فؤاد غازي… قاسيون الغناء السوري وسفير الصوت الجبلي إلى العالم

إيناس السفان

صادف يوم أمس، الذكرى الرابعة على رحيل الفنان فؤاد فقرو، الذي عرف بِاسمه الفنّي فؤاد غازي، والذي غنى طوال خمسين سنة من عمره الذي امتد لخمس وخمسين سنة، عاشها وزرع بستاناً من الورد لحبيبته وتغزّل بشعرها، مغنّياً «جدولاتك مجنونة»، وصبر كصبر أيوب على فراقها. وعلى رغم اعترافه بـ«تعب المشوار» الذي وصل إلى نهايته ليغادرنا صاحب أغنية «ما ودّعوني» إلى الأبد.

كان فؤاد غازي صاحب الصوت الجبلي سفيراً فوق العادة للغناء الجبلي السوري، عابراً فيه المسافات من خلال أداءٍ غنائيّ عالي المستوى استطاع كسر حاجز المكان والزمان، ليصل إلى متذوّقي هذا الفنّ في كل أنحاء العالم.

اعتمد فؤاد غازي في مطلع الثمانينات من القرن الماضي مطرباً في «إذاعة دمشق»، قدّم خلالها عدداً من الأغاني، متعاوناً مع كبار كتّاب الأغنية وملحّنيها ومنهم الموسيقار سهيل عرفة الذي تحدّث مطوّلاً عن تعامله مع الراحل، واصفاً صوت فؤاد غازي بالصوت المميّز الذي لم يستطع أحد تقليده. وعلى رغم انتمائه لمدرسة الكبير وديع الصافي، كان له صوته الخاص والمميّز.

وعن الأغاني التي لحّنها للفنان الراحل قال عرفة: قدّمت أكثر من عشرين لحناً لفؤاد غازي، أوّلها لحن أغنية «لا لا على فراقك لا لا»، ثمّ «لو بعرف أعزف على العود» و«يا أمّ النظرات الحلوين» و«صبر أيوب» وغيرها التي تعود في معظمها إلى سبعينات القرن الماضي.

وأهم ما يميّز الراحل فؤاد غازي بحسب عرفة، أنه كان يؤدي أغانيه بفطرة وإحساس عاليين ورائعين، والدليل على ذلك انه على رغم رحيله، لا يزال حاضراً بما قدّمه، لأنه غنّى بصدق فنّي. كما كان من نجوم المسرح الغنائيّ أيضاً، وأوصل الأغنية الجبلية السورية إلى العالم وقدّم عبر مسيرته الطويلة عدداً كبيراً من الأغاني المتنوّعة.

ويصف عرفة أداء فؤاد غازي الأغاني العاطفية بالمتميّز، لأن المتلقي يشعر أنّ الأغنية رسمت لصوت غازي لحناً وكلمات لا تليق بغيره. فهو قدّم أغاني الحبّ والرجاء للمرأة المحبوبة بطريقة خاصة. مضيفاً أنّ الأغنية تنجح بالكلمات واللحن، لكنّ لحضور المطرب دوراً ومستوى أدائه هو الذي يحدّد درجة نجاح الأغنية. وهذه المقوّمات التي امتلكها الراحل غازي جعلته ينجح في كلّ ما قدّم.

ويقول عرفة إن الفنانين فؤاد غازي وفهد بلان وعبد الرزاق محمد ومروان محفوظ انطلقوا للجمهور عبر أثير «إذاعة دمشق» التي لطالما استقطبت الأصوات المميّزة والتي حقّقت بصمة في الغناء سورياً وعربياً.

وختم عرفة حديثه قائلاً: رحل فؤاد غازي وبقيت أغانيه تحمل الأصالة، وترك بصمة في اللون الغنائي الجبلي داخل سورية وخارجها.

ووصف الفنان هادي بقدونس الفنان فؤاد غازي بالهرم الكبير في مجال الغناء الذي بنى الأغنية التراثية الجبلية. وهو من الأصوات التي نفتخر بها في العالم العربي، وصوته شامخ كشموخ جبل قاسيون.

وأضاف بقدونس: عملت مع الفنان الراحل لمدة 25 سنة، ولمست فيه الإنسان الأخلاقي صاحب الروح الجميلة والعظيمة، والمحبّ لأصدقائه. لم نسمع أنه اختلف مع أحدهم يوماً ما. وكان له حضور مميّز وخاص، وتعامل مع كبار الملحّنين السوريين مثل سهيل عرفة وعبد الفتاح سكر وزهير عيساوي. وطاف بأغانيه العالم معرّفاً بالأغنية الجبلية السورية التي أحبها المستمعون بصوت فؤاد غازي.

أما الفنّان محسن غازي فقال عن فؤاد غازي: كان من المطربين الاستثنائيين الذين قلّ نظيرهم في ساحة الغناء العربي. إذ بدأ مسيرته في الغناء منذ كان في الخامسة من عمره، ليصبح سفيراً وفيّاً وصادقاً للأغنية السورية، ومتحفظاً على الغناء بأيّ لون عربيّ آخر. كما كان يختار كلمات أغانيه وألحانها بعناية فائقة. وإحساسه الفطريّ نافس خرّيجي الأكاديميات والمعاهد الفنية. من أجل ذلك أحبّه الجمهور لصدق أدائه وعمقه.

وتابع محسن غازي حديثه عن الراحل قائلاً: إنّ الفنان المبدع هو الذي يبقى طويلاً في وجدان الناس. وفؤاد غازي كان من هؤلاء. فهو لا يزال محافظاً على ألقه وحضوره في وجدان الناس على رغم رحيله جسداً عن عالمنا. هناك من يخلّد نفسه بنفسه، والإبداع هو السبب في هذا الخلود. وفؤاد من الأشخاص الذين استطاعوا بفنّهم النقي والأصيل أن يخلد في وجدان الجمهور الذي يردّد أغانيه على رغم مرور عقود على ظهورها.

وأشار إلى أنه على رغم أنّ الفترة التي غنّى فيها فؤاد غازي شهدت منافسة قوية من كبار المطربين العرب، لكنه استطاع أن يسير بحالة من حالات التوازن والتفوّق على أقرانه من النجوم. حتى أطلق عليه الفنان الكبير وديع الصافي لقب ملك العتابا والموال والصوت الجبلي.

ويرى الفنان محسن غازي أن لا أحد استطاع أن يوازي أداء فؤاد غازي. لأن صوته مختلف، وهو موهبة نقيّة وصافية. واللون الجبلي الذي غنّاه كان فريداً من نوعه، لأن الأصوات النقية والصافية ظاهرة استثنائية لا تأتي دائماً.

يذكر أن الفنان فؤاد غازي من مواليد حماة عام 1955، توفي في الثاني من آب عام 2011، ومن أشهر أغنياته: «تعب المشوار» ـ كلمات حسين حمزة وألحان زهير عيساوي، و«صبر أيوب» ـ كلمات عبد الجليل وهبة وألحان سهيل عرفة، و«ما ودّعوني» ـ كلمات ضياء الربابي وألحان عبد الفتاح سكّر، وغيرها من الاغاني. كما شارك ببطولة فيلم سينمائي سوري بعنوان «حارة العناتر» مع الفنانين ناهد الحلبي وناجي جبر وسلوى سعيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى