بلاتيني يترشّح: ملك «الديوك»… علامة فارقة في الكرة الفرنسية

أعلن الفرنسي ميشال بلاتيني أمس ترشحه رسمياً لرئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم لخلافة السويسري جوزيف بلاتر المستقيل من منصبه على إثر الفضيحة التي هزت كيان المؤسسة الكروية أواخر أيار الماضي.

وقال بلاتيني في بيان حصلت وكالة «فرانس برس» على نسخة منه: «إنه قرار شخصي جداً وقد اتخذته بعد تفكير عميق»، مشيراً إلى أنه سيعمل لما فيه «مصلحة كرة القدم»، وسيحاول إعادة الهيبة والمكانة التي تستحقها الفيفا. وأضاف: «في بعض الأوقات يفرض عليك القدر اتخاذ قرار بهذه الأهمية، وربما قد أكون بلغت هذه اللحظة الحاسمة».

ويبدو بلاتيني مرشحاً فوق العادة ليصبح الرئيس التاسع للفيفا خصوصاً بأنه لقي دعم 4 اتحادات هي أوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية والكونكاكاف. يذكر أن المهلة القصوى للتقدم بالترشح رسمياً هو 26 تشرين الأول المقبل.

وفي السياق نفسه، هاجم رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم الأمير علي بن الحسين الذي خسر الانتخابات الأخيرة على رئاسة الفيفا أمام السويسري جوزيف بلاتر المستقيل بدوره، ترشيح الفرنسي ميشال بلاتيني مناشداً بوضع حد لثقافة «الترتيبات السرية».

وقال الأمير علي في بيان رسمي بعد أقل من ساعة على إعلان بلاتيني ترشيحه رسمياً لرئاسة الفيفا في الانتخابات المقررة في 26 شباط 2016: «بلاتيني لا يصلح للفيفا. يستحق أنصار كرة القدم واللاعبين أفضل. انغمس الفيفا في الفساد … . إن ثقافة الترتيبات السرية ووراء الكواليس يجب أن تتوقف». وأضاف: «الفيفا بحاجة إلى قائد مستقل، بعيد من ممارسات الماضي».

وأوضح علي الذي كان مسانداً من قبل الاتحاد الأوروبي للعبة في معركته ضد بلاتر في أواخر أيار الماضي وفرض الدور الثاني على الأخير بحصوله على 73 صوتاً قبل أن ينسحب، أنه سيقوم بـ»استشارة» الاتحادات الوطنية «الأسبوع المقبل» حول «ما هو أفضل لمصلحة كرة القدم» من دون ذكر المزيد عن نواياه.

علامة فارقة

بعيداً من المفارقات السياسية والإدارية في عالم المستديرة الساحرة سنأتي على مفارقة من نوعٍ آخر، ولكنها الأهم في عالم كرة القدم، وهي العلامة الفارقة التي صنعها بلاتيني في مشواره مع منتخب الديوك الفرنسي.

ارتدى بلاتيني طوال مسيرته القميص رقم 10، لكنه يريد أن يصبح الرقم واحد في العالم من خلال رئاسة الفيفا. يلقّبه البعض بملك الركلات الحرة، ويراه البعض الآخر أسطورة كرة القدم الفرنسية، بينما يعتبره آخرون ملكاً غير متوّج خلافاً للجوهرة السوداء البرازيلي بيليه الذي أحرز ثلاثة ألقاب عالمية.

عشِق بلاتيني الكرة منذ نعومة أظافره ولم ير مستقبلاً له في أيّ مجال آخر عدا رياضة كرة القدم. بدأ مشواره في نانسي وأنهاه في يوفنتوس الإيطالي وقاد منتخب بلاده إلى لقب كأس الأمم الأوروبية عام 1984.

ولد ملك الديوك في 21 حزيران 1955 في جوف في منطقة اللورين الفرنسية من عائلة إيطالية الأصل حيث هاجر جدّه فرانسوا إلى فرنسا ليعمل في مصنع قبل أن يشتري مقهى سمّاه «مقهى الرياضة».

أما أبوه آلدو فكان مدرّساً للرياضة، وبلاتيني يدين كثيراً لأبيه حيث قال ذات مرّة: «لو كان هناك معلم في حياتي أدين له بالجميل فسيكون من دون شكّ والدي». وآلدو كان عاشقاً للكرة بدوره وكان لاعباً جيّداً في صفوف فريق منطقة اللورين، غير أن عشق بلاتيني الابن للكرة كان أكثر فما كان على الأب إلا الرضوخ لرغبة ابنه فعلمه المبادئ الأولى للعبة حتى بلغ السادسة عشرة.

ولما أحسّ ميشال أنه صار يداعب الكرة بتحكّم أكثر واكتسب الثقة اللازمة قرّر الالتحاق بأحد الأندية الفرنسية فاختار أولاً نادي متز غير أنه فشل في الاختبارات البدنية ونصحه طبيب النادي بعدم التفكير في لعب كرة القدم لأن بنيته الجسدية ضعيفة وقلبه لا يحتمل المجهود البدني الذي تطلبه اللعبة.

ولأنه لم ير لنفسه مكاناً في ميدان آخر غير الميادين الخضراء، قرّر الشاب بلاتيني رفع التحدي واتّجه إلى نانسي ثاني أكبر الأندية في منطقة اللورين بعد متز، هناك استطاع أن يُظهر أول مواهبه مع مجموعة من الشباب، وكان بلاتيني يعشق المراهنة مع زملائه على النجاح في التسجيل من الركلات الحرّة، وكان ثمن الرهان كأس من عصير الفراولة. لعب بلاتيني في فئة الشباب في نادي نانسي قبل أن يلتحق بفريق الكبار في السنة التالية 1972 ، وصار لاعباً أساسياً في هذا الفريق المتواضع الذي يحتلّ عادة وسط ترتيب الدوري الفرنسي.

وفي عام 1976، تعاقد الاتحاد الفرنسي مع مدرّب جديد للمنتخب هو ميشال هيدالغو، فأحدث الأخير تغييراً جذرياً على أغلب عناصره. وكانت المباراة الرسمية الأولى لهيدالغو ضد تشيكوسلوفاكيا سابقاً على ملعب «بارك دي برانس» في 27 آذار 1976، فظهرت للمرّة الأولى أسماء جديدة في صفوف المنتخب الأزرق أمثال بوسيس وسيكس… وبلاتيني الذي اكتشف للمرّة الأولى أجواء التشكيلة الوطنية الفرنسية.

وكانت اللحظة التاريخية في اللقاء وفي حياة بلاتيني الدقيقة 37 من المباراة عندما حصل الفرنسيون على ركلة حرّة فأراد هنري ميشال صاحب الخبرة والتجربة في المنتخب أن ينبري لتنفيذها إلا أن بلاتيني اقترب منه وهمس له في أذنه «مرّر لي الكرة وسأسجّل» وهو ما حصل فعلاً، عندها اكتشف الفرنسيون والعالم بزوغ نجم جديد.

والحديث عن أهداف بلاتيني من الركلات الحرة يطول إلا أنه يجدر التذكير بذلك الهدف الذي سجّله في 18 تشرين الثاني 1981 في مرمى منتخب هولندا ضمن التصفيات المؤهّلة إلى مونديال إسبانيا 1982 والذي كان جواز سفره إلى النهائيات.

أما في صفوف نانسي فكان بلاتيني النجم الأول من دون منازع فكان قائداً وهدّافاً من الطراز الرفيع وقاد فريقه إلى الفوز بكأس فرنسا عام 1978 عندما سجّل هدف المباراة النهائية الوحيد في مرمى نيس.

وفي عام 1979 انتقل النجم الفرنسي إلى فريق سانت إتيان العريق في الدوري الفرنسي صاحب الأمجاد والذي تمكّن من الظفر بلقب الدوري الفرنسي لموسم 81-82. وبدأ مشوار بلاتيني الأوروبي في صفوف سانت إتيان، وعلى رغم عدم قدرة الفريق الفرنسي على منافسة فرق أوروبية عريقة كليفربول الإنكليزي ويوفنتوس الايطالي إلا أن للاعب الفرنسي ذكريات جميلة في كأس أوروبا للأندية أبطال الدوري آنذاك كفوز فريقه على إيندهوفن الهولندي بستة أهداف نظيفة والخماسية التاريخية في مرمى هامبورغ الألماني.

غير أن بلاتيني لم يتمكّن حتى عام 1982 من الفوز بأيّ لقبٍ كبير يليق بسمعته، حتى كانت نقطة التحوّل في حياته بانضمامه إلى فريق «السيدة العجوز» يوفنتوس الإيطالي حيث كان الموعد مع التتويج المحلي والأوروبي فكانت بداية العصر الذهبي لابن فرنسا المدلّل، فنال أول لقب أوروبي عام 1984 ضمن منافسات كأس الكؤوس الأوروبية في ذلك الوقت وهي السنة التي حصل فيها على لقب الدوري الإيطالي أيضاً.

وتواصلت بعد ذلك سلسلة الألقاب والبطولات فنال لقب كأس أوروبا للأندية أبطال دوري أبطال أوروبا حالياً عام 1985 في المباراة النهائية المأسوية أمام ليفربول الإنكليزي على ملعب هيسل في العاصمة البلجيكية بروكسيل حيث شهدت مدرّجات الملعب فوضى عارمة وأعمال عنف وشغب تسبّب فيها أنصار النادي الإنكليزي ما أدى إلى سقوط 39 ضحية أغلبهم من الإيطاليين، غير أن تلك الأحداث لم تمنع زملاء بلاتيني من انتزاع الكأس وإهدائها إلى ضحايا أعمال العنف هذه علماً بأنه سجّل هدف المباراة الوحيد من ركلة جزاء.

كما نال بلاتيني مع يوفنتوس لقب «السكوديتو» الدوري الإيطالي مرّتين عامي 1984 و1986 وكأس إيطاليا عام 1983.

وإذا كانت فرنسا لم تتذوّق قبل بلاتيني أي لقب قاري أو عالمي فإنها تمكّنت في عصره وبفضله من التتويج بلقب كأس أمم أوروبا عام 1984 التي احتضنتها، حيث فرض بلاتيني نفسه نجماً لها من دون منازع وكان مايسترو المنتخب وقائده وهدّافه في آن حيث سجّل 9 أهداف في 5 مباريات.

ولبلاتيني قصّة حزينة مع كأس العالم حيث بقي لقب هذه المسابقة الوحيد الذي ينقص سجله الحافل. وبداية النجم الفرنسي مع كأس العالم كانت في مونديال الأرجنتين عام 1978 وكانت متواضعة حيث خرج المنتخب الفرنسي الشاب آنذاك من الدور الأول.

وكانت البداية الحقيقية لبلاتيني في منافسات كأس العالم خلال مونديال إسبانيا 1982 حيث واجه المنتخب الفرنسي آلام الإقصاء من الدور نصف النهائي بركلات الترجيح أمام ألمانيا الغربية في مباراة تاريخية بقيت عالقة في أذهان الفرنسيين وبلاتيني حتى الآن.

فعلى رغم تقدّم فرنسا بثلاثة أهداف لهدف في الوقت الإضافي فإن الألمان وبإرادتهم الفولاذية تمكّنوا من التعديل وحسموا المباراة بركلات الترجيح لتخرج فرنسا من الباب الضيق للمنافسة، وهي التي كانت تأمل في التتويج باللقب العالمي للمرّة الأولى في تاريخها بخاصة وأنها كانت تملك ترسانة من اللاعبين من الطراز العالي كتيغانا وبوسيس وسيكس وتريزور… والقائد بلاتيني.

بعد خيبة مونديال 1982، تجدّدت الفرصة لزملاء بلاتيني في مونديال المكسيك 1986، وهو المونديال الذي كان يعقد عليه الفرنسيون آمالاً كبيرة لمحو آثار النسخة السابقة. غير أن الديوك سقطوا مجدّداً أمام ألمانيا في الدور نصف النهائي أيضا ليتبدّد الحلم.

بيد أن إخفاق بلاتيني في نيل لقب كأس العالم لم يمنعه من أن يكون نجم أوروبا والعالم من دون منازع حيث نال الكرة الذهبية ثلاث مرّات متتالية أعوام 1983 و1984 و1985 وهو إنجاز خارق في حدّ ذاته.

وأنهى بلاتيني مسيرته في الملاعب بعد مشوار حافل سجّل خلاله 368 هدفاً في 680 مباراة خاضها، منها 41 هدفاً مع منتخب بلاده و54 هدفاً مع يوفنتوس جعلت منه أفضل هداف في الكالتشيو ثلاث مواسم متتالية 1982-83 و1983-84، و1984-85 ، كما ارتدى الفانيلة الدولية 72 مرّة سجّل خلالها 41 هدفاً يحتلّ بها المركز الثاني على لائحة الهدافين التاريخيين للديوك.

وأشرف بلاتيني على تدريب منتخب بلاده في الفترة بين 1988 إلى 1992.

وانتخب رئيساً للاتحاد الأوروبي لكرة القدم في كانون الثاني عام 2007 ولا يزال يشغل هذا المنصب حتى الآن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى