العسكريون المخطوفون بعد إعلان الحرب على الإرهاب: إلى تركيا در

روزانا رمّال

يؤكد ملف العسكريين المخطوفين اللبنانيين، حسب المصادر التي اجتمعت حول القضية والتجارب السابقة بمهمات تبادل ناجحة، على مسؤولية الدولة التركية عن مصير هؤلاء وخصوصاً أنها الدولة الوحيدة التي سَلِم رهائنها الديبلوماسيون في العراق وغيرها في مرحلة سابقة من الذبح، كما سَلِم مواطنوها من الخطف، بل إنّ تركيا لعبت دوراً كبيراً في تأمين ملاذ للتنظيمات الإرهابية المسلحة مثل «داعش» و«النصرة» وقياداتها داخل تركيا وفي تسهيل مرور عناصرها إلى سورية وتحفيزهم على التوغل فيها لحصد أكبر قدر ممكن من الخراب والخسائر في بناها التحتية ومرافقها الحيوية وسرقة ما يمكن أن يجعل تلك التنظيمات قادرة على الحياة من دون أن تكلف تركيا شيئاً، فأمنت باستخباراتها المعلومات والأرضية الكافية للإرهابيين لاستهداف آبار النفط والمصانع والمعامل والمصارف، وخصوصا في الشمال السوري وحلب تحديداً، ما يثبت أنّ العلاقة المصلحية بين المجموعات الإرهابية والنظام التركي عمرها من عمر الأزمة.

إنّ محاولات رفع صفة الإرهاب عن «جبهة النصرة» والعمل على زجها ضمن جدول التنظيمات المعتدلة وشرعنتها، بدأت من الكونغرس الأميركي وبعض السيناتورات، وخصوصاً أنّ هناك تقاطعاً هاماً بين مشروع هؤلاء الإرهابيين و«إسرائيل» التي استقبلت جرحى «الجبهة» تحديداً في مستشفياتها وعملت على تسليحهم وتوفير الدعم لهم، وخصوصاً في جبهة الجولان، كما كانت كلّ محاولات إنشاء شريط أمني هناك برعاية تل أبيب واهتمامها البالغ، كما أنّ الهدف التركي ـ «الإسرائيلي» كان استخدام «النصرة» لترث حكم الرئيس بشار الأسد بعد العمل على شرعنتها، وما يثير الدهشة أنّ في لبنان من أيد هذا الطرح معبراً عن قناعته باعتدال «النصرة» وهو النائب وليد جنلاط.

إنّ بناء إمارة متطرفة في الشمال السوري يشكل خطراً واضحاً على الأتراك، الا أنهم وعلى الرغم من تيقنهم من ذلك، لم يتخذوا قرار الحرب على الإرهاب أو على «داعش» بشكل صريح وواضح إلا بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، حتى أنّ الإرهابيين في إدلب وجسر الشغور لاقوا حتى آخر لحظة دعماً غير مسبوق من الأتراك، في محاولة لقلب المشهد.

بعد التوقيع على الاتفاق الإيراني النووي مع الغرب وتحرك الأميركيين السريع لفضّ بعض النزاعات بالتواصل بشكل كثيف مع روسيا، استشرفت تركيا أنّ الولايات المتحدة تعتزم طرح حلّ جدي للملف السوري فوراً بعد حلّ الملف النووي الإيراني، وأنّ عليها الانخراط ضمن هذه المعادلة، طالما أنها أخذت الملف منذ بداية الأزمة السورية على عاتقها أمام الأميركيين، ومعها قطر كمساند عربي و«مموّل» يوفر أيضاً التغطية التي تحتاجها تركيا لخلق رأي عام عربي مستعد ومقتنع بضرورة الحشد لإسقاط الرئيس الأسد إعلامياً وعسكرياً.

كانت تركيا أول معلني الحرب على «داعش» في الإقليم، بعد توقيع الاتفاق النووي، أما خليجياً فإنّ أكثر التصريحات المقبولة والمنطقية، إلى حدّ ما، كانت من قطر على لسان وزير خارجيتها الذي اعترف في حضور نظيره الأميركي جون كيري، أنّ الاتفاق مع إيران كان أنسب الحلول.

انطلقت صفارة بداية النهاية، نهاية الحرب على سورية، فلملمت الملفات أساسية وجوجلتها أيضاً. أما في لبنان فهناك ملف خطير عالق أخذ جولات عديدة من الأخذ والردّ، وهو يتعلق بمصير العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و«النصرة» والذين لم يُعرف مصيرهم حتى اليوم، بعدما أعلنت تركيا خوضها الحرب ضدّ الإرهاب وبدأت التضييق عليهم تنفيذاً للأجندة الأميركية في شقّ يخدم الحساب الأميركي الخارجي، بغضّ النظر عن أزمة الأتراك مع الأكراد والاستغلال المفترض انتخابياً. وعليه ذكرت معلومات أنّ «جبهة «النصرة» ذراع تنظيم «القاعدة» في سورية، اختطفت خمسة مقاتلين جدد على الأقلّ، كانوا قد تلقوا تدريبات في إطار التدريب الأميركي للمعارضة في شمال غرب سورية، ما يؤكد أنّ المعركة مع أخطر تنظيمين بدأت من الدول الكبرى. فهل تخرج الورقة التركية الضامنة لملف التبادل بالنسبة إلى لبنان من بين الخيوط التي تستطيع أجهزة الأمن اللبنانية ربطها مع أجهزة الأمن التركية وتحديداً قادة الاستخبارات التي أكدت مصادر لـ«البناء» أنها على علاقة مباشرة بالملف من يد لبنان، أم أنّ السلطات اللبنانية ستنتظر الحلول القادمة مع الملف السوري لتسترجع عسكرييها المخطوفين اليوم، والذين لم يتم حلّ قضيتهم رغم مرور عام على خطفهم؟

هذه الاحتمالات والمتغيرات تجعل من هذا الملف أحد أبرز الملفات القادرة على الابتزاز والضغط على الحكومة اللبنانية من قبل تلك المجموعات إذا ما استشعرت بالضيق أكثر. فهل تتقي الحكومة اللبنانية شر أي تدهور أمني قد تسعى إليه تلك الجماعات للفت الانتباه وتمرير رسائلهم لوكلائهم في لبنان؟

إنّ ملف العسكريين اللبنانيين بعد مرور سنة على اختطافهم، هو أحد الملفات العالقة التي أثبتت الحكومة اللبنانية عجزها فيه حتى الساعة، مع علمها المسبق أنّ توجهها نحو تركيا لمعرفة المصير والسعي الحثيث إلى ذلك هو منطق لأحد الحلول الأنجح بعدما أثبتت تركيا دون غيرها قدرتها على حماية ديبلوماسييها ومواطنيها يوماً ما بقدرة قادر، في وقت كان مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم قد أعلن أنّ المفاوضات انتهت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى