الأسد يقود الحرب ضدّ الإرهاب… آن الأوان

د. حسام الدين خلاصي

في أكثر من مناسبة منذ بداية كوميديا الربيع الأسود، عبّرت سورية عن وجهة نظرها في أنّ ما يحصل من عبث بمقدّرات فكرية إسلامية وسياسية في المنطقة سيوصل إلى إرهاب دولي لا نظير له ولم يحصل من قبل وسيطاول كلّ دول العالم، خاصة تلك التي ترعاه وتدعمه، وأنّ كرة الثلج التي اعتمدتها دوائر الصهيونية العالمية في التغيير الناعم لدول المنطقة ستتحوّل إلى كرة نار تكبر وتتضخم وتلتهم الأخضر واليابس وسيصعب تطويقها عندئذ.

كان العالم يومها لا يزال في سبات عميق عن قصد وعن جهالة، ولم يلتفت بل زيّن لكثير من دول العالم بأنّ التغيير الحاصل في العالمين العربي والإسلامي إنما هو رغبات حقيقية لشعوب تنتفض على حكوماتها، وهنا برز الدور الأهمّ للإعلام الأسود الحاقد والمدبّر والمدير لهذه الموجة من التغييرات في أن يركب العصابات السوداء على عيون الناس المحليين وعيون الناس من خارج دول «الربيع الصهيوني».

ولكي يكتمل المشهد حوصر الإعلام السوري والمقاوم معاً، وحُجبت الصورة الحقيقية والواقعية لما يجري على الأرض العربية عموماً والسورية خصوصاً، وسرت الأخبار ونقلت الصورة وفق الهوى الصهيوني والوهابي وصوّر القاتل على أنه المخلص للشعوب من آلامها وصوّرت الضحية على أنها القاتل.

من هنا أعادت سورية مطالبتها العالم والإعلام العالمي بنقل الصورة الحقيقية، ولكن العالم كان في سبات وغفوة كبيرة، واستمرّت مؤامرة تشويه الحقيقة عبر قنوات مضللة، خاصة تلك التي رعتها أموال السعودية الوهابية والصهيونية العالمية، في تلك الأيام الماضية لم ينثن الإعلام السوري والمقاوم عن المضيّ في إماطة اللثام عن الحقيقة وتعرية كذب وزيف ادّعاءات مدّعي الثورة، ولم تكن المهمة سهلة أبداً في ظلّ الحصار والتضييق الإعلاميين الممارسين مع ملاحظة الفارق التقني الواسع بين من خطط لهذه المؤامرة وبين من يدافع عن سيادة وطنه.

واستمرّت التضحيات طيلة سنوات الحرب على سورية، وتوضحت الصورة مع مرور الوقت واستمرّ الإعلام الوطني السوري في حمل القضية وتزامن ذلك مع دعم إعلامي من بعض الدول الصديقة وعددها ليس بكبير، إذ أثبت الإعلام السوري بكلّ صنوفه كما الجندي السوري بأنه قادر على حمل أعباء المهمة الدولية وتعرية مواقع الإرهاب وكشف الفبركات الدائمة ونبّه إلى خطورة انتشار الإرهاب الدولي على العالم، وحذا بذلك حذو السياسة الخارجية السورية التي حملت رسالة مهمة للعالم بأنّ ما يجري على الأرض السورية والعراقية واللبنانية من نشاط إرهابي هو شرّ مستطير دائم سيطاول العالم، ونبّهت إلى خطورة الدول الداعمة للإرهاب كتركيا والسعودية وقطر وبعض الدول الأوروبية.

مرّت السنوات الأربع وأذعن العالم للرؤية السورية، بعد سيل من التضحيات المكلفة البشرية والمادية، وبدأت المتغيّرات الدولية تنحاز لمصلحة الأمن الوطني السوري انطلاقاً من نقطة الاتفاق النووي والذي رأى فيه الكثيرون نقطة تحوّل وانهيار لمنظومة الإسلام السياسي الفاشي الإرهابي، لمصلحة منظومة العالم الجديد الذي بدأت ترسمه بصبر وهدوء مجموعة الدول الصاعدة اقتصادياً وعسكرياً ومنها دول محور المقاومة.

من هنا أعلنت دمشق عن المؤتمر الإعلامي الدولي لمكافحة الإرهاب في التوقيت المناسب، ودعت إليه من دول العالم أولئك الإعلاميين الذين أحبّوا معرفة الحقيقة بعد تكشف الأمور، وفتحت ابوابها لأول مؤتمر من نوعه في تحدّ كامل لأولئك الذين ادّعوا أنّ النظام في سورية هو من يمارس الإرهاب منذ بداية الأزمة، فبدّد هذا المؤتمر تلك الأوهام ووضّح الحقيقة ورأى الحاضرون وسمعوا ما تعانيه سورية من الإرهاب العالمي.

فبدا المؤتمر كمرافق لصيق للعمل العسكري المهمّ الذي يقوم به الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية الشقيقة وخبرات الأصدقاء الإيرانيين ومساعدة الروس، فالمشهد داخل قاعة المؤتمر بدا مثل ساحة المعركة، فالكلّ أتى لمناصرة الموقف السوري والإعلام السوري في مقاومته ومحاربته للإرهاب الدولي والذي بات واضحاً مصدره وتكشّفت أهدافه للعالم أجمع.

لربما التنسيق الإعلامي الذي حصل بين الإعلاميين العرب والأجانب في المؤتمر هو بمثابة الخطوة الأولى الرئيسية لإطلاق عنوان مهم في تاريخ العالم والمنطقة وهو من سورية وبقيادة سورية يجب ان تبدأ معركة محاربة الارهاب الدولي ، لقد نجحت سورية بصبرها وصمودها في أن تحضر الإعلام الدولي لمسرحها لرصد الحقيقة وقلب الموازين، والتي لطالما كانت مختلة لمصلحة الإسلام السياسي الوهابي الصهيوني طيلة فترة العدوان عليها، ومن دمشق أعيد التوازن الإعلامي كخطوة مهمة أولى إذ حضرت المؤتمر أسماء إعلامية مهمّة ومن دول مختلفة وهذا سيقرّب المسافات ووجهات النظر باتجاه الموقف الرسمي والشعبي السوري.

من هذا المؤتمر ومن الدلالات السياسية والإعلامية له يستبشر السوريون حقيقة ما سيحصل على المستوى السياسي العالمي في ظلّ التغيّرات الدولية الحاصلة والتي تتسارع، خاصة لجهة تراجع الدعم الدولي للعصابات المعتدلة المسلحة ولتكشف خطر «داعش» على العالم، وانهيار منظومة المعارضة الخارجية بالكامل والتي لم يعد يذكرها أحد سوى بنسبة تمثيلها ودعمها لعصابات القتل في سورية.

الأيام المقبلة هي أيام انتصارات للجيش العربي السوري على كامل الساحة السورية، وأيام تقدّم سياسي واضح لمصلحة الداخل السوري والمؤمن بضرورة محاربة الإرهاب كأولوية قصوى قبل الحديث عن أيّ حلّ سياسي أصلاً.

إنّ المشهد السعودي المتأزم في اليمن، والمشهد التركي المتخبّط داخلياً بين القتال مع «داعش» ومع الأكراد، وانسحاب الحلفاء من الدعم رويداً رويداً وعدم الاستجابة للرغبات المجنونة لأردوغان في سورية من قبل أصدقائه الأميركيين، كلّ هذا يقرأه الإعلامي ورجل الشارع على أنّ المسافات اقتربت لدعوة دمشق لتقود العمل ضدّ الإرهاب، وهذا ما كلفت سورية نفسها به دفاعاً عن نفسها وعن دول العالم لاحقاً.

إنّ هذا التكليف بقيادة الحرب على الإرهاب سيصدر عاجلاً أم آجلاً لأنّ الحق والحقيقة باتا واضحين لشعوب العالم ولحكومات كثيرة بدأت بتغيير مواقفها ولن تكون القنصلية التونسية إلا أولها. مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ سورية بدأت حربها على الإرهاب بدون هذا التكليف العالمي والإذعان للحقيقة بالتعاون والتنسيق مع قوى المقاومة الشريفة على أراضيها وفي كثير من نقاط الحدود الساخنة.

إنّ الواقع الجديد الذي لم يعد يخفى على أحد تجلى قيادة شابة لمرحلة جديدة للرئيس بشار الأسد، الذي عبّر من خلال كلمته الواقعية في 26/7/2015 في اليوم الذي تلا انتهاء المؤتمر عن لقاء القائد بالشعب والذي يصارح شعبه بتفاصيل الحرب ومراحلها، وسمّى بلا وجل كما عهدناه المرحلة بِاسمها وعرّى أولئك الذين رهنوا أنفسهم قبل وطنهم لخارج متآمر يحتقرهم ولعبوا لعبة المعارضة الخارجية، رسم الرئيس في كلمته حدود الوطن والوطنية وقيمة الإنسان السوري كقيمة عظمى قبل كلّ شيء، قد لا يبدو للوهلة الأولى أنه خطاب الفصل أو الانتصار ولكن من يتمعّن جيداً في الثقة التي استمدّها الرئيس الأسد من الشعب الذي قرّر الدفاع عن وطنه، ومن تضحيات الجيش العربي السوري ومن وقوف الأشقاء إلى جانب سورية وبادلوها الوفاء بالوفاء والدم بالدم، على من يتمعّن يجد أنّ الرئيس الأسد بات أكثر ثقة وتصميماً من الماضي على رسم صورة سورية المنتصرة فتحدّث عن إعمارها وبنائها وعن مواطنها، وبكلّ قوة وعزم أعاد النصيحة ذاتها للعالم بأنكم تخطئون عندما تحاربون الإرهاب من دون الالتفات للنصيحة السورية، وأننا ماضون رغم ذلك في قيادة هذا المشروع انطلاقاً من أرضنا، وأنّ سقوط المشروع الصهيوني الإرهابي التكفيري على الأرض السورية سيكون بمثابة عنوان عريض لسقوطه في كامل مساحة انتشاره، وذلك سيشجع الجيوش الوطنية في مصر والعراق ولبنان وسيشجع الشعوب معارضة وموالاة على رفض الهيمنة الأميركية وسيجعلها في وحدة مع جيشها، وهذا ما أوضحه الرئيس عندما تحدّث عن نجاح الشعب الإيراني في تجاوز اللعبة الخطيرة التي أعدّت له، واستطاع أن يوحّد صفوفه عندما أتى العدوان ليتحدّى السيادة الوطنية الإيرانية، من هنا أكد الرئيس الأسد وبوضوح أنّ الشعوب يجب ان تتعلّم من تجارب بعضها إنْ كانت جديرة بالوطن، فالشعب الذي لا يدافع عن وطنه فهو لا يستحقه، وقالها الأسد بوضوح من لا يدافع عن وطنه فلا وطن له.

إذاً تدخل سورية هذه المرحلة وتكتب عنوانها العريض الأسد سيقود الحرب ضدّ الإرهاب… آن الأوان

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى