالم باستمرار العداء من قبل العرب لـ«إسرائيل» يخدم جملة من التصورات والمفاهيم التي تقوم على أن الدول العربية تريد إبادة «إسرائيل» وإزالتها من الوجود، وهو شيء علينا أن نعمل على إقناع شعبنا والرأي العام به بكل الوسائل التي بين أيدينا، لأن ذلك يعد من مصالحنا العليا».

ومثل هذا القول يهدف إلى إضفاء الشرعية على الممارسات الصهيونية، ودعم «إسرائيل» ومدّها بكل أسباب القوة بذريعة الدفاع عن النفس ضد الأخطار التي تتهددها، كما تدعي، حتى وصل بها الأمر إلى عسكرة وتجييش الداخل الصهيوني بالكامل، ونجد أن الإعلام الصهيوني كان ولا يزال يتخذ من تلقين الذهن اليهودي بعقدتي الخوف من العرب وادعاء التفوق التكنولوجي والقيمي عليهم وسيلة لتحقيق أهدافه، ويعمد إلى تحويل عقدة الخوف من العرب إلى أسطورة عملت وسائط الإعلام على غرسها في ذهن كل يهودي أينما كان من أجل تنمية الشعور بالحقد والكراهية ضد كل ما هو عربي، حيث يتم الترويج لمقولة التفوق القيمي والتكنولوجي على العرب من خلال التركيز على تشويه صورة العرب وضرورة التعامل معهم بلغة القوة التي كرست مقولة الجيش الذي لا يقهر.

والمتابع للإعلام «الإسرائيلي» لا بد أن يلاحظ المساحة الواسعة المتاحة أمام الكتاب والصحافيين والعاملين في المحطات الإذاعية والتلفزيونية وتنوع آرائهم وتحليلاتهم، إلا أنها جميعها تجرى تحت إطار عام محدد يصبّ في خدمة الهدف الصهيوني وتسويغ كل الممارسات الصهيونية، وهذا هو هدف الآلة الإعلامية الصهيونية الهائلة التي تعمل على قلب الحقائق وصياغتها من جديد لتقديم القاتل بصورة الضحية، وتحويل الفعل الوحشي إلى فعل مبرر لدى الرأي العام الذي يراد إعادة تشكيله من جديد بهدف إحداث التأثير المقصود، مستخدمة تقنيات دعائية متطورة تلقى الدعم والتأييد من الغرب الرسمي، ولا سيما الولايات المتحدة، ألم يقل جورج بوش الابن إن شارون رجل سلام؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى