دي ميستورا هل حان وقت الرحيل؟

ناصر قنديل

– تناوب على إدارة مساعي الحلّ السياسي في سورية بتكليف أممي حتى الآن ثلاثة مبعوثين هم بالتتابع كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي وستيفان دي ميستورا، والطبيعي ألا تحتاج سورية إلى أكثر من مبعوث واحد إذا كنا أمام رؤية دولية متفق عليها لطبيعة المداخلة لبلوغ الحلّ السياسي، أو كان هناك تشخيص لهدف يجب بلوغه، وهو في مثل حال سورية أحد هدفين أو كليهما، تحالف داخلي إقليمي ودولي صادق ونزيه للحرب على الإرهاب، وتسهيل التوصل لصيغة سياسية تحت هذا العنوان تتيح الاحتكام لإرادة السوريين في الإجابة عن سؤالين، هما أيّ صيغة لنظام حكمهم يريدون ليعبّر عنها دستور يحتكمون إليه في إدارة شؤونهم تضعه هيئة تأسيسية ينتخبونها وترجع إليهم به وتستفتيهم عليه، وانتخابات نيابية ورئاسية على أساسه.

– يستطيع أي متتبّع أن يقول إنّ الاعتراف بالإرهاب كمشكلة رئيسية في سورية تدرّج بالنسبة إلى القوى الغربية الممسكة بأكثر من نصف القرار الأممي، من الإنكار إلى الاعتراف بكونه مشكلة فرعية نتجت من الأزمة الداخلية وصولاً إلى التسليم مؤخراً بأنّ الإرهاب هو الوجه الأبرز لهذه الأزمة، خصوصاً لجهة تأثير تجذّره في سورية على الأمن والسلم الدوليين وهما صلب اختصاص مجلس الأمن، لكن إنكار الإرهاب كمشكلة في البداية لم يضع الأولوية الأممية في استفتاء السوريين حول شكل نظام الحكم ومن يحكمهم على رغم التركيز المبالغ به على البعد الداخلي للأزمة، بل تعرّض مجلس الأمن لضغط شديد يريد استخدام الغطاء الأممي لضرب الدولة ونظام الحكم في سورية وتغيير هويتها في الجغرافيا السياسية الإقليمية والدولية، وبقي الارتباك الأممي قائماً لأنّ هذه الغالبية في مجلس الأمن عندما اعترفت بالإرهاب مشكلة رئيسية لم تتخلّ عن هدفها الأصلي بالهيمنة على سورية وبقيت تحاول الجمع بين الهدفين بصورة تريد جمع المستحيلات، فتقاتل الإرهاب بأشباح أسمتهم المعارضة المعتدلة، ووصفهم الرئيس الأميركي بالفانتازيا، وتريد تسليمهم مقاليد الحكم في سورية عبر ما أسمته بهيئة حكم انتقالي، متخذة من نصوص بيان جنيف الغامض الصادر عن وزيري خارجية روسيا وأميركا حول التسوية السياسية والحرب على الإرهاب وجسم حكومي لمرحلة انتقالية ذريعة لهذا الطرح.

– تغيّر المبعوثون الأمميون إلى سورية بقرار أميركي كان يواكب كلّ مرحلة من مراحل التغيّر في نظرة واشنطن للإرهاب، فمرحلة الإنكار ترافقت مع تكليف كوفي أنان لتمكين المسلحين من السيطرة على المدن تحت عنوان انسحاب الجيش منها كشرط لوقف القتال، ولما فشلت المهمة، وانتقل الغرب إلى الاعتراف بالإرهاب كمشكلة فرعية صارت المهمة عند الأخضر الإبراهيمي لمقايضة الانخراط الدولي في الحرب على الإرهاب بتسليم الحكم لصيغة تلغي الاستقلال الوطني للدولة السورية وتلغي موقعها المقاوم، وهما ما يرمز إليهما الرئيس بشار الأسد، وتضع الجيش وأجهزة الأمن على مشرحة الفك والتركيب وصولاً إلى سورية خارج الصراع مع «إسرائيل» وخارج المعسكر المناهض للهيمنة الأميركية والغربية، أي دولة هامشية في الإقليم يأكل ناسها ويشربون ويخرجون من المعادلات الكبرى، تتكون مؤسساتها الدستورية من جمع بقايا نظام نزع رأسه مع معارضة بلا رأس ولا جسم تتلقى تعليماتها من الخارج، فتشبه سورية مصر بوضعها الحالي بأحسن حال، ولما فشل الإبراهيمي وفشلت أوراق الإرهاب التي استعملها الغرب وحلفاؤه الإقليميون لبلوغ هذه الغاية، بدأ الاعتراف بالإرهاب مشكلة رئيسية جيء بدي ميستورا على قاعدة التسليم بالقبول ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد، مقابل إعادة تكوين النظام السياسي على أساس التقاسم الطائفي للحكم على الطريقتين اللبنانية والعراقية، ووضع الحكومة السورية الجديدة صاحبة الصلاحيات ضمن منظومة تديرها واشنطن وحلفاؤها للحرب على الإرهاب، لتكون الرئاسة السورية نسخة عن الرئاستين اللبنانية والعراقية.

– مرحلة دي ميستورا انتهت والرهان سقط ودخلنا مرحلة جديدة، فمع الانتصارات الميدانية للجيش السوري والمقاومة وصمود الشعب والجيش في سورية وتمسكهم برئيسهم ونهجه الاستقلالي والمقاوم، وتوقيع التفاهم النووي الإيراني إيذاناً بمرحلة لم يعد فيها مكان للمقايضات ولو بقي زمان الانتظارات محكوماً بنضج واشنطن وحلفائها لتقبّل حقيقة عنوانها العودة إلى الأصل، وهي أنّ الحرب على الإرهاب تشكل عنوان أي مداخلة دولية في سورية لتشكيل حلف داخلي سوري وإقليمي ودولي يبدأ بتبرّؤ الذين تورّطوا مع الإرهاب بنية السيطرة على سورية من جريمتهم والتكفير عنها بوقف كلّ مال وسلاح وتسرّب عبر الحدود وتعاون ضمني سرّي أو علني، وبعدها اعتبار شكل الحكم وآلياته أمراً يخصّ السوريين وحدهم يقرّرونه في صناديق الاقتراع والسير بسيناريو يتوحد فيه السوريون وراء جيشهم ودولتهم وصولاً إلى الانتخابات البرلمانية السورية في الربيع المقبل لتكون فرصة جواب السوريين عما يريدون، وحيث ستتيح انتخابات مجمع عليها وعلى الاعتراف بنتائجها والحكومة المنبثقة منها، الفرصة لمن يريدون تعديل الدستور بما في ذلك مدة ولاية الرئيس الذي يطالبون برحيله أن يحققوا مرادهم إذا نالوا غالبية ثلثي البرلمان المنتخب تحت عين المبعوث الأممي ورعايته ووجود مراقبيه.

– مبعوث جديد لمهمة جديدة ودي ميستورا لرحيل في الخريف أو لمطلع العام عندما يحين موعد التسويات الكبرى في المنطقة، فهل يتهيأ رئيس حكومة ماليزيا السابق مهاتير محمد للمهمة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى