الاتفاق النووي مع إيران… والغضب «الإسرائيلي»

ترجمة وإعداد: ليلى زيدان عبد الخالق

يكاد الغضب الصهيوني من إبرام الاتفاق بين إيران والدول الستّ الكبرى حول نووي طهران لا يهدأ، لا بل إنه يزداد يوماً بعد يوم، ويترافق معه تحريض الكونغرس الأميركي ضدّ الرئيس باراك أوباما، أملاً في عدم تصويت النوّاب ـ أو على الأقل غالبيتهم ـ لمصلحة الاتفاق. وخير دليل على ذلك، ما كتبه الصهيوني بوعز بسموت في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية أواخر تموز الماضي، ومما قاله: وزير الخارجية الأميركي جون كيري، من قادة الاتفاق النووي مع إيران، لم يتردّد في نهاية الاسبوع في توجيه إصبع التهديد لـ«إسرائيل»: «إذا فشل الاتفاق في الكونغرس فسيتهمونها». سيّد كيري، هذا استخفاف بتقدير المنتخبين الأميركيين، ألا توجد خلافات في الرأي بين المنتخبين والادارة؟ هل أميركا هي ديمقراطية أو ديمقراطية؟

اخترنا هذا الأسبوع ثلاثة تقارير، نسلّط من خلالها الأضواء أكثر على هذا الغضب الصهيوني. ففي التقرير الأول يطالعنا الكاتب هشام منوّر بتقرير كتبه بالإنكليزية لـ« Academia.edu»، وفيه يحلّل الغضب الصهيوني من الاتفاق حول النووي الإيراني، متناولاً شخصيات صهيونية عدّة، من رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، إلى وزير الحرب موشيه يعالون، إلى نائب وزير الخارجية تسيبي هوتوفلي، إلى وزير العلوم والتكنولوجيا داني دانون، و زعيم «المعارضة الإسرائيلية» يتسحاق هرتزوغ. ويقول منوّر: فشل نتنياهو لكنه لم يستسلم بعد، وبينما يبدو أن رئيس الوزراء «الإسرئيلي» الوحيد الذي يسعى إلى الضغط باتجاه فشل اتفاق فيينا في المنطقة، الا أن له شركاء في واشنطن وتحديداً داخل الكونغرس الأميركي، وبحسب ما تشير التقارير «الإسرائيلية»، فإنه أنهى التحضير لحملة دبلوماسية وُصفت بأنها «غير مسبوقة»، سيسعى من خلالها إلى إقناع المشرّعين الأميركيين ـ سواء من الكونغرس او من مجلس النواب، محافظين وديمقراطيين بالوقوف في وجه الاتفاق، الذي سيحتاج في الكونغرس إلى تصويت غالبية الثلثين من أعضائه لتفكيكه، وأيّ نتيجة أقلّ من ذلك، ستعني أن الرئيس باراك أوباما سينتصر ـ جنباً إلى جنب مع إيران في الكونغرس.

التقرير الثاني، من موقع « Mondoweiss» الإخباري، ويشير إلى أنّ الرئيسة السابقة لمجلس النواب في الكونغرس الأميركي وزعيمة الأقلية، نانسي بيلوسي واثقةٌ» جداً من أن البيت الأبيض سيكون قادراً على نقض مشروع قانون محتمل ـ بدعم من الجمهوريين ـ لقتل الصفقة الإيرانية. كما يتحدّث عن الشرخ الآخذ في الاتساع في صفوف الجالية اليهودية في أميركا.

أما التقرير الثالث، فهو نصّ المقال الكامل للكاتب الصهيونيّ بوعز بسموت، الذي أشرنا إليه في المقدّمة.

استنفارٌ صهيونيّ

كتب هشام منوّر:

منذ الإعلان الرسمي عن الصفقة النووية بين إيران ومجموعة دول «5+1»، حول البرنامج النووي في فيينا، وبعد سباق ماراثوني طويل من المفاوضات الشاقة، أدّى إلى بروز عدد من الانتقادات، خصوصاً من جانب «إسرائيل» التي سارعت إلى اعتبار هذا القرار «خطأً تاريخياً».

فقد أتاح إعلان هذا الاتفاق الإيراني مع القوى العظمى، الفرصة لإظهار حجم الشعور المأسوي لدى «إسرائيل» وعجزها عن مواكبة العالم بسبب مخاوفها المرضية. وقد تنافس المسؤولون «الإسرائيليون» في تضخيم ما حدث أمام الرأي العام في بلادهم، وعمدوا إلى تصوير الكارثة على أنها ارتكاب لخطيئة عالمية، سمحت لإيران بالاقتراب من الحافة النووية.

ومع ذلك، لم تخلُ ردود الفعل في «إسرائيل» من الشماتة في فشل رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، الذي كرّس الصراع ضدّ الدين العالمي الجديد لإيران. وكان نتنياهو قد انتقد بشدّة هذا الاتفاق النووي، معلناً أنه يضمن من جانب طهران امتلاك أسلحة نووية. لكن يبدو أن رئيس هذه الحكومة التي طوّرت برنامجها النووي عن طريق الكذب والخداع والدهاء، لتصبح واحدة من الدول الأربع الأولى التي تملك العدد الأكبر من القنابل النووية، لا تثق بالغرب ولا بقدرته على امتلاك الوسائل التي قد تمنع إيران من أن تكون واحدة من الدول النووية الكبرى.

وكان نتنياهو قد أعلن حينذاك: «نحن على استعداد لإبرام أي اتفاق بأي ثمن، وستكون هذه هي النتيجة». وقال نتنياهو خلال اجتماعه بوزير الخارجية الهولندي بيرت كونداريز: «إن التقارير الأولية التي نتلقاها من الآن فصاعداً، ربما تعطينا معلومات كثيرة حول هذا الخطأ التاريخي المتمثل بالاتفاق العالمي».

ومن الواضح أن هذه هي كلمات المرور في حملة نتنياهو الاحتجاجية على الاتفاق النووي الذي سيتمّ إطلاقه وتسويقه وخصوصاً للرأي العام وللكونغرس الأميركيين. وقال نتنياهو أنه في كلّ المناطق التي من المفترض أن تمنع قدرة إيران على امتلاك أسلحة نووية: «هناك تقديم مفرط للتنازلات» مضيفاً أن إيران ستكسب مئات المليارات من الدولارات التي من الممكن أن تغذي آلية الإرهاب، وتوسّع من رقعة العداء في الشرق الأوسط والعالم بأسره.

من المستحيل منع توقيع الصفقة في وقت يسعى المفاوضون إلى تقديم المزيد من التنازلات لأولئك الذين هلّلوا خلال المحادثات «الموت لأميركا».

يحاول نتنياهو جاهداً توظيف هذه الاتفاقية حتى على المستوى الداخلي، فيما تصرّ المعارضة ومعها باقي تلاميذ القياديين في التيارات السياسية في «إسرائيل»، على الاتحاد خلف راية المعارضة التامة ومواجهتها، واعتبارها الأكثر مصيرية لمستقبل العلاقات السرّية والأمنية الأميركية «الإسرائيلية». ليعلنوا في النهاية أن هذا الاتفاق لا يلزم «إسرائيل» في خصوص إيران. وكأن العالم بأٍسره بانتظار الموافقة على أيّ اتفاقية مرتبطة بإيران أو بأيّ ملف ساخن آخر.

وكان وزير الدفاع «الإسرائيلي» موشيه يعالون أول من سارع إلى رفض هذه الصفقة النووية، معلناً أن إيران قد حققت نصراً من الأكاذيب والخداع إلى جانب أولئك الذين قدموا تنازلات في المفاوضات وخرجت منها ويدها هي الأعلى. ويضيف: «يمنح العالم الحرّ اليوم الشرعية للإرهاب، بدلاً من محاربته بكافة الوسائل المتاحة. إن هذه الاتفاقية هي مأساة لكلّ أولئك الذين يريدون الحفاظ على السلام العالمي ولكلّ من يخشى تحوّل إيران إلى دولة نووية».

ويؤكد يعالون أن هذه الاتفاقية تؤكد على عمق التنازلات المقدمة إلى إيران، ومدى قدرتها على الانسحاب من كافة الخطوط الحمراء التي كانت قد رُسمت لها، «لقد خسرنا فرصة تاريخية وجدّية لا مثيل لها، سيبقى صداها يتردّد لسنوات طويلة. هل العالم اليوم هو مكان أكثر أمناً؟ من المؤكد لا. إن دولة إسرائيل ستبقى تلعب دور المسؤول المتوازن في الحفاظ على أمن مواطنيها. نحن مسؤولون عن منع إيران من تطوير أسلحة نووية، ونعرف تماماً كيفية الدفاع عن أنفسنا».

وتقول نائب وزير الخارجية تسيبي هوتوفلي أن اتفاق إيران النووي هو اتفاق خنوع تاريخي من جانب الغرب لمحور الشر برئاسة إيران. وبحسب كلامها، فإن عواقب الاتفاق في المستقبل المنظور ستكون خطيرة للغاية. «فإيران ستواصل توزيع عملائها الإرهابيين في كافة الاتجاهات، وستواصل إشعال الشرق الأوسط، والأخطر من كل ذلك أنها تتقدم بخطى عملاقة وثابتة نحو أن تغدو دولة نووية». وما لبثت هوتفولي أن أكدت أن «إسرائيل» ستعمل بكلّ الوسائل الدبلوماسية المتاحة منع المصادقة على الاتفاق.

كذلك اعتبر وزير العلوم والتكنولوجيا داني دانون، أن الاتفاق ليس سيئاً فقط لـ«إسرائيل»، إنما للعالم الغربي برمّته، ذلك العالم الذي تجنّد وفرض العقوبات ووصل إلى لحظة الحقيقة والسيطرة وما لبث في النهاية – أن تراجع.

واعترف دانون أن الاتفاق يبطئ مشروع إيران النووي لكنه في النهاية لا ينهي الخطر النووي الإيراني.

وكان زعيم «المعارضة الإسرائيلية» يتسحاق هرتزوغ، قد انتقد نتنياهو، وكتب على صفحته على «فايسبوك»، أن أحد أخطر الأمور في الوضع الراهن، أنّ الاتفاق الأشدّ تأثيراً على «وجود إسرائيل» في العقد الأخير، وُقّع من دون أن توضع «إسرائيل» في صميم حيثياته، ومن دون استشارتها ومن دون اطّلاعها. وُضعت مصالح «إسرائيل» جانباً لأسباب عدّة، من أهمها الشرخ الشخصي في العلاقات بين نتنياهو والرئيس الأميركي.

ويطالب هرتزوغ بالتصرف بحكمة واتزان وبرودة أعصاب، معلناً أن المعارضة ستتصرف بشكل مسؤول وجهيد لإقناع الأميركيين بحجم المخاطر التي يمثلها هذا الاتفاق على وجود «إسرائيل».

فشل نتنياهو لكنه لم يستسلم بعد، وبينما يبدو أن رئيس الوزراء «الإسرئيلي» الوحيد الذي يسعى إلى الضغط باتجاه فشل اتفاق فيينا في المنطقة، الا أن له شركاء في واشنطن وتحديداً داخل الكونغرس الأميركي، وبحسب ما تشير التقارير «الإسرائيلية»، فإنه أنهى التحضير لحملة دبلوماسية وُصفت بأنها «غير مسبوقة»، سيسعى من خلالها إلى إقناع المشرّعين الأميركيين ـ سواء من الكونغرس او من مجلس النواب، محافظين وديمقراطيين بالوقوف في وجه الاتفاق، الذي سيحتاج في الكونغرس إلى تصويت غالبية الثلثين من أعضائه لتفكيكه، وأيّ نتيجة أقلّ من ذلك، ستعني أن الرئيس باراك أوباما سينتصر ـ جنباً إلى جنب مع إيران في الكونغرس.

الجالية اليهودية في أميركا

الرئيسة السابقة لمجلس النواب في الكونغرس الأميركي وزعيمة الأقلية، نانسي بيلوسي واثقةٌ» جداً من أن البيت الأبيض سيكون قادراً على نقض مشروع قانون محتمل ـ بدعم من الجمهوريين ـ لقتل الصفقة الإيرانية.

وصرّحت بيلوسي بعيد مؤتمرها الصحافي الأسبوعي: «أكثر فأكثر، أكّد لي معظمهم أنهم سيحافظون على حق النقض الفيتو»، في إشارة منها إلى أعضاء التجمع الديمقراطي، «فهم لم يفعلوا هذا بعمًى إنما بدقة، إبان دراستهم الاتفاقية على مدى الأسابيع القليلة الماضية».

يستيقظ «الإسرائيليون» على واقع تخلي الغالبية العظمى من يهود الولايات المتحدة عنهم. إنه نوع معاكس تماماً لما حصل أثناء حرب 1967. وتقول صحيفة «هاآرتس» العبرية أن اللوبي الصهيوني يعيش أزمة حقيقية، وتنشر بحروف بارزة وعريضة:

«حذّر القنصل العام الإسرائيلي في فيلادلفيا، يارون سايدمان، القدس هذا الأسبوع من إمكانية انقسام المجتمع اليهودي الأميركي حول الاتفاق النووي مع إيران، وعدم وقوفه موحداً خلف إسرائيل في هذه الجدلية».

والمشكلة أن تأثير «إسرائيل» قد تلاشى على البيت الأبيض، وأن اليهود الأميركيين لا يريدون أن يبدوا كداعمين لـ«إسرائيل». وكان الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات اليهودية الاتحادية في فيلادلفيا قد أخبر سايدمان، أن وضع «إسرائيل» وجهاً لوجه في مواجهة إدارة أوباما لن يكون خطوة ذكية، ما قد يؤثر سلباً على المجتمع اليهودي.

ويستشهد هذا الزعيم اليهودي هنا بالقول: «في الأشهر القادمة والمتبقية لانتهاء ولاية أوباما، فإن الجاليات الإسرائيلية واليهودية التي تعزّز مصالح إسرائيل، سيصبح تأثيرها معدوماً للغاية»

وحتى أولئك الذين يعارضون تنفيذ الصفقة، يترددون في المضيّ قدماً، إذ سيُنظر إليهم على أنهم يقدّمون المصالح «الإسرائيلية» على تلك الأميركية.

وتبرز المخاوف بين المنظمات اليهودية الكبرى التي ستخوض المعترك السياسي المحلي في الولايات المتحدة في شأن الاتفاق النووي البارز في التصريحات التي نشرتها كل من رابطة مكافحة التشهير «ADL»، واللجنة اليهودية الأميركية «AJC». وكلا المنظمتين امتنعتا عن مهاجمة الاتفاق النووي بشدّة، كما رفضتا تصنيفه بالكارثي، وقامتا على البدل من ذلك بجعل الجمهور يعتقد أن الاعتراض يُسجل على بعض بنود الاتفاق، وأنهم يأملون أن يعيد الكونغرس مراجعته في العمق. كذلك، فإن حركة الإصلاح في الولايات المتحدة، أصدرت بيانات ملتوية، بقيت دون مستوى الحسم بالنسبة إلى هذا الاتفاق.

لم يواجه نورمان بودهوريتز مثل هذه المشكلة إطلاقاً. فهو قد أصبح من المحافظين الجدد، لأنه طلب موازنة كبيرة من الجيش الأميركي لدعم «إسرائيل». وهو يشجع حالياً الكتابة على الجدران والدعوة من «إسرائيل» لمهاجمة إيران. وكانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد كتبت عن بودهوريتز قوله: «ما زلت مقتنعاً أن الاحتواء أمرٌ مستحيل، ما يرتب علينا سلوك خيارين اثنين لا ثالث لهما، فبعيداً من الحرب مقابل الاحتواء، إما أن تكون حرباً تقليدية حالية أو حرباً نووية مستقبلية».

وتتابع: نظراً إلى ما هو مستبعد جداً من قبل الرئيس أوباما، وعلى رغم كل الخيارات والاحتجاجات الموضوعة على الطاولة، فإن الأمل الوحيد المتبقي لـ«إسرائيل»، يتمثل في إمكانية القيام بعمل عسكري. وإذا ما فشلت «إسرائيل» في ما بعد في القيام بذلك، فإن إيران ستتمكن من الحصول على القنبلة. وعندما تفعل ذلك، ستجبر «الإسرائيليين» إما على انتظار الهجوم النووي ثمّ الانتقام، أو استباق الأحداث بضربة نووية مفاجئة من قبلهم. وكذلك يُحتّم على الإيرانيين، مواجهة المعضلة عينها. وفي ظلّ مثل هذه الظروف التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ، فإن الضغط على زناد التفجير لن يتطلب من أحدهم انتظار الآخر كي يسدّد له لكمة قوية على وجهه.

وهذه هي مشورتي لأنصار التوافق الجديد في الرأي، ألا وهي النظر في شتى الأهوال التي لا توصف والتي قد تلقي بظلالها ليس فقط على «إسرائيل» وإيران، إنما أيضاً على المنطقة بكاملها وحتى أبعد من المنطقة، والتي قد تكون تبعاتها التدميرية أكثر من قدرة البشر على التخيل، فيما لو كانت ضربة «إسرائيلية» تقليدية، في وقت لا يزال هناك فيه فرصة لوضع تصوّر دائم أو آخر موقت، إلى السعي الأخير والحثيث نحو القنبلة.

وهنا، وفي نهاية المطاف، تكمن الوقاحة، فبعد قتل والديك، ثمّ طلب الرأفة بالحكم عليك لأنك يتيم، يتوجه بريت ستيفينز إلى جميع داعمي «إسرائيل»، بالقول إنه على واضعي القانون أن يقتلوا الاتفاقية الإيرانية لأنهم لو دعموها، فإنها ستطاردهم عبر التصويت لسلوك الطريق عينه الذي ساروا عليه من قبل في العراق.

وأؤمن أن مجموعة الإجراءات التفتيشية معيبة، فتخفيف العقوبات الفورية التي قدّمت لإيران من خلال الصفقة يشجع على تمويل الإرهاب ويقلّل من مصلحة إيران في كبح طموحاتها النووية على المدى البعيد كما أثني على الرئيس أوباما وعلى وزير خارجيته جون كيري أن يبذلا كافة الجهود المطلوبة لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، فالصفقة التي بين أيدينا، هي ببساطة، خطيرة جداً على الشعب الأميركي، ولديّ كامل الثقة، بأن صفقة أفضل من الممكن جداً تحقيقها.

الإصرار على التحريض ضدّ الاتفاق

وكتب بوعز بسموت في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية بتاريخ 27/7/2015:

وزير الخارجية الأميركي جون كيري، من قادة الاتفاق النووي مع إيران، لم يتردّد في نهاية الاسبوع في توجيه إصبع التهديد لـ«إسرائيل»: «إذا فشل الاتفاق في الكونغرس فسيتهمونها». سيّد كيري، هذا استخفاف بتقدير المنتخبين الأميركيين، ألا توجد خلافات في الرأي بين المنتخبين والادارة؟ هل أميركا هي ديمقراطية أو ديمقراطية؟

في المقابل بدأ محللون «إسرائيليون» يقولون لنا إن سلوك «إسرائيل» بعد التوقيع على الاتفاق في فيينا ـ بغضّ النظر اذا كان الاتفاق جيداً أو سيئاً ـ غير مسؤول وليس لا سمح الله توقيع الاتفاق المسؤول جداً مع الإيرانيين ، وسيؤدّي إلى تأثيرات دراماتيكية في العلاقات بين «إسرائيل» والولايات المتحدة. بكلمات أخرى، الآن عندما تم توقيع الاتفاق، يجب على الحكومة في القدس ألا تدافع عن مصالح «إسرائيل» على حساب إرث أوباما. وهم يحذّروننا ايضاً من حرب لا سابقة لها. ونُذكّر فقط أنه لو استمعنا دائماً لصديقنا في البيت الابيض لما كنّا أعلنّا عن الدولة في 1948 ولما قصفنا المفاعل العراقي في 1981 ولما كانت القدس عاصمة لنا. كنيدي أيضاً لم يكن ليُسمح لنا بفتح مصنع نسيج في الجنوب، ووزير الخارجية جيمس بايكر لم يكن ليعطينا رقم الهاتف كي نتصل به عندما نكون جاهزين وكأنه إلى حين الاتفاق النووي الإيراني لم نكن على خلاف أبداً.

ولم ننسَ أيضاً «جي ستريت» المنظمة التي تختص في فهم الاجواء في إسرائيل ، التي لم تفوت أي فرصة للتصعيب على القدس. وتقول لكل من يريد أن يسمع إن اشخاصاً رفيعي المستوى في جهاز الامن «الإسرائيلي» أقلية أعربوا عن موقف ايجابي من الاتفاق. يمكن الافتراض أن «جي ستريت» ستفعل كل شيء من اجل المصادقة على الاتفاق.

لكن هذا مسموح، وهو يلائم سياسة أوباما. والمأسوي في هذا الاتفاق، أنّ «إسرائيل» هي التي يتم تصويرها في الولايات المتحدة أنها «الولد السيئ» الذي يجب ضبطه. لكن لحظة: من قال إن أميركا تتحدث في الموضوع الإيراني بصوت واحد؟ أميركا هي الادارة، لكنها ايضاً هي الكونغرس والرأي العام. وهناك كثيرون ممن يقلقون من الاتفاق، ليس فقط من أجل «إسرائيل»، إنما من أجل أميركا والمبادئ المشتركة لدى الدولتين.

يجب على «إسرائيل» ألا تخجل من سلوكها ضد الاتفاق. فهذا واجبها الوطني. يصعب القول إن نتنياهو قد أخفى سياسته في ما يتعلق بالموضوع الإيراني في حملته الانتخابية، وقد انتُخب بفضلها.

الادّعاءات ضدّ «إسرائيل» تعيدنا إلى الليلة بين 29 30 ايلول 1938 حيث تم التوقيع على اتفاق ميونيخ الذي أجبر تشيكوسلوفاكيا على التنازل عن منطقة السودات. وقد انتهى ذلك في الحرب العالمية الثانية، لكن قبل ذلك تفكيك تشيكوسلوفاكيا. لنفرض أنه كانت هناك فرصة لحكومة براغ للاحتجاج ضد البرلمان البريطاني وإلغاء الاتفاق، فهل كانت ستجلس مكتوفة الأيدي؟ أم أن التشيك كانوا سيتبنون طريق كيري و«جي ستريت» والمحللين الذين يحتجون في شوارع براغ ويرسلون الورود إلى تشمبرلين؟

هناك شَبَه كبير بين ميونيخ وفيينا. حينذاك أيضاً رفضوا الاعتراف بشيطنة النازيين مثلما يتجاهلون الآن شيطنة الخامنئيين. في حينه أيضاً مثل اليوم، اختاروا المصالحة وأملوا حدوث الجيد. وفي حينه وعدت بريطانيا وفرنسا الحفاظ على الحدود الجديدة لأوروبا، تماماً كما تعهدت القوى العظمى في هذا الوقت بأمن السلاح النووي الإيراني. بعد ذلك، هناك من يُفاجَأ أن «إسرائيل» ترفض منح الادارة الخدّ الثاني؟ هذه فضيحة بالفعل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى