تقاطع الذعر بين نتنياهو وعباس!

سومر صالح

طفل فلسطيني رضيع يحرق وعائلته في حالة صحية حرجة، هذا حال اعتداء مستوطنين يهود على عرب فلسطينيين داخل الأراضي المحتلة. ولكنه ليس الاعتداء الأول لا نوعاً ولا كماً، سبقه ألوف الاعتداءات اليهودية متفاوتة الشدة على العرب الفلسطينيين، ولكنها المرة الأولى التي تهرع فيها «إسرائيل» إلى استنكار الجريمة بل وإدانتها ومحاولة احتواء مفاعيلها، واليميني الليكودي نتنياهو يطمئن شخصياً على صحة الأسرة الفلسطينية ويتصل بمحمود عباس الذي صعّد بدوره وهدّد بالجنائية الدولية كوسيلة للرد، جريمة إرهابية تعالت معها الأصوات في «إسرائيل» لاستنكارها بوقاحة وبرغماتية فاضحة، وتعالت معها أيضاً الأصوات الفلسطينية المتوعدة بالرد والمتفاوتة بالطبيعة، وكما قلنا الجريمة على فظاعتها وإجرام منفذيها لم تكن الأولى، فتاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني عموماً والفلسطيني خصوصاً، شهد موجات من الإبادة الصهيونية للفلسطينيين منها مجازر دير ياسين ومجزرة حيفا وقبية وكفر قاسم… وعشرات المذابح الإرهابية بحق شعبنا الفلسطيني، إضافة إلى إرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه «إسرائيل» بحق الحجر والبشر وكل ما هو عربي في الأرض المحتلة، ومع هذا كلّه لم تستدع تحركاً فلسطينياً إلى محكمة الجنايات الدولية أو على الأقل تجهيز ملف متكامل يدين العدو «الإسرائيلي»، في السياسة، أتفهم الضغط المتزايد الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد السلطة الفلسطينية، ولكن لماذا التهديد الآن على فظاعة الجريمة ووحشيتها؟ ولماذا صمتت الولايات المتحدة عن تهديد أبو مازن؟! هنا علينا بحث الدوافع الكامنة وراء حالة الذعر الذي أصابت نتنياهو وعباس في آن معاً، يكمن الجواب مقدّماً بالخوف من «الانتفاضة الثالثة» كقاسم مشترك بين الرجلين، فكلاهما يخشى اندلاعها، مع وجود أسباب ذاتية تخصّ كليهما، فنتنياهو عينه على الكونغرس الأميركي لمحاولة إجهاض اتفاق فيينا النووي، ما استدعى الرئيس أوباما للتصريح بضرورة مجابهة «إيباك»، إنه يخشى أن يدخل مع نتنياهو في معركة كسر عظم على التصويت على بنود الاتفاق في الكونغرس، مع قناعتي الشخصية أن نتنياهو يصعد والإيباك تصعّد لتحصيل امتيازات عسكرية واقتصادية غير مسبوقة حال المصادقة على بنود الاتفاق كنوع من الترضية.

جاءت الجريمة الإرهابية في لحظة زمنية حرجة لنتنياهو يمكن معها للإدارة الأميركية أن تستغلها ضده شخصياً، وإظهار سياسته الاستيطانية على أنها عقبة السلام المنشود، وأن سياساته الخارجية غير عقلانية وغير فاعلة ومدمرة أحياناً، الأمر سينسحب حكماً على سياسته في الملف النووي الإيراني فيظهر بصورة الشخص المؤذي لـ«إسرائيل»، ما يعرض جهود إيباك في دعمه في استحقاق الكونغرس للخطر، إذاً، توقيت الجريمة هو من دفع نتنياهو للاتصال بعباس واستنكار الجريمة، ولو كانت في ظرف زمني غير ذلك للاقت قبولاً من نتنياهو وأقله سكوت يشجع تصرفات المستوطنين، أما الأسباب الذاتية المرتبطة بالرئيس عباس فهي سياسة الهروب إلى الأمام، فالسلطة الفلسطينية أضحت عاجزة تماماً عن إدارة الملف الفلسطيني وحالة الانقسام الفلسطيني تهدد مستقبل القضية الفلسطينية، وهو يخشى من استثمارها من قِبل خصومه في قطاع، غزة فصعّد إلى أعلى درجة ممكنة وهو «يتمنى» ألّا تخرج القضية من إطارها الإعلامي، وأراد أيضاً إظهار نفسه على أنه القائد المحب لشعبه بعد أن تعرضت شعبيته لنكسات دراماتيكية نتيجة نهج المفاوضات غير المثمرة على مدى عقد من الزمن تقريباً، وبالعودة إلى القاسم المشترك بين نتنياهو وعباس في حالة الذعر ألا وهي الخوف من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، حيث تتراكم المعطيات والوقائع وتتفاعل وتنذر باقتراب اندلاع انتفاضةٍ فلسطينيةٍ داخل الخط الأخضر، وفي مقدمة الأسباب الدافعة لحدوث مثل هذه الانتفاضة هو استمرار سياسة مصادرة الأراضي العربية داخل الخط الأخضر وسياسة هدم المنازل العربية واستمرار سياسات التمييز العنصريّ ضد العرب الفلسطينيين… حتى يمكن القول إنها تحتاج فقط إلى العامل x ، وجريمة بشناعة جريمة حرق طفل فلسطيني كفيلة بذلك، لكن هذه الانتفاضة طالما اصطدمت بعدم رغبة السّلطة الوطنية الفلسطينية باندلاعها على الأقل في الوقت الراهن وتمسك هذه السلطة بورقة المفاوضات وخيار المنظمات الدولية للضغط على «إسرائيل»، يضاف إلى هذا العامل عدم وجود هياكل تنظيميةٍ جامعةٍ موجهةٍ لمثل انتفاضة كهذه، خصوصاً داخل الخط الأخضر، لكن مع ظهور إرهاصاتٍ أوليةٍ تنذر ببدء تشكل هذا النوع من الهياكل التنظيمية، ابتداءً من أواخر عام 2012 ممثلة بسلسة من العمليات العسكرية داخل «إسرائيل» بدأت الأمور تخرج من سيطرة سلطة رام الله، هنا يكمن خوف الرئيس عباس بأن تشكل هذه الجريمة الإرهابية العامل «اكس» وتخرج الأمور عن سيطرته فتندلع الانتفاضة الفلسطينية، وللعلم إن الانتفاضة الثالثة هي انتفاضة ذات وجهين، انتفاضةٌ على الاحتلال لنيل الحقوق وانتفاضةٌ على السلطة لتغير المسار «التفاوضيّ» الذي لم ينتج الكثير، فيكون الرئيس عباس أكثر الخاسرين إن لم نقل أول نتائجها، أما «إسرائيل» فهي تخشى الانتفاضة ولها أسبابها، فالعامل الاقتصادي حاضر بقوة في الحسابات «الإسرائيلية»، ولكن أكثر ما تخشاه حالياً هو الفوضى الحاصلة على مساحة الجغرافيا الشرق أوسطية والتي ساهمت هي في تعزيزها، فاندلاع الانتفاضة الثالثة قد يصحح البوصلة باتجاه فلسطين المحتلة وما يحمله من مخاطر سياسية على اتفاقيتي السلام مع مصر والأردن والتحالف الناشئ مع السعودية، كما أن الإرهاب وتنظيماته أضحت أكثر انتشاراً وقدرة تسليحية ومخابراتية بفعل السياسة الأميركية و«الإسرائيلية»، فاندلاع مثل هذه الانتفاضة قد يعرض «إسرائيل» لمخاطر أمنية كبيرة، لأن الفلسطينيين كانوا وللأسف حاضرين بقوة في مشهد الدم في سورية ولبنان ومصر وبدعم «إسرائيلي»، كما تخشى أن تتفاقم الأمور وتتجه إلى صدام مسلح مع التنظيمات الفلسطينية المقاومة وهنا تخشى أن يقوم محور المقاومة بنقل المعركة معها إلى الداخل «الإسرائيلي» ويصبح ميداناً للاشتباك بعدما كانت جبهات القتال على الأرض السورية واللبنانية ميداناً لها…

إذاً، هو توقيت الجريمة الإرهابية وتقاطعه مع الملفات المتأزمة في الشرق الأوسط والتي بدأت تتفاعل وتترابط انطلاقاً من الأزمة السورية ومركزيتها، ما دفع بنتنياهو إلى تقديم تنازلات ومحاولة احتواء مفاعيل الجريمة الإرهابية، وفي الوقت نفسه، توقيت الجريمة أتى بلحظة حرجة للرئيس محمود عباس الذي بدا لا يملك من أمر القضية غير التلويح بورقة الضغط السياسيّ في محكمة الجنايات الدولية بعدما تراجعت مركزية القضية بالنسبة إلى الإقليم العربي، حتى هذه الورقة أضحت مرهونة بموافقة أصدقاء الرئيس عباس والمقصود دول «الاعتدال العربي» مجازاً، وهي دول الإرهاب العربي حقيقة، والتي اتخذت قراراً بالتحالف علناً مع «إسرائيل» ضد إيران، فأي مأزق وضع الرئيس عباس نفسه به!

يبقى أخيراً القول إن مفاعيل الجريمة الإرهابية ستكون كبيرة وعميقة في وجدان الشعب الفلسطيني الأعزل، ومن المؤكد أن «النعاج العربية» ستتآمر على مفاعيل الجريمة منعاً من اندلاع الانتفاضة الثالثة، لأن مخططاتها التدميرية تستهدف قلب العروبة النابض سورية، وتحالفها مع الشيطان «الإسرائيلي» أضحى خياراً لها، ولكن الأمور تزداد تعقيداً داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، والانتفاضة آتية لا محالة، لتبقى فلسطين البوصلة، ومحور المقاومة هو الطريق.

الرحمة للطفل الشهيد والشفاء لذويه موصولاً بالرحمة على شهداء القضية الفلسطينية، وشهداء الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى