سورية… لهذه الأسباب لا نعوّل على مبادرة دي ميستورا

هشام الهبيشان

تزامناً مع الوقت الذي يستعد فيه ستيفان دي ميستورا لتقديم مقترحاته حول مساعي الحلّ السياسي في سورية أمام مجلس الأمن الدولي، عادت مجدداً الاحاديث والتحليلات والتصريحات لتتحدث عن إحياء مؤتمرات خاصة لحل الأزمة والحرب المفروضة على الدولة السورية، موسكو 3، جنيف 3، القاهرة 3، هنا ومع تعدد مرجعيات هذه المؤتمرات وكثرة مسمياتها بدأت تسود حالة من التشاؤم في خصوص الجدوى من عقد هذه المؤتمرات، لأن أغلب المطلعين على تداخلات الحرب على الدولة السورية وما تبعها من تغيير في قواعد الاشتباك، يعلمون ويدركون أن عقد جلسات مشاورات أو لقاءات أو مؤتمرات تضم شخصيات من طرفي المعادلة السورية، أو طرف واحد، لن ينجح بسبب وجود صعوبات ومعوقات كثيرة.

ومن خلال استعراض اللقاءات والمؤتمرات التي عقدت، في هذا الإطار، نجد أن كل ما قامت به هو إشباع الإعلام بالصور النادرة عن نجاحات الدول الوسيطة في التفاوض وعن فرص للتقدم المأمول، مع أن تلك الدول جميعها تدرك أن الوصول إلى نتائج فعلية ليس ممكناً في هذه المرحلة، وفي حال التوصل إلى حل ما فإنه سيكون مرحلياً ومجتزأ، أو خطوة في طريق طويلة وصعبة ومعقدة، ستبقي سورية في معمودية النار حتى وقت غير محدد.

نحن اليوم بانتظار ما سيقدمه دي مستورا، مع أني مقتنع أنه لن يقدم أي جديد، بل هو سيدعو مجدداً لمؤتمر جديد تحت عنوان» جنيف 3»، والواضح أن هذا المؤتمر لن يتمكن من تحقيق أي انجازات فهناك العديد من الصعوبات والمعوقات المتمثلة بـ «معارضة الفنادق» وداعميها وتمسكهم بالشروط نفسها التي أفشلت المؤتمرات السابقة، وقد كان مؤتمر «جنيف 2» الذي عقد العام الماضي شاهداً على مهزلة سياسية وأخلاقية، حيث اتضح أن المطلوب، من وجهة نظر المعارضة الخارجية الممثلة بما يسمى الائتلاف، هو تسليمها السلطة.

تعلمنا من التاريخ دروساً بأن ازمات دولية – إقليمية محلية مركبة الأهداف، كالحرب التي تدار حالياً ضد سورية، لا يمكن الوصول إلى نتائج نهائية لها بسهولة، لأنها كرة نار متدحرجة قد تتحول في أي وقت إلى انفجار إقليمي، وحينها لا يمكن ضبط تدحرجها أو على الأقل التحكم بمسارها، فالحلول والتسويات تخضع للكثير من التجاذبات والأخذ والرد قبل وصول الأطراف الرئيسية المعنية إلى قناعة شاملة بضرورة وقف الحرب، وفي هذه الحال، لا يمكن التوصل إلى حل في المدى المنظور، ما لم تنضج ظروف التسويات الإقليمية والدولية.

كان مؤتمر «جنيف 2»، بفصوله كاملة، شاهداً على طريقة تعامل الأمم المتحدة والموفدين الدوليين من الأخضر الإبراهيمي إلى استيفان دي ميستورا مع الأزمة السورية، كان امتحاناً لمؤسسة الأمم المتحدة، والدول الداعمة للإرهاب على أرض سورية لكشف نواياهم الحقيقية وأهدافهم من عقد هذه المؤتمرات بفصولها المختلفة، وتدرك تلك الدول أن أي تسوية فعلية للحرب على الدولة السورية يجب أن تعكس أولاً تفاهماتها على مجموعة من الملفات، وبعد وصولها إلى تسويات حقيقية، عندها يتم الحديث عن إمكان وضع حل للأزمة السورية.

من الواضح أن جميع المعطيات الإقليمية والدولية في هذه المرحلة، تشير إلى تصعيد واضح بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، وهذا بدوره سيؤدي إلى المزيد من تدهور الوضع في سورية وتدهور أمن المنطقة ككل، وهذا ما تعيه الدولة السورية، فمجموعات القتل المتنقلة في سورية ما زالت تمارس علانية القتل والتخريب التدمير، ولدى المنظمات الدولية، بما فيها المنظمات التابعة للأمم المتحدة، أدلة كثيرة وموثقة على عمليات القتل والتعذيب والتخريب التي تقوم بها العصابات الإرهابية، أما بالنسبة إلى المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي الذي نعى مؤتمر «جنيف 2» فور انتهائه، وأعلن بعدها استقالته وتخليه عن مهمته، فها هو خلفه استيفان دي ميستورا يعود مجدداً إلى الحديث عن طروحات لحل الأزمة السورية، ومن هنا نقرأ أن تشعب الملفات الإقليمية والدولية، وتداخل جهود الحل، سيعقّد مسار الحلول لأزمة لا تزال تدور في فلك الصراع الإقليمي والدولي.

ختاماً، من كل ما تقدم نستنتج أن جميع المؤتمرات لا يمكن التعويل عليها، كنافذة للخروج من تداعيات الحرب على سورية، والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم وبقوة: ماذا بعد كل هذه المؤتمرات؟ وماذا استفاد السوريون الذين هم في وسط هذه الحرب ويتحمّلون كلّ تداعياتها من هذه المؤتمرات؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى