في عيد تأسيس الجيش العربي السوري

د. تركي صقر

ليس الكلام عن بطولات الجيش العربي السوري وتضحياته الأسطورية في عيد تأسيسه من باب التفخيم والمبالغات اللفظية والإنشائية، وإنما هي وقائع على الأرض خطها بواسله بدمائهم ولا يستطيع أحد نكرانها بعد اليوم، حتى أولئك الأعداء الألداء لسورية الوطن والشعب والجيش والدولة الذين بنوا حساباتهم كلها على فرضية انهيار الجيش في غضون أشهر قليلة من بداية الأحداث، وبالتالي تنهار الدولة السورية ويكتمل مخطط الربيع العربي المزيف الذي صاغ مفرداته الصهيوني المخضرم برنارد ليفي ذبحاً وقتلاً وتدميراً وتمزيقاً.

لقد كشفت مخططات ما سمي الربيع العربي أن المستهدف تدميره وتحطيمه هو الجيوش العربية الوطنية كخطوة لا غنى عنها لنشر الفوضى الهدامة التي دعت إليها واشنطن، وبالتالي لا يمكن رسم الخرائط الجديدة لما يسمى الشرق الأوسط الجديد الذي تكون الدولة العبرية سيدته الأولى إلا عبر التخلص من هذه الجيوش، وكانت تجربة حل الجيش العراقي كأول قرار اتخذه بول برايمر الحاكم الأميركي بعد الغزو بداية هذا التفكير الجهنمي الذي نجمت عنه نتائج كارثية حولت العراق إلى دولة ممزقة في مهب الريح ولم ينج الجيش الجزائري من هذا المخطط، فما زال يغرق في مواجهات مع الإرهابيين منذ عقدين من الزمن وهم يبيتون له فتنة كبرى في المستقبل. أما الجيش الليبي فلم يبق معلم من معالمه الوطنية، وتحولت ليبيا إلى دويلات لكل منها ميليشياته المجهزة للتحارب الداخلي مع المليشيات الأخرى وغاب أي أمل بتكوين جيش وطني مركزي.

كان الاستهداف الأكبر من نصيب الجيشين المصري والسوري وجاء هذا الاستهداف على خلفية الانتقام اللئيم المبيت من العدو الإسرائيلي المحرك الخفي لعواصف الربيع العربي المزور، نظراً إلى دورهما التاريخي في ما يخص القضية الفلسطينية، ونظراً إلى ما قاما به معاً في حرب تشرين التحريرية عام 1973 ومؤامرة تحطيم الجيش المصري ما زالت مفتوحة وفصولها لم تنته بعد، ولم تكن على أية حال بالشراسة التي تعرض لها الجيش العربي السوري، نظراً إلى تكبيله باتفاقات كامب ديفيد حتى الآن، ما يؤكد أن الجيش العربي السوري غدا من أكثر الجيوش العربية المستهدفة والذي يجرى التركيز على تحطيمه لاعتبارات عديدة منها:

ثبات الجيش العربي السوري على مبادئه الوطنية والقومية وعدم حياده على رغم كل الأحداث عن أن العدو الأول والرئيس للأمة العربية هو الكيان الصهيوني، وأنه لا يمكن أن يتخلى عن عقيدته الوطنية والقومية في التحرير والتمسك بالقضية الفلسطينية ولا يمكن للإرهاب مهما اشتد أن يحرف بوصلته عن فلسطين.

شكلت القوات المسلحة السورية القاعدة الصلبة لدعم المقاومة الوطنية اللبنانية وشكل الجيش العربي السوري العمود الفقري لمحور المقاومة في المنطقة، وبات واضحاً لقوى المؤامرة الإرهابية أنه من دون كسر ضلع منظومة المقاومة الأقوى ألا وهو الجيش العربي السوري لن يكتب النجاح لها في أي مكان في المنطقة.

حطم الجيش العربي السوري ببسالة فائقة أعتى موجات الحرب الإرهابية الكونية المستمرة، وعلى صخرة هذا الجيش العظيم انكسرت المشاريع الكبرى المخطط لها في ما يسمى الربيع العربي وفي المقدمة مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهذا ما استثار حنق مشغلي الإرهاب العالمي أخيراً فضاعفوا من دعمهم وزجهم لموجات جديدة من العصابات الإرهابية مدعومة بإمكانات جيوش الجوار مثل الأردن وتركيا لشل قدرات الجيش السوري كلياً.

بات الجيش العربي السوري الأمل المرتجى الوحيد ليس لكل سوري بل لكل عربي ولكل من يقطن في المنطقة لتخليصه وإنقاذه من براثن التنظيمات الإرهابية وفظائعها الدموية وعلى المستويين الإقليمي والدولي تولد إجماع على قدرة رجال القوات المسلحة السورية على محاربة الإرهاب والقضاء عليه، فيما أخفقت قوى عظمى تقودها الولايات المتحدة الأميركية في تحقيق أية إنجازات تذكر في هذا السياق.

اكتسب الجيش العربي السوري مكانة رفيعة وسامية ببطولاته وتضحياته المنقطعة النظير واحتل قلوب كل السوريين وزاد حبهم والتفافهم حوله وبفضل ما بذله من دماء زكية وطاهرة تم قطع طريق تدمير الدولة السورية ومؤسساتها وواصل المواطن السوري دورة حياته متحدياً قذائف الموت وجرائم الإرهاب والإرهابيين التي لم يحصل مثيل لها في تاريخ الحروب والصراعات وهذه من أهم مصادر قوة الجيش في الانتصار على العدو «الإسرائيلي» مستقبلاً، والتي يحاول النيل منها بالحرب الإعلامية والنفسية وحرب الإشاعات وتضخيم انتصارات المجموعات المسلحة الإرهابية لإظهار ضعف الجيش في مواجهة المجموعات المسلحة وتحطيم معنويات الشعب الملتف حول جيشه وقواته المسلحة.

لقد غدا الجيش العربي السوري بحق في ذكرى تأسيسه السبعين وأكثر من أي وقت مضى روح الشعب وروح الوطن والأمة ومحل اعتزاز وفخر وافتخار المواطن السوري من أقصى البلاد إلى أقصاها حتى الذين ضللوا ووضعوا لهم غشاوة على عيونهم عادوا اليوم ليعترفوا أن الملاذ الوحيد هو حضن الجيش وأن لا أمن ولا أمان إلا بوجوده ولا عجب بعد ذلك أن تعم محبة الجيش والتعلق به كل أرجاء الوطن وأن يغدو اسم الجيش كما كان سابقاً وأكثر مقترناً بكل معاني الشرف والبطولة والفداء والإخلاص وأن يحتل مكانة مقدسة في نظر السوريين.

والخلاصة أنهم راهنوا على انهيار الجيش ففشلوا وزاد تماسكاً وراهنوا على تفكيك اللحمة بين الجيش والشعب، فتبددت أحلامهم وضاعفت مفاعيل الأزمة التلاحم الوطني بين الجيش والمواطنين وراهنوا على أن سلاح الإرهاب والترهيب ونشر الفكر التكفيري الأسود لا يهزم فتم كسره في معظم المواجهات، والمقبل من المعارك يبشر بنصر مؤزر للجيش على رغم كل الدعم اللامحدود للعصابات المجرمة من أقوى الدول في العالم ومن أغنى الأنظمة في المنطقة أيضاً. ولا شك أن شعباً صمد صموداً أسطورياً نحو خمس سنوات وتلاحم مع جيشه تلاحماً فولاذياً وأن جيشاً صنع إعجازاً تاريخياً في وجه أخطر آفة تعرضت لها البشرية في العصر الحديث ودحر موجاتها القاتلة المستمرة ويواصل بهمة عالية حربه المقدسة ضد الإرهاب من دون توقف، لا يمكن أن يغلب. ويقين السوريين كل السوريين يزداد يوماً بعد يوم أن ساعة الهزيمة التامة لأعداء سورية مؤكدة وأن ساعة الانتصار آتية لا ريب فيها.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى