بعيداً عن الكيدية: هذه هدية إيرانية للبنان

روزانا رمّال

واضح أنّ شبكة العلاقات الدولية التي تتمتع بها إيران تعطي انطباعاً عن حجم الانفتاح الذي تتعامل من خلاله والذي تملكه مع دول العالم، إذ يبدو أنّ ليس لإيران خصوم على المستوى الدولي خارج عن الخصم الأميركي والعدو «الإسرائيلي»، وبينما لا تبدو الخصومة السياسية مع أميركا سبباً للامتناع عن التعاون الديبلوماسي والاقتصادي معها، سيبقى «الإسرائيلي» العدو الوحيد الذي يحتلّ القائمة الإيرانية السوداء، وعلى هذا الأساس يبدو أنها تعمل على بناء أرضية جديدة تتماشى مع المرحلة الجديدة التي دخلتها بعد اتفاقها مع الدول الكبرى حول ملفها النووي.

تسارع إيران في خطواتها التي تجسّد بمعظمها يداً ممدودة نحو الدول، خصوصا تلك التي تسبّب الاتفاق ببث قلق في أروقة الحكم فيها، فإذ بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف يجول في الدول الخليجية بينها قطر والعراق والكويت للحديث عن الاتفاق وأفق المرحلة الجديدة المقبلة. وفي السياق رحبت إيران بكلّ الزيارات الغربية اليها ومدّت اليد نحو شراكات اقتصادية وعقود استثمارية مع شركات أجنبية في قطاعات عديدة.

الانفتاح الإيراني بالنسبة إلى القيادة هو «قرار»، وعلى هذا الأساس وبخطوة لافتة ألغت إيران تأشيرات الدخول لكلّ من السياح القادمين من تركيا ولبنان وأذربيجان وجورجيا وبوليفيا ومصر وسورية، فيما تدرس السلطات الإيرانية في إطار البرنامج الحكومي لتطوير السياحة إمكانية إدخال نظام «التأشيرة الحرة» لمواطني 60 دولة أخرى.

من دون شك فإنّ الدول التي يقع عليها بالترتيب الاختيار، توضع ضمن دائرة الأكثر اهتماماً بالنسبة لإيران، وهي دول مقرّبة بطريقة او بأخرى الى النظام الإيراني، او بمعنى آخر هي دول ترغب السلطات الإيرانية بتقريب المسافة معها أكثر من سواها، وربما تريد منحها دوراً مميّزاً في تشكيل رافعة وجسر انفتاح على دول اخرى، وتمكينها من الفوز بجوائز اقتصادية يتضمّنها المدى المفتوح للمستقبل الإيراني.

العقوبات على إيران جعلت من كلّ الدول تتفادى التقرّب للاستثمار او التخطيط لمشاريع كبرى فيها، اما اليوم فتفتح إيران أبوابها لزيارات استكشافية ربما سهلة الإجراءات للدول المعنية التي تهمّها ليس فقط من النواحي الاقتصادية إنما من النواحي السياسية كتحصيل حاصل.

لبنان هو أحد هذه الدول التي تمّ رفع التأشيرة عن سواحه او زواره إليها، وهذا الخبر بالنسبة إلى جزء فيه بمثابة خبر غير سعيد، خصوصاً لأولئك الذين يمعنون في الولاء للسعودية او غيرها، وهم بطبيعة الحال يدّعون أنّ النظام الإيراني هو نظام فارسي صفوي ديكتاتوري، وهؤلاء معروفو الانتماء والتوجهات.

الخطوة الإيرانية تجاه لبنان ستقابل او سيتمّ التعاطي معها من عدة نواحي أولها إيجاباً حيث سيرحب فريق الثامن من آذار، أيّ الفريق المنتمي إلى محور المقاومة الممتدّ من لبنان إلى سورية وإيران، هذا الفريق سيعتبر الخطوة بالتأكيد تعزيزاً او حتى نصراً له وتسهيلاً لزياراته السياحية وربما الدينية او التجارية.

أما ثانيها فهو القلق الذي سيظهره فريق 14 آذار من الخطوة التي سيضعها ضمن حسابات تتماشى مع نفس قناعته بالدور الإيراني كدور مشبوه يهدف للسيطرة والتوسع في لبنان لحسابات خاصة، اللهم الا إذا بدأ التغيير بالنظرة إلى النظام الإيراني عند بعض أفراد هذا الفريق وشخصياته منذ توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب.

تفتح إيران بهذه الخطوة ومن دون تردّد أبوابها أمام اللبنانيين كلّ اللبنانيين وهي بذكاء تامّ لم تضع قيوداً او شروطاً او تختار فريقاً دون آخر لتحصر زوارها فيه وهذه مهمة فرض التأشيرة التي ألغتها إيران، والإلغاء مدّ يد للذين كان يصعب حصولهم على التأشيرة بسبب السياسة، وهذه أرضية اطمئنان لمن يودّ زيارتها واستكشاف الأجواء فيها من دون فيتوات ربما يرى فيها مسؤولون لبنانيون كثر فرصة للتقدّم نحوها او حتى التفكير بالتقدّم او التعاون فكرياً وثقافياً وحتى سياسياً من يدري.

بلا شك تدرك إيران انّ بعض اللبنانيين سيعتبر بخلفية الخصومة السياسية انّ هذه الخطوة هي تشجيع أكثر على تسهيل زيارات أصدقائها من اللبنانيين وربما تتفتق مخيلة البعض عن معسكرات التدريب وسواها وهو ما لا تشكل التأشيرة عائقاً أمامه.

أما عملياً وفي بحث ما هو عام وفائدة لكلّ اللبنانيين فإنّ الخطوة بلا شك هي فرصة أمام المواطنين اللبنانيين للسياحة والعمل واستكشاف إمكانات طبية وتعليمية امام الكثير من الشباب اللبناني.

الذكاء الإيراني في استقطاب العالم يبدو جلياً هذه الأيام، وبالتاكيد فإنّ هذه الفرصة التي تفتحها إيران اليوم ليست حكراً على لبنان وحده إلا انها وبدون شك أعلنته إحدى الدول الهامة في دائرتها فهل تكون إلغاء التأشيرة مقدّمة مهمة لتحسين الأوضاع والأجواء المرتبكة حيالها من بعض الأفرقاء الذين يتحينون الفرصة لتقديم مراجعة ذاتية علنية سبقه اليها الاميركي وبعده الفرنسي؟

الأهمّ أنّ لبنان من بين كلّ الدول المعنية بالدفعة الأولى من رفع التأشيرة لزيارة إيران هو أكثرها تواصلاً بدول الغرب والخليج وشركاتها الراغبة والتي سترغب بالتوجه نحو إيران والتي قد يشجعها القرار على اعتماد شركاء لبنانيين لتمثيلها في النهضة الإيرانية المقبلة بلا شك.

إنها هدية إيرانية ثمينة للبنان واللبنانيين بلا استثناء، بل لخصوم إيران الذين كان نظام التأشيرة سيحظرهم أكثر مما هي هدية لأصدقاء إيران فهل يترفع اللبنانيون عن الكيديات في قراءة الحدث والتعامل معه؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى