الجيش اللبناني: بين الكثير المطلوب منه والقليل الذي يُعطى له… وعقدة الرئاسة!

هتاف دهّام

أثبت الجيش اللبناني خلال السنوات الأربع الماضية التي كانت مليئة بالتحديات الأمنية الناجمة عن الأزمة السورية وتداعياتها على لبنان تماسكه الوطني وتمسكه بالعقيدة الوطنية التي أرسي عليها منذ عام 1990، ما جعله ينجح في الكثير من مهامه ويتجاوز الكثير من الأخطار التي واجهته، مشكلاً في ذلك صمام أمان للاستقرار الوطني بمختلف شرائح الشعب اللبناني. وسجل للجيش في ظلّ التقصير والحرمان الذي يعانيه والإهمال الذي تبديه حياله الحكومات المتعاقبة من عدم إقرار سلسلة الرتب للعسكريين وتسليحه، انه استمر على جاهزيته في مواجهة الأخطار المتمثلة بالإرهاب «الإسرائيلي» والإرهاب التكفيري وتنفيذ المهمات الوطنية وتنمية القدرات القتالية على رغم الظروف الصعبة، وحاجته الملحة إلى السلاح في ظلّ الأزمات المحيطة بلبنان وانعكاساتها الخطيرة على الداخل اللبناني.

انتظر وينتظر الجيش الهبة التي وعد بها من المملكة العربية السعودية، وينتظر أن ترفع الحكومة اللبنانية الحظر عن الهبة الإيرانية بعدما رفعت المؤسسة الدولية العقوبات عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لكن يبدو أن الجيش بات محاصراً وبإحكام من الدولة والخارج في ما يتعلق بتسليحه، فالخلافات السياسية الإقليمية وارتداداتها على الداخل لا تزال تقف عائقاً أمام مساعدة الجيش. ويترافق كلّ ذلك مع محاولة القوى السياسية زجّ الجيش ضمن الابتزازات السياسية التي تجري على الساحة اللبنانية، وتغليب الحسابات الفئوية السياسية على مصلحته، والوقوف في وجه محاربته الإرهابيين المسلحين في عرسال. لقد وضعت المواقف السياسية قيادة الجيش في مأزق وفي حالة من الضغط المستمر، وحملتها على الاختيار بين أوضاع غير قانونية. وبما أن الجيش موضوع بتصرف مجلس الوزراء وفقاً للدستور والقانون، فإنه لا يملك إلا أن ينصاع لهذه المواقف التي تؤذيه.

طرحت مشكلة تسمية قائد الجيش الذي يتم تعيينه من قبل مجلس الوزراء معضلة أساسية في ظلّ إصرار رئيس تكتل التغيير والإصلاح على رفض التمديد للعماد جان قهوجي الذي يتمّ التداول باسمه لرئاسة الجمهورية على رغم أن التمديد بات مؤكداً وفق أكثر من مصدر حكومي. إلا أن ما يقلق الجنرال اليوم هو محاولة البعض تسويق العماد قهوجي رئيساً للجمهورية وإنضاج الطبخة الرئاسية على نار هادئة.

لكل ماروني الحق في الترشح لرئاسة الجمهورية. وأمام ذلك فإنّ طموح قائد الجيش بالوصول إلى رئاسة الجمهورية يكفله الدستور، إلا أن هذا الأمر بات يحمل قائد الجيش أياً كان عند اقتراب الحديث بالرئاسة لاتخاذ الجيش أداة للوصول ما يجبره على مسايرة هذا أو ذاك من السياسيين على حساب العسكريين والمصلحة العسكرية، الأمر الذي دفع بعض الأحزاب المطالبة بإنهاء هذه اللعبة السياسية وعدم إدخال الجيش في متاهات الانتخابات وتولي مناصب سياسية.

استغلّ السياسيون هذه «العقدة المارونية الرئاسية» لدى قائد الجيش وبرعوا في ابتزازه وابتزاز الجيش نفسه إلى أن انتهى الأمر بهم أن جعلوه رهن قرار وزاري يخرجه من موقعه في أية لحظة يغضب عليه وزير الدفاع، إذ إن الحصانة القانونية المعطاة لقائد الجيش والمتمثلة بقرار من مجلس الوزراء بالتعيين أو بالإقالة بأكثرية الثلثين انتفت الآن مع تأجيل التسريح. وبات وزير الدفاع بإمكانه في أي لحظة إنهاء خدمات قائد الجيش المؤجل تسريحه، الأمر الذي ينعكس سلباً على أداء القيادة ومعنويات الجيش، على رغم أن العماد قهوجي يتمتع بصفات عسكرية وطنية بامتياز وباحتراف عسكري. كذلك عطل تجاوز القانون من قبل السياسيين حتى الآن تشكيل المجلس العسكري الذي يجب أن يتألف بحسب القانون من ستة أعضاء وأنّ النصاب لا يكتمل إلا بحضور 5 أعضاء، بيد أن هذا الأمر لا يطبق منذ أكثر من سنة ونصف السنة، فهو غير متحقق ويعمل المجلس العسكري بثلاثة أعضاء. ولأنّ هذا الأمر يرضي السياسيين يسكت جميع هؤلاء عن الأمر على رغم عدم شرعيته.

الجيش فوق الأحزاب والطوائف

يؤكد الحزب السوري القومي الاجتماعي «أن الجيش لم يدخل الجيش في الزواريب السياسية الضيقة. القوى السياسية تحاول زجّه في السياسة، لكنه بقي مؤسسة وطنية جامعة، يقوم بدوره بمعزل عن الانقسامات السياسية في لبنان وبمعزل عن رغبات هذا الطرف السياسي او ذاك». ويجدد رئيس مكتبه السياسي المركزي الوزير السابق علي قانصو في حديث لـ«البناء» الدعوة للقوى السياسية «أن تبقي هذه المؤسسة العسكرية بمنأى عن التجاذبات والحسابات السياسية لأننا نريدها فوق الأحزاب والطوائف».

إنّ المطلوب من الجيش بحسب قانصو «مواجهة خطرين يتهدّدان لبنان: الخطر الاسرائيلي والخطر الإرهابي الذي هو الوجه الآخر للعدو الاسرائيلي والذي لا يقلّ خطراً عنه «.

يؤكد قانصو الثقة بهذه المؤسسة الجامعة في التصدي لهذين الخطرين، لا سيما انّ التجربة أثبتت انها حققت نجاحات كبيرة في مواجهة الخطر الارهابي من خلال ضرب العشرات من الشبكات الارهابية ومن خلال المعارك التي خاضها الجيش في الميدان في وجه هذا الارهاب.

إنّ الجيش وفق قانصو كان ظهر المقاومة في مواجهة العدو الاسرائيلي، قبل التحرير وبعده وفي عدوان تموز2006. وقدم عشرات الشهداء ايضاً في مواجهة العدو الاسرائيلي. لذلك نرى أن هذه المؤسسة هي الضامن لحصانة لبنان ولقوته في الدفاع عن سيادته وعن امنه واستقراره.

وعلى رغم من كل تضحيات الجيش، الا انه لم يلق للأسف الشديد بحسب ما يؤكد رئيس المكتب السياسي المركزي في القومي من الحكومات المتعاقبة الدعم الذي يحتاجه ليكون أقدر على الدفاع عن لبنان، اذ لم تخصص للجيش على مدى سنوات الموازنات التي يحتاجها لتأمين السلاح، ولزيادة عديده. من هنا دعوة الحزب القومي الدائمة الى اعادة النظر بهذه السياسة المعتمدة وتأمين احتياجات الجيش في هذه المعركة المفتوحة التي يخوضها مع الارهاب.

ويسأل قانصو عن هبة الـ3 مليارات دولار التي لم يصل منها حتى الآن أي سلاح نوعي يحتاجه في هذه المعركة، ما يطرح اسئلة وعلامات استفهام كثيرة حول هذه الصفقة. ويشدّد على تنويع مصادر تسليح الجيش، فالمصادر التقليدية الفرنسية والأميركية على وجه التحديد لا تأخذ بعين الاعتبار ايّ تسليح للجيش الا المصلحة الاسرائيلية، فكل سلاح ترى فيه هذه الدولة انه يمكن ان يشكل خطراً على اسرائيل لا تبيعه للجيش»، داعياً الى ضرورة البحث عن مصادر تسليح جديدة لا تضع قيوداً او شروطاً على تسليحه، فلماذا مثلاً لا نشتري سلاحاً من روسيا وهذا امر متاح؟ ولماذا ترفض الحكومة اللبنانية الهبة الايرانية لتسليح الجيش؟ ولماذا لا تشتري من الصين سلاحاً للجيش ومن سورية؟

ذرائع رفض الهبة الايرانية سقطت

ويسجل الأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان في حديث لـ«البناء» للجيش في هذه المرحلة أنه بقي صامداً وحافظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي ودافع عن الحدود، على رغم كل الخلافات السياسية وعلى رغم كل محاولات ضرب الجيش.

لم يدخل الجيش بحسب بقرادونيان اللعبة السياسية، لكن السياسة دخلت اليه عن طريق بعض المكونات السياسية، وعلى رغم ذلك بقي السدّ المنيع أمام هذه التدخلات وارتقى في مسؤوليته المقدّسة، ألا وهي لبنان الوطن ولبنان المواطن. يدعو بقرادونيان الى تنويع مصادر تسليح الجيش لأنّ الأهمّ هو الجيش القوي وليس مصدر السلاح، فكلّ من يدعم الجيش من دون شروط مسبقة هو مرحب به وعلينا التنويع في المصادر لكي لا نقع في أفخاخ نحن بغنى عنها. أما اليوم فعندما تسابق القوى الغربية وممثليها لزيارة ايران والاجتماع بالقيادات الايرانية أعتقد أنّ كلّ الذرائع سقطت أمام من كان يتذاكى برفض الهبة الايرانية.

وفي ظلّ الحديث عن امكانية ايجاد مرشح من داخل الجيش لتولي منصب رئاسة الجمهورية يقول الامين العام لحزب الطاشناق، انه من ضمن اللعبة السياسية، لكن هذه اللعبة يجب ان تنتهي وان لا ندخل الجيش في متاهات الانتخابات وتولي مناصب سياسية.

على قائد الجيش الالتزام بالدستور

ويشاطر وزير الثقافة ريمون عريجي في حديث لـ«البناء» النائب بقرادونيان رفض إدخال الجيش في لعبة الانتخابات الرئاسية، ويؤكد «أنّ المفروض من قائد الجيش اياً كان ان يلتزم بالدستور الذي وضع ضوابط زمنية في حال رغب قائد الجيش بالترشح لرئاسة الجمهورية، والتي تقوم على ضرورة الاستقالة من منصبه قبل ستة اشهر». ويلفت الى انّ هناك من يحاول إدخال السياسة في الجيش، لكننا على ثقة انّ هذه المؤسسة ستبقى فوق التدخلات السياسية، وسيبقى الجيش المرجع الوطني الأكبر ونحن حريصون عليه. ويشدّد وزير المرده على انّ الجيش بحاجة الى امكانيات من زيادة نوعية العديد والعتاد والتدريب، مرحباً بكلّ الهبات التي تقدّمها الدول الشقيقة والصديقة والتي يجب ان تتناسب مع العتاد الذي يملكه الجيش، لافتاً إلى «أن الجيش يدافع عن الحدود والوطن، ويقدّم التضحيات هذا فضلاً عن انه يقوم بمهام غير مطلوبة منه في الداخل».

الكتائب ينتظر من إيران سلاحاً نووياً لا تقليدياً

وينظر حزب الكتائب الى الجيش كمؤسسة دولة لا مؤسسة نظام، فهو يعمل في اطار النظام الديمقراطي. ويدعو وزيره سجعان قزي عبر «البناء» السياسيين لأن يرفعوا يدهم عن الجيش وان يبتعد الجيش عن السياسة. ما يطلبه قزي من الجيش أن يكون جيشاً قادراً على حماية الوطن والمواطنين بدءاً من الحدود وصولاً الى البؤر الامنية والارهابية في الداخل»، ويلفت إلى»أن الجيش اثبت قدرته على هذا الامر ان في مواجهة الارهاب او في مشاركة القوات الدولية في صون الحدود ضد «اسرائيل» ،

إن تطوير الجيش بحسب وزير العمل يبدأ بأن يكون صاحب السلطة العسكرية الوحيدة على الاراضي اللبنانية فهناك شراكة في السياسة والاقتصاد والسياحة والتجارة لكن لا شراكة في العسكر والسلاح، فالميثاق الوطني اللبناني يقوم على التعايش بين المسلمين والمسيحيين لا على التعايش بين الدولة والدويلات، وتطوير الجيش يكون بإعادة تقويم مفهوم الاستراتيجية الدفاعية التي وضعت بعد الطائف في ظروف اقلّ ما نقول فيها انّ القرار اللبناني كان غائباً، وتطوير الجيش بإعادة هندسة هيكليته العسكرية بحيث تكون هيكلية متحركة، على أن يزوّد الجيش بأحدث انواع السلاح الملائم لحاجات الجيش الموضوعية اي حماية الوطن في اطار التزام لبنان بمفهوم الوحدة الداخلية والحياد الخارجي شرط ان لا تكون الوحدة ذوباناً والحياد استضعافاً.

ويبقى تنويع مصادر تسليح الجيش خياراً مفيداً بحسب قزي، اذ لا يصحّ ان تكون الجيوش خاضعة لمصدر تمويل واحد، ولكن تنوّع أنظمة التسلح يتطلب إنفاقاً مالياً كبيراً لا يستطيع الجيش تحمله خاصة في دولة بلغت مديونيتها 70 مليار دولار. ولا توجد هبات مجانية، فقد تكون الهبات مجانية مالياً، لكن لا يكون بعضها مجانياً سياسياً، لذلك يفترض من الجيش أن يركز تسليحه من مصدر أو مصدرين اي من دولتين صديقتين للبنان وتتميّز بجودة انتاجها العسكري. وفي هذا الاطار يرحب وزير الكتائب بالهبتين السعوديتين ولكنه يتساءل اين اصبحتا؟ ويقول عن الهبة الايرانية «ننتظر من ايران الحصول على السلاح النووي وليس على السلاح التقليدي».

لا أمن من دون سياسة

موقف الصيفي من الهبة الايرانية، يقابله موقف لتيار المستقبل الذي يعتبر وزيره اشرف ريفي في حديث لـ«البناء» ان قرار قبول الهبة الايرانية بعد رفع العقوبات عن الجمهورية الاسلامية يعود الى الحكومة اللبنانية، ويشير إلى «أنّ الرفض الرسمي لهذه الهبة في السابق يعود الى العقوبات الغربية على ايران».

ويشدّد ريفي على «أن لا فصل في لبنان بين اللعبة السياسية واللعبة العسكرية، ولا يمكن ان نرى أمناً من دون سياسة وسياسة من دون أمن، فالامور متداخلة»، داعياً الى «رفع معنويات الجيش، وعدم إدخاله في تفاصيل صغيرة، على رغم بعض المطالب المحقة كعدم قانونية استمرار القيادة»، مشيراً الى «أن قانون الدفاع واضح ويؤكد على إمكانية استدعاء الاحتياط وتأجيل التسريح في الظروف الاستثنائية، ونحن اليوم نعيش ظروفاً استثنائية». ويشدد الوزير ريفي على «أن اداء الجيش اكثر من ممتاز، فهو يقوم بالدفاع عن حدود الوطن ويساهم الى جانب القوى الامنية في الحفاظ على الأمن الداخلي».

السياسة تجعل من الجيش جيشاً في طور التدمير

ويطلب وزير الشباب والرياضة عبد المطلب حناوي من إيران أن تقدم للبنان صواريخ مضادة للدبابات مثل «كورنيت» أو صواريخ بعيدة المدى، وان تكون الهبات من دون اية شروط. ويدعو في حديث لـ«البناء» إلى ضرورة استغلال هبة الـ3 مليارات دولار وهبة المليار من اجل تطوير الجيش بما يتناسب مع هاتين الهبتين. ويلفت الى وجوب ان يكون مصدر تمويل الجيش موحداً، لان التنوع في الاسلحة يتطلب أن يكون هناك وحدات مختصة بهذه الاسلحة.

ويرى حناوي «أنّ الضغوط السياسية على الجيش في غير محلها، فالجيش يجب ان يقوم بعمله من دون ان يتدخل به احد من السياسيين، فالتدخل يؤثر على قدراته القتالية ويزعزع معنوياته. ودعا الى تحييد الجيش عن السياسيين، فعندما تدخل السياسة الى الجيش يصبح جيشاً في طور التدمير. ويدعو عضو اللقاء التشاوري الجيش لأن يبقى متماسكاً وموحداً، وان تبقى خياراته حكيمة وينفذ مهماته بكل جرأة وصمود في مواجهة خطر الإرهابين التكفيري والإسرائيلي».

وفي سياق متصل يشدد حناوي على «أن من حق قائد الجيش ان تكون لديه رغبة في الوصول الى رئاسة الجمهورية ككلّ ماروني، وقائد الجيش لديه افضلية الوصول الى رئاسة الجمهورية كونه توافقياً».

الجيش بقي متعالياً عن مستنقع الانقسامات

وعلى رغم من كلّ التعقيدات السياسية المختلفة، الا انّ الجيش كمؤسسة كما يقول عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض لـ«البناء» ظلّ متعالياً عن مستنقع الانقسامات الداخلية. وطالما تعرّض الجيش الى محاولات من بعض القوى السياسية سعت الى زجّه في لعبة الانقسامات الداخلية الا انه تمكن دائماً من أن ينأى بنفسه ويتعالى بدوره، وهذه إحدى مؤشرات نجاحه كمؤسسة. لقد ترجم الجيش وفق فياض بصورة وطنية تدعو الى الإعجاب عقيدة العداء للعدو الاسرائيلي، وترجم بأمانة الوجهة التوحيدية في مواجهة التحديات الامنية، وترجم من دون هوادة السيادة والدفاع عن الوطن».

لقد شكل الجيش بحسب فياض منذ اتفاق الطائف حتى اليوم ركيزة الأمن الداخلي في مواجهة كلّ التحديات التي عصفت في البلد، وشكل إلى جانب المقاومة ركناً اساسياً في مواجهة الأخطار الخارجية وفي مواجهة العدو الاسرائيلي والارهابيين، ومثّل على الدوام المؤسسة الجامعة التي تعالت على الانقسامات الطائفية والانقسامات الداخلية التي التقى حولها اللبنانيون في مرحلة تحلل مؤسسات الدولة وعجزها عن القيام بدورها.

لا يزال الجيش بحسب فياض يشكل المؤسسة الفاعلة التي تعكس حضور الدولة وحضورها داخل الكيان اللبناني وفي أوساط المجتمع، من هنا تأتي أهمية تنوع مصادر تسليح الجيش على قاعدة عدم ارتهانه لأي شروط خارجية. ويشير النائب عن حزب الله إلى «أن إحدى وظائف المقاومة مؤازرة الجيش في الدفاع عن الوطن، داعياً اللبنانيين جميعاً ان يتعاونوا لتقوية الجيش وتعزيز قدراته وتوفير الغطاء السياسي اللازم للقيام بدوره الوطني من دون اي تعقيدات. ويشدد فياض على «أن تيار المستقبل وحلفاءه يتحمّلون مسؤولية توريط الجيش في اللعبة السياسية فهم غلّبوا الحسابات الفئوية السياسية على مصلحة الجيش وتعزيز قدرته ودوره». ويلفت الى «أنه في غضون أشهر، وبعد أن تبدأ مفاعيل الاتفاق النووي بالسريان، سيكون هؤلاء مكشوفين في حقيقة موقفهم، وفي مأزق عدم قبول الهبة الايرانية، لأنّ الموانع التي كان يستند اليها فريق 14 آذار والذرائع التي كان يردّها الى العقوبات الدولية على ايران تكون قد زالت».

الجيش محاصر وبإحكام من الدولة والخارج

ويبقى أن المأزق الذي يمرّ به الجيش يتمثل بحسب ما يؤكد العميد المتقاعد أمين حطيط لـ«البناء» بـ«الضغوط التي يتعرض لها والتي هي متعددة العناوين والمصادر ، ما يجعل وضع الجيش دائماً عنواناً رئيسياً للمنافسة والتجاذب السياسي، فمن جهة هناك ضغط المهمات والاخطار التي تتهدّدنا والتي انشئ الجيش أصلاً من أجل مواجهتها والتي كانت خطرين واصبحت ثلاثة». ويلفت حطيط الى «أنّ الخطر الاول يتعلق بوحدة لبنان واستقرار نظامه السياسي، والخطر الثاني يتمثل بإسرائيل، والخطر الثالث وهو خطر مستجدّ يتمثل بالخطر التكفيري الذي يكاد أن ينفتح على الخطرين معاً ويفعّلهما ويندمج فيهما».

إن هذه الاخطار كما يشدد العميد المتقاعد تضع الجيش امام تحدّ كبير وتتطلب مواجهتها قراراً سياسياً حازماً وقدرات تسليحية فاعلة وانفتاحاً وطنياً على عقيدة ثابتة، الأمر الذي يشكو منه الجيش في كل هذه العناوين.

يسجل حطيط بالنسبة إلى القرار السياسي انقساماً وتقلباً في مواقف المكونات السياسية مداً وجزراً، ويرى انّ الجيش محاصر وبإحكام من الدولة والخارج في ما يتعلق بتسليحه، فلا تخصّص له أموال من الموازنة العامة، ولا يسمح له بالحصول على هبات جدية معروضة من ايران وروسيا على سبيل المثال، وتبقى الوعود بالهبات الخليجية السعودية كلاماً من غير ثمر. نجح الجيش بحسب حطيط على يد الرئيس العماد اميل لحود في الانتظام وفق عقيدة وطنية راسخة، لكن هناك ضغوطاً تمارس عليه لتغيير هذه العقيدة بشكل مستمر».

وعليه، فإنّ شعاع النور الأساس في هذا الواقع يتمثل بحسب الخبير العسكري بأمرين: الاول يتعلق بالاحتراف المهني والعسكري الذي وصل اليه الجيش وقناعة العسكريين بوجوب التماسك والوحدة، والثاني يتصل بقناعة الشعب بالحاجة الى الجيش من اجل الاستقرار الداخلي للدولة.

التنويع في مصادر التسليح يساعد الجيش على الاستقلالية

أما في نظر رئيس جمعية «سيدروس للانماء» وليد أبو سليمان «فإنّ المدخل دوماً لإقحام الجيش في اللعبة السياسية كان يتمّ من باب ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية، وهذا الأمر لا يمكن تفاديه طالما أنّ قائد الجيش ماروني وهذا طموح يكفله الدستور، وطالما أنّ العرف ساهم في تكريس المنطق القائل انّ كلّ قائد جيش هو مرشح قوي للرئاسة».

إنّ هذا الطموح لا يتعارض أبداً كما يقول ابو سليمان لـ«البناء» مع استقلالية المؤسسة وضرورة تحييدها عن الصراعات السياسية، لكي تكون بعيدة عن مرمى الاستهداف، حتى لو كان قائدها مطروحاً كمرشح للرئاسة، الا أنّ انحيازه الى فريق ضدّ آخر أو تورّطه في اللعبة السياسية قد يؤدّي الى إضعاف المؤسسة وتشويه صورتها كما صورته.

إنّ تنويع مصادر تسليح الجيش في رأي ابو سليمان له وجهه الإيجابي كما السلبي. إذ انّ الحفاظ على نوعية محدّدة من السلاح المتاح أمام المؤسسة العسكرية يسهل عمليات التدريب ويحافظ على نوع من الاستقرار في التسلح. الا أنّ الجانب السيّئ من هذا النمط قد يؤدّي الى تدخل الدول الداعمة، في أداء المؤسسة العسكرية لا سيما إذا كانت الأسلحة مجانية. أما التنويع فيساعد الجيش على الاستقلالية أكثر.

إنّ المؤسسة العسكرية وفق ابو سليمان هي الأكثر دراية بوضع الجيش وهي الأكثر اطلاعاً وقدرة على وضع الخطط اللازمة للتطوير. الا أنّ ما يجب التركيز عليه من جانب الطبقة السياسية هو الإصرار على تقديم الدعم المعنوي للمؤسسة والوقوف الى جانبها في هذه المرحلة الصعبة، وحمايتها من التدخل السياسي كما الحرص على عدم استثمار الجيش أو توريطه في المعارك السياسية الداخلية لأنّ من شأن ذلك أن يفقده هيبته ورمزيته كمؤسسة جامعة غير طائفية، مطالباً بزيادة الدعم العسكري اللوجستي للجيش كي يتمّم مهمته في مواجهة الارهاب القادم من خلف الحدود.

إنّ المهمات الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية، سواء لجهة مواجهة المجموعات التكفيرية الموجودة على الحدود، او ملاحقة الخلايا الإرهابية النائمة والمتحركة على الأراضي اللبنانية، هي بحسب ابو سليمان تحديات صعبة تكاد في بعض الحالات تتخطى قدرات الجيش وطاقته، وتحديداً في ما يتصل بالعتاد والأسلحة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى