خطّة خمسية جديدة في الجيش «الإسرائيلي» على ضوء توصيات اللجان والموازنة العسكرية / كمال مساعد

يتطرق الباحث كمال مساعد لطبيعة النقاشات التي تدور حول نسبة الدعم المالي للجيش على حساب الصحة والتعليم، وذلك وفق خطة خمسية وضعها رئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» غادي ايزن كوت، إضافةً إلى ذلك فالكاتب يشير إلى الاستعدادات التي تنجزها «إسرائيل» لما يسمى بحرب لبنان الثالثة، كذلك الترتيبات التي تطبقها في بنية الجيش بما يتلاءم مع تطوّر القوة العسكرية المواجهة.

كمال مساعد

كما في كل عام، تشهد «إسرائيل» كباشاً بين من يطالب بتقليص موازنة الجيش لمصلحة الوازنة العامة، وبين الجيش الذي يطالب بزيادة موازنته لـ«رفع مستوى الجاهزية» إزاء تصاعد مستوى التهديدات واحتمال نشوب حرب. ويستخدم الطرفان المتنازعان وتوصيات صادرة عن لجان تشكلت على خلفية التجاذب لتحديد الموقف الواجب اتخاذه من موازنة الجيش. وعادة ما يتمحور الخلاف حول نقطة التوازن التي تسمح بجاهزية ملائمة لمستوى التحديات والتهديدات، مع الحفاظ على اقتصاد قوي. وهو أمر تفرضه حقيقة حاجة «إسرائيل» إلى جيش قوي ومتطور يتطلب إنفاقاً كبيراً، في مواجهة تصاعد قدرات الجهات المعادية لـ»إسرائيل». لكن هذه النفقات المتزايدة تكون على حساب الموازنات المدنية التي تعتبر من محركات النمو الاقتصادي، ما يفاقم حدة الصراع عندما لا تسمح نسبة النمو بتلبية حاجات كل القطاعات العسكرية والمدنية. ووفق تقديرات «بنك إسرائيل»، يُتوقع أن تتمحور نسبة نمو الناتج المحلي الخام، حول 3 ، فيما كانت نسبة النمو في السنة الماضية، 2,8 . وهو ما يعني أن إسرائيل لا تزال بعيدة عن نسبة النمو التي كانت عليها قبل الأزمة المالية العالمية عام 2008.

خطة الجنرال أيزنكوت الخمسية

وبعد توليه رئاسة هيئة الاركان الإسرائيلية أصدر الجنرال غادي أيزنكوت، قراراً بإعداد خطة خمسية جديدة بشأن الموازنة العسكرية، أطلق عليها اسم «جدعون»، تضع نصب أعينها الدواعي الأمنية للمواطنين وللجيش، والظروف الداخلية والإقليمية، يبدأ تنفيذها العام المقبل، على أن يتم الصرف حتى تاريخه شهرياً بحسب تحويلات من وزارة المال، بشكل يراعي استمرار التدريبات والمناورات بأي ثمن وعلى جميع المستويات على حدّ ما نشرته تقارير «إسرائيلية».

بعد تقديم رئيس الأركان، الجنرال ايزنكوت، خطة عمل الجيش، قدمت، «لجنة لوكر» توصياتها لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. ودرست اللجنة موازنة الجيش بعدما عيّنها رئيس الحكومة قبل نحو سنة استناداً إلى قرار المجلس الوزاري المصغر. وتضمن التقرير أكثر من 50 توصية، من بين أكثرها دراماتيكية من منظور الأجهزة الأمنية.

خطة قد تعترضها صعوبات، لأنها تضع على رأس أولوياتها مدى استعداد الجيش لحروب مستقبلية، وتركيزها على ضرورة مواصلة التدريبات والمناورات وليس تقليصها بدافع ضغط النفقات، حيث ترتسم معادلة واضحة مفادها تناقض بين تقليص الموازنات العسكرية وبين مدى جاهزية الجيش، حيث أن أي تخفيض في الموازنة يقابله إلغاء لمناورة أو تدريبات. ومعروف أن الأزمة المالية التي يعانيها الجيش «الإسرائيلي» تأتي برغم الزيادات الكبيرة التي تم توجيهها للموازنة العسكرية على حساب التعليم والصحة. وتجدر الإشارة إلى أن جانباً مهماً من أزمة الجيش المالية تعود إلى نفقات الحرب الأخيرة على قطاع غزة والأثمان الباهظة للذخائر المستخدمة.

وكشفت صحيفة «ذي ماركر» عن جنرال كبير في الجيش «الإسرائيلي» تأكيده أن الجيش قد يوقف التدريبات في حزيران وتموز الجاري، بسبب مشاكل في الموازنة كما سبق وفعل عام 2014. وأوضحت «الصحيفة» أن الموازنة المخصصة للنشاط العملياتي للقوات الاحتياطية تراجعت من 1.1 مليار شيكل حوالى 280 مليون دولار عام 2014 إلى 448-500 مليون شيكل حوالى 127 مليون دولار عام 2015. وإن واقع عدم إقرار موازنة عام 2015 واضطرار الجيش إلى مواصلة التصرف وفق موازنة عام 2014، وهي موازنة شهدت عجزاً كبيراً يمكن أن يؤثر على الخطط والبرامج العسكرية.

كذلك كشف موقع «واللا» الإخباري عن ضابط «إسرائيلي» إنه بسبب تقليص الموازنات المخصصة للجيش تم وضع خطة جديدة لإعادة هيكلة «تساحال» تتناسب وحجم التحديات التي ستواجهها تل أبيب في السنوات المقبلة، في ضوء الأحداث التي تشهدها الدول المحيطة نتيجة تطور احداث ما يسمى بالربيع العربي، مؤكداً أن رئيس الأركان غادي ايزنكوت بادر فور تسلمه منصبه إلى تشكيل لجان طوارئ ضمت في صفوفها كبار ضباط الجيش «الإسرائيلي» من الخدمة الفعلية والاحتياط أصحاب الكفاءات العالية، إلى جانب خبراء مختصين، هدفها إعادة النظر في هيكلية المؤسسة العسكرية ومفاهيمها في مجالات عدة أبرزها تفعيل الجيش وبنيته التنظيمية وحجم وحداته وقوام شعبه وقيادات الجبهات والأذرع، حيث أوصت باحتمال إغلاق سرب طائرات في سلاح الجو، وفوجين من سلاح المدفعية ولواء مدرع، حيث سيتم التعويض عن الكمية بنوعية الأسلحة والذخائر المتطورة التي سيتم إدخالها الخدمة، ومنها على سبيل المثال الدبابة «ميركافا6» التي ستدخل الخدمة مطلع 2016، وهي من أحدث الدبابات تجهيزاً وأكثرها قدرة على المناورة، فضلاً عن تقليص كبير في عديد وحدات الاحتياط، بعدما بينت الدروس المستقاة من الحروب التي قادها الجيش أخيراً، سواء في غزة أو مع لبنان، عدم كفاءة وجاهزية لدى هذه الوحدات قياساً إلى كلفة تدريبها العالية.

كما تكشف التقارير «الإسرائيلية» أنه في إطار إعادة النظر هذه، تم تشكيل لواء من القوات الخاصة، يضم كل الكتائب الخاصة البرية، مثل «سييرت متكال» و«إيغوز». كما أن رئيس الأركان الجنرال غادي آيزنكوت قرّر تقليص كادر الضباط من رتبة رائد وما فوق بنسبة معينة، وتقليص عديد الجنرالات العاملين بثلاثة، وإنشاء ذراع «السايبر» المعني بالحرب الإلكترونية، وإغلاق كتيبة «حيرف» التي كانت مخصصة للجنود الدروز.

توصيات اللجان وتقليص الموازنة

غير أن تقليص الموازنات لم يَحل دون إعادة العمل ببرنامج التدريب والمناورات، تضيف التقارير «الإسرائيلية»، خصوصاً للقوات التي يفترض أنها ستشارك في القتال في عمق أراضي العدو، وتحتاج لإسناد في تلقي أعتدة بعد قتال طويلة، وفي هذا الإطار وسع الجيش «الإسرائيلي» التدريبات على إنزال الإمدادات في عمق أراضي العدو، بعد تسع سنوات من آخر مرة جرى فيها استخدام هذا الأسلوب في حرب لبنان الثانية عام 2006، حيث وضع الخبراء المناورات الأخيرة في إطار الاستعدادات لاحتمال وقوع مواجهة أخرى في الشمال مع المقاومة في لبنان.

حمل وزير الدفاع «الإسرائيلي» موشي يعلون نظيره الأميركي أشتون كارتر، إلى الحدود اللبنانية، لاطلاعه على «الخطر» الذي تمثّله «المقاومة»، والذي يشكّل في نظره جزءاً من الخطر الإيراني المتصاعد. إلا أن الاستعدادات لحرب لبنان الثالثة في تزايد مستمر. وأن الخطط «العسكرية للمقاومة» لخوض الحرب المقبلة منها احتلال مواقع ومستوطنات في الجليل، وهي مخططات لم تتغير حتى بعد الاتفاق النووي مع إيران.

وكشفت صحيفة «يديعوت أحرنوت» أن هناك في أسرة الاستخبارات «الإسرائيلية» من يسمون المقاومة في لبنان بصيغتها الراهنة «حزب الله الجيل الثالث». وفي نظرهم فإن الجيل الأول هو جيل المؤسسين للمقاومة في عهد الاحتلال «الإسرائيلي «للجنوب اللبناني، فيما الجيل الثاني هو «حزب الله المقاومة، في حرب لبنان الثانية، والمختلف عن سابقيه. والجيل الثالث من حزب الله هو المتورط في المستنقع السوري، لكنه في الوقت نفسه من يحظى بخبرة قتالية هائلة وتعامل مع أسلحة متطورة سوف يستخدمهما في وقت لاحق ضد «إسرائيل»». ويرى أن السؤال حول موعد المواجهة المقبلة مع «إسرائيل» غير معلوم، ولكن هذه هي حال القوة العسكرية التي كانت «وكما يبدو، ستبقى العدو رقم واحد لـ»إسرائيل»». وأمام المخاوف ا»لإسرائيلية» وحتمية المواجهة المقبلة، هناك ما يستدعي تعزيز القدرات العسكرية خصوصاً الإنزال الجوي للمعدات بالمظلات فوق ساحات المعارك، لا سيما أن الجيش يعزّز التدريبات على التعاون والتنسيق بين كل من سلاح الجو وشعبة الإمداد والقوات البرية.

ومعروف أنه في الآونة الأخيرة تم تشكيل فرقة لوائية في هضبة الجولان السورية المحتلة، على شاكلة تلك المقامة على الحدود مع لبنان ومع غزة وفي الضفة الغربية. وتم تعيين من يُعتبَرون أفضل الضباط في هذه الفرقة وألويتها، وذلك على خلفية التحسب، أن هذه الجبهة ستغدو فاعلة بسبب التطورات في سورية.

وعدا تدريبات الألوية والتدريبات المشتركة فإن برنامجاً خاصاً أعد لقادة الكتائب والألوية للتدرب على التعامل مع احتمالات الإنزال الجوي، حيث تقوم نظرية التدريبات الجديدة، على أنه في الحرب المقبلة سيكون من الصعب الوصول إلى مناطق معينة براً، إذ لا يكفي أن نعرف كيف نلقي بالأعتدة من الجو، بل من الضروري أن يعرف الطرف الآخر، القوات المقاتلة، كيف تستقبل الشحنات. حيث جرت خلال المناورات الأخيرة، عملية تدريب واسعة في إحدى قواعد سلاح الجو «الإسرائيلي» في الجنوب على أساليب وقدرات الإنزال الجوي لتلك الطائرة، وعلى إيجاد حلول أخرى لنقل الأعتدة إلى عمق ساحة القتال. الى ذلك كشفت التقارير «الإسرائيلية»، عن إنشاء وحدة استخبارية جديدة تابعة للجيش «الإسرائيلي» مهمتها الرئيسية مراقبة ورصد الأهداف التى ينوي الجيش قصفها، بالإضافة إلى جمع المعلومات عن أي عنصر من العناصر المسلحة في أي جهة تهدد أمن دولة الاحتلال «الإسرائيلي»، وفي إطار جهود التحديث والتطوير النوعي لأداء الجيش «الإسرائيلي»، كشفت التقارير أيضاً أن صاحب الفكرة هو الجنرال سامي ترجمان، قائد المنطقة الجنوبية، الذي انطلق من نجاح وحدة «قسم الأهداف» «تسودى» التابعة له، في توفير 200 هدف يومياً لمهاجمتها، من مستودعات للأسلحة ومراكز قيادة وسيطرة وغرف عمليات محصنة ومواقع عسكرية وأماكن وجود قيادات، خلال حرب «الجرف الصامد»، طالباً تطوير هذا القسم ليصبح «وحدة» عسكرية في الجيش تملك قوة بشرية أكبر وموارد ووسائل تكنولوجية أكثر. ومسؤول «قسم الأهداف» وهو ضابط بالجيش «الإسرائيلي» برتبة عقيد، في وحدة «الكوموندز 13» المحمولة جوا، وإن هدف القسم هو العثور على الأهداف في الحالات الاعتيادية وفي حالات الطوارئ، سواء على مستوى قواعد البنية التحتية أو الأهداف البشرية، ضمن مهمات الاستخبارات «الإسرائيلية» ضد المنظمات المسلحة، حيث تعد جزءاً لا يتجزأ من الانشغال المتواصل فى جمع المعلومات الاستخبارية الجيدة والحساسة للغاية من أجل اختيار اللحظة المناسبة للقضاء على العناصر المسلحة، وإن عمل الوحدة هو على مدار الساعة، وبشكل مكثف لكشف الأهداف، وإعطاء الإحداثيات لأسلحة الجو والبر والبحر للتعامل معها بالشكل المناسب، وعلى تدريب معظم أعضاء الوحدة من قبل سلاح الاستخبارات العسكرية.

باحث في الشؤون الاستراتيجية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى