الكابوس الصهيوني… خطر وجود

طاهر محي الدين

وحده «الإسرائيلي» يدرك معنى التناغم والتمازج والتماهي المطلق الذي حدث وتطور إلى أرقى وأعلى مستوياته بين الجيش العربي السوري وحزب الله. هذا التمازج الذي ساهم في رفع سوية كلي الطرفين وزاد في خبراتهما التراكمية من حيث التخطيط واستخدام أنواع الأسلحة كافة وتطور عمل المقاتلين على الأرض بصيغة مشتركة، الأمر الذي لا تمتلكه كل جيوش العالم العظمى في هذا النوع من الحروب التي جمعت بين القيادات الكلاسيكية والدعم اللوجستي والعالي التقنية والهائل في التمويل والتسليح، باستخدام عناصر غير تقليدية على الأرض، وتعمل بشكل منظم وموجه من غرف عمليات مشتركة استخباراتية عسكرية، فكانت هذه الحرب الإرهابية المفتوحة على سورية أكثر وبالاً على أعدائها، حيث فتحت الأبواب مشرعة لهذا التمازج بعد أن أسقطت الحدود كلها وفتحت ساحة الصراع على مصراعيها، وأدرك «الإسرائيلي» قبل الجميع أن ما يحدث في سورية من عمل مشترك بين حزب الله والجيش العربي السوري هو التجهيز الأكبر لعمليات تحرير المدن والأراضي المحتلة بدءاً من الجليل والجولان.

تدرك «إسرائيل» أن هذا الخطر داهمها منذ حرب تموز المباركة، وكيف أن القيادة السورية بدأت بإعداد وتجهيز جيش رديف من المقاومة التي تحاكي حزب الله في سورية في الجبهة الجنوبية في المناطق المحاذية للقنيطرة والجولان المحتل، وكان هذا من أهم أسباب الحرب على سورية، لأن الكيان الصهيوني أدرك أنه يواجه خطراً وجودياً سيرمي به في البحر، فأنشأ المعسكرات التدريبية ومناطق الإقامة والمستسفيات الميدانية ومناطق تشويش تقنية على شبكات الاتصالات للدولة السورية وغيره من كل أنواع الدعم لتلك الجماعات الإرهابية لتكون خط الدفاع الأول عنه في مواجهة الجيش العربي السوري وحزب الله وجماعات المقاومة السورية في تلك المنطقة.

تعلم «إسرائيل» أن معادلة الجو لا تستطيع حسم المعارك، وهي عاجزة عن الخوض في الحروب البرية بعد معادلة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله «بالدخول عمودياً لجنود الكيان وخروجهم أفقياً محملين على توابيتهم» هذا إن استطاعوا إخراجهم أصلاً، كما أن سقوط وهم «ساعر 5» في حرب تموز أخرج جيش الاحتلال من المعادلة العسكرية والحروب المباشرة، وأدرك تماماً وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على الحرب على سورية أنه أعجز من الدخول المباشر بجسده فيها، لأنه يعلم أكثر من كل أذنابه في المنطقة أن جاهزية الجيش العربي السوري في جسده الكبير والمعد أصلاً لمواجهة الكيان الصهيوني والجسد الأساسي في حزب الله المتخصص والذي مهمته الرئيسية الحرب مع كيان العدو، وإن لم يكونا بنفس الجاهزية قبل الحرب فربما هما أقوى الآن بكثير.

ولهذا يعلم المراقبون أن كل العمليات التي تدخل بها طيران العدو الصهيوني إبان الحرب على سورية كانت تستهدف كل ما له علاقة بهذا النوع من العمل التكنولوجي والدعم اللوحستي لحزب الله عبر الأراضي السورية.

إذاً، ما الذي يستطيع أن يفعله كيان العدو ليحمي نفسه من هذا الخطر بعد أن تم إخراجه بجسده العسكري المباشر من معادلة الحرب؟

في الحقيقة، إن أكثر ما يمكن للكيان فعله هو زيادة دعمه للجماعات الإرهابية من داعش والنصرة على الأراضي السورية، وتحريض الرؤوس الحامية في شبه الجزيرة العربية من الأعراب، والضغط على الكونغرس الأميركي عبر استخدام اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وتحريك وتحريض المسيحيين الجدد من حكام أوروبا في مواجهة إيران وسورية، وتسمين العجل العثماني لإغراقه أكثر في المستنقعين السوري والعراقي ولإطالة أمد النيران والحرب في المنطقة لإشغال دول محور المقاومة في حروب لا تفيد إلا وجود الكيان الصهيوني، وهو يقوم باستجرار الدعم العسكري والمالي الأميركي والأوروبي تحت بند «الخطر المحدق بأمن الكيان الصهيوني»، إضافةً إلى تدخله عبر عمليات محدودة بطائرات من دون طيار أو بطيار، ليوهم فيها أدواته أنه تدخل لحمايتها ولكنه في الحقيقة قام بها لأنها تمس أمن الكيان ووجوده مباشرةً ومداورةً.

وهنا أسوق تصريحاً واحداً لطالما سقته في مقالات سابقة لأحد أعتى حاخامات الكيان الصهيوني التي تثبت هذه الكوابيس لدى الكيان الصهيوني من هذا التطور الكبير والمتدحرج للجيش العربي السوري وحليفه حزب الله، ولنشرح من خلاله لماذا ترفض أدوات الكيان الصهيوني الوهابية والعثمانية إنهاء الحرب على سورية ومحور المقاومة.

قال إنيومي يتسحاقي رئيس منظمة شوفار لنشر تعاليم الديانة اليهودية في «إسرائيل» وحول العالم في محاضرة ألقاها في هرتزيليا شمال تل أبيب شارحاً معنى احتلال حزب الله لمستوطنات في الجليل ودلالاته بحسب الشريعة اليهودية:

«إذا كنا قد انبطحنا أرضاً خوفاً مدة خمسين يوماً جراء صواريخ غزة على الطرقات وعلى سلالم المباني، إلا أن الأمر سيكون مغايراً عندما يبدأ الأمر مع حزب الله، وأضاف أن العام المقبل سيكون حاسماً وليس كأي عام، إنه يوم الحساب يقبل إلينا، فألف صاروخ يطلق علينا في اليوم الواحد هو أمرٌ مختلف، وإن بدأ الأمر مع حزب الله فعلينا أن نعلم مسبقاً أنهم يتدربون في سورية للسيطرة على الجليل، ويا ويلاه على الجليل، ها هم ينتظرون لاحتلالك».

ولذلك نقول لكل السوريين الذين أصابهم بعض الخوف أو دخل إلى قلوبهم بعض الشك إياكم أن يعبثوا بعقولكم ويوهموكم بسقوط بعض الجغرافيا، لأن الحرب في سورية أثبتت للجميع أن سقوط الجغرافيا تكتيكياً لا يغير في معادلات نصرنا الاستراتيجي، ولم يغير في بوصلة وعقيدة جيشنا الأسطوري وحلفائه من طهران إلى الضاحية الجنوبية تجاه فلسطين ليس كجغرافيا أو مساحة أرض، بل لأنها رمز كل مقدسات شعوب العالم، وعلى الآخرين أن يتذكروا كيف استرجعنا ما كانوا يسمونه هم عاصمة الثورة في حمص، وكيف قصمنا ظهورهم في القصير، والقلمون وغوطة دمشق، وكيف أنهم يتهاوون في إدلب وريفها تباعاً، وكيف تحصدهم نيراننا في سهل الغاب بعد أن ظن الكثيرون أننا على أبواب انكسار عظيم هناك وقبلها كسب ومعلولا والكثير من مناطق ريف اللاذقية وريف حلب وفتح طريق خناصر، وأخيراً وليس آخراً سقوط أكبر معاقلهم الاستراتيجية في الزبداني القريبة من العاصمة السورية دمشق التي ظلوا يجهزونها ويدعمونها بكل ما أتيح لهم من إمكانات، فسقطت في ما يقارب الشهرين من العمل المشترك بين المقاومة في حزب الله والجيش العربي السوري وحلفائهم من نسور الزوبعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي، ما يجعل الكيان الصهيوني يدرك تماماً أن سقوطه في الزبداني هو بوابة سقوط «تل أبيب».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى