الكويت تردّ على تحية نصرالله

روزانا رمّال

إعادة ترتيب الأوراق وتبدّل الأوزان وتوزيع النفوذ في منطقة «الشرق الأوسط»، أمور آتية لا محالة بعد توقيع الاتفاق النووي، وسلوكه الطريق القانوني وصولاً الى اروقة الامم المتحدة التي ستقرّ بإيران كدولة نووية إقليمية كبرى.

هذا الواقع هو أكثر ما يقلق المملكة السعودية، التي استطاعت ان تشكل نفوذاً واضحاً يتوزع على أعضاء مجلس التعاون الخليجي بشكل أساس كدول أعضاء تنتهج نفس السياسة التي ترى فيها الرياض مصلحة لها ولهم بطبيعة الحال، وهي الدولة الوصية اذا صحّ التعبير لعقود على مجمل القضايا والملفات السياسية والأمنية والاستخبارية، فالتعاون الاستخباري بشكل أساس يتفرّع من قيادة عامة للاستخبارات في الرياض تتفرّع غرفاً تعمل تحت إشرافها في باقي الدول الخليجية.

يحق للسعودية الشعور بالقلق اليوم لعدة أسباب رئيسية بينها تمدّد «داعش» والخطر الذي بات يشكله على أمنها بعد أكثر من تفجير طاولها، ويشكل إنذاراً بانّ الأمور ليست على ما يرام، وهي التي سبق وعانت من الإرهاب منذ أواخر التسعينات. قلق آخر تستشعره السعودية يتأتى من الاهتزاز الواضح في العلاقة بين الأمراء الأقارب منذ وفاة الملك عبدالله وتعيين الملك سلمان الذي أجرى تعديلات وتعيينات مفاجئة جعلت من هذه العائلة كتلاً متنازعة على كرسي الحكم مستقبلاًن مما لا يبشر بالخير، عدا عن الخطر الداخلي الذي تحدّث عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما في حديث له اعتبر فيه أنّ المخاطر والهواجس التي تحكم الوضع في السعودية تأتي من الخطر الداخلي، أيّ الشعبي، وبالتالي يتوجب البقاء في أعلى درجات الحيطة والحذر.

في زمن الاتفاق النووي كمتغيّر أول على المنطقة تتصاعد المواجهات لتخلق أوضاعاً جديدة يبدو أنّ السعودية لا تزال غير جاهزة بالسرعة المطلوبة للانضواء ضمنها، وغير مستعدة لإظهار ايّ من عناصر الإيجابية، عكس تلك التي تظهرها إيران وحلفاؤها في المنطقة، وبالتالي فإنّ مخاوف السعودية وقلقها من فقدان السيطرة على زمام الأمور في الخليج يفوق أي أولوية أخرى، وهو عامل أساس ستستخدمه حتى آخر رمق قبل التسويات الكبرى.

تلعب مسقط، الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي، أحد أوضح الأمثلة القادرة ان تنسحب على باقي الدول الخليجية لناحية العلاقة الجيدة جداً بإيران بعد الاتفاق النووي، وهو الطريق الذي يبدو أنّ الدول الجارة ستسلكه سريعاً إلى إيران، ولهذا السبب يبدو ان السعودية تريد بعث رسائل تفيد بأنها غير مستعجلة لهذا الواقع المقبل حتماً من دون مقابل، وغير مستعدة للسماح لباقي الدول بنسج علاقات جيدة مع إيران أو مع حلفائها، وحتى غير مستعدة بالمدى المنظور لسحب فتيل المخاطر التي تعمّ الخليج بأي مظهر من مظاهر الوحدة التي كانت قد أظهرتها الكويت بالطليعة بعد التفجير الإرهابي التي طال مسجداً شيعياً، فعملت الدولة سريعاً على بث الروح الوطنية والوحدوية في صفوف أبناء الوطن الواحد، وكان مظهر الصلاة الواحدة خير دليل على ذلك.

ومن لبنان وجه أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله حينها التحية إلى الكويت أميراً وحكومة وشعباً، معتبراً انهم قدموا نموذجاً رائعاً في التعاطي مع حادث التفجير الإرهابي، وأضاف: «نتمنى أن يتمّ تعميم هذا النموذج إلى كلّ الدول العربية والإسلامية، فالتلاحم هو مشهد إنساني لا يستطيع الإنسان إلا أن يحيّيه».

على بعد شهر تقريباً وبشكل مفاجئ أعلنت دولة الكويت إلقاء القبض على «خلية إرهابية»، وقالت إنّ التحقيقات أظهرت أنّ الخلية مرتبطة بخلية لحزب الله، وأنّ رئيسها اعترف بأنه منتم إلى حزب الله منذ 16 عاماً، وأنه التقى عدداً من مسؤوليه على فترات متقطعة، بحسب مصادر صحافية كويتية، كاشفة انّ الخيط الأول للخلية انكشف قبل عام، عند الاشتباه بوجود أسلحة وذخائر، ووضعت تحت الرصد، وأنّ الخلية كانت تنتظر الساعة الصفر لتقوم بتفجيرات بهدف إشاعة الفتنة المذهبية.

وعليه يبدو أنّ التعميم السعودي على الدول الخليجية جاء أقوى من ايّ دعوة للوحدة، وبوضوح ردّت الكويت التحية على السيد نصرالله باتهام خطير يجعل من حزب الله أداة لتفجير الفتنة بين السنة والشيعة هناك، وهو تماماً عكس ما دعا اليه السيد نصرالله.

المعلومات تشير الى انّ السيد حسن نصرالله وفي أول إطلالة مقبلة له سيتناول هذا الملف الخطير ويتحدّث عنه منعاً لاستغلاله، وهو الذي حذر مراراً وتكراراً من مخاطر التقسيم المذهبي المقبل على المنطقة كمشروع اميركي أكيد، داعيا إلى الوحدة في مواجهته.

يبدو أنّ السعودية تبعث رسائل القلق والتصعيد في آن واحد، وتحاول رصّ الصفوف الخليجية الى جانبها قبل انفراط السبحة، وتوجه الدول للتعاون مع ايران بسرعة أكثر مما يجب ان تكون خصوصاً انّ التوترات اليمنية والبحرينية على أشدّها من دون الحصول على مكاسب يساهم الضغط والتصعيد بشكل كبير في حصدها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى