استحالة انتخاب رئيس لبناني سيادي

روزانا رمّال

طوباوية مشهد مطالبة الناس في «التغيير» لن تبدّل او تغيّر في الودّ قضية، فالتغيير في هذا البلد لا يرتبط واقعاً برغبات استعادة الكرامة والسعي إلى العيش الكريم، فلبنان كأيّ بلد عربي لا يتمتع بالحدّ الأدنى من الاستقلال في القرارات والمتغيّرات وحتى التغييرات المفترض مقبلة بعد ايّ حراك كهذه الثورة الشعبية التي ستفرز واقعاً جديداً بعض الشيء بدون شك، انْ كان لجهة قانون انتخاب جديد او فرز طبقة جديدة غير طائفية يسمع صوتها لأول مرة.

رفع سقف مطالب الشبان من مطلبية معيشية الى إسقاط نظام برمّته تبقى ضمن رفع مستوى الأمل المنشود بالتخلص من ظلم دام لعقود عاشوا فيها في ظروف غير موضوعية اقتصادياً وأمنياً لكنها لن تتعدّى الأمل، ففي لبنان لا يوجد نظام واحد او دولة واحدة، بل 18 نظام لـ18 دويلة تحتاج آلية اخرى لإسقاطها تختلف عن تلك التجربة التي عاشتها بلدان ما سُمّي «الربيع العربي» من مصر وتونس وغيرهما، بالتالي فإنّ الرهان على تغيير جذري غير ممكن حالياً والخصوصية للحالة اللبنانية هي سيدة المشهد.

يعترف المواطنون العرب بأنّ تصريحات سفراء الولايات المتحدة الاميركية في الأوقات الدقيقة والحساسة لا تأتي عبثية، فهم – اي السفراء او الديبلوماسيون الاميركيون – غالباً ما يدققون في كلّ كلمة يسعون لإيصالها للشعوب خصوصاً في منطقة الشرق الاوسط التي تشعر بالريبة تجاه الولايات المتحدة ومواقفها المنفّرة احياناً والغريبة احياناً اخرى، والتي يقولون إنها لم تشعرهم يوماً بالسكينة المطلوبة، ولم لن تصبّ يوماً الا في خانة المصالح الأميركية ومعها «الإسرائيلية».

اليوم يدعم السفير الاميركي في بيروت دايفيد هلْ تحرك الشباب في وسط بيروت، تماماً كما خرج السفير الاميركي في دمشق روبرت فورد لدعم المعارضة السورية، وذلك مثال يوضع بنفس سياق السلوك الاميركي في التعاطي مع تحركات الشعوب المطلبية، وكانت قد خرجت في هذا الإطار بيانات عديدة عن الخارجية الأميركية نادت بحرية التعبير مراراً وتكراراً في كلّ من تونس ومصر وليبيا… إذاً الكلام الاميركي بات معروفاً سلفاً، ومنهجية التعاطي مع تحركات مشابهة خير دليل على نظرة واشنطن إلى حراك الشعوب.

لم تثبت التجربة حتى الساعة الا حقيقة واحدة وهي سعي الولايات المتحدة الى اعتبار ايّ حراك شعبي مطلبي عربي وغير عربي هو منفذ حقيقي للتدخل في شؤون الدولة المعنية، وهي غالباً ما تكون دولة قادرة على إضافة نقاط ربح أمام خصومها، وقد كانت الاحتجاجات في اوكرانيا خير دليل على ذلك لولا الحسم الروسي لموضوع جزيرة القرم، وايضاً شكلت احتجاجات بكين العام الماضي فرصة حاولت واشنطن التأثير فيها لكنها لم تنجح، وحراك لبنان ربما يكون إحدى الصيغ المشابهة.

وبعيداً عن حسابات الربح والخسارة في لبنان، فإنّ النوايا الاميركية في اقتناص اي فرصة حقيقية للتغلغل أكثر في الحياة السياسية اللبنانية أصبحت واضحة من خلال مساندة السفير هل للحراك في بيروت، وبالتالي فإنّ أيّ تغيير سيصبّ في مصلحة واشنطن بدون شك خصوصاً أنّ هذا الدعم جاء سريعاً ومفاجئاً قبل ان يدخل لبنان حيّز اعتبار انّ الحاضرين في الشارع يمثلون الشعب اللبناني بأكمله.

في المقابل شارع بأكمله خرج في مصر ليسقط نظام الرئيس حسني مبارك مرة والرئيس محمد مرسي ثانية في تظاهرات لم يشهد لها العالم العربي انْ كان لجهة الكثافة الحاضرة عددياً او لجهة حماس الشبان المصريين، وفي المرتين لم يستطع المصريون اعتبار انهم أمام حالة وطنية سيادية، ففي الاولى انصبّت الشكوك حول تدخل تركي قطري لدعم حركة «الإخوان المسلمين» أفرزت مرشحاً مطروحاً جيء به رئيساً بالتصويت فكان محمد مرسي الذي استفزت أحكامه واحتكار حزبه للسلطة مشاعر المصريين، فثاروا عليه مجدداً بانقلاب عسكري واضح طرح فيه حينها وزير الدفاع وقائد الجيش المصري عبد الفتاح السيسي، فأعيدت الانتخابات من جديد بعدة ملايين حاشدة، فانتخب المرشح السيسي واعتلى سدة الرئاسة المصرية، ومع هذا تترافق الشكوك اليوم حول العلاقة الجيدة بين السيسي والسعودية التي كادت تكون سلم عبوره للرئاسة فسّرت حينها تصفية حساب مع الأتراك للعودة إلى التأثير في مصر.

لا يحتاج اللبناني الى أكثر مما رأى في مصر ليبني استنتاجاته الواقعية رامياً وراءه اي طوباوية توقعه في دوامة جهل مخيف في هذه الأوقات بالذات، حيث ينتشر الإرهاب في الجوار، وفي الداخل تتسع دائرة متسلقين واجهات الأحداث، وبالتالي اذا كانت ملايين مصر لم تستطع المجيء برئيس مستقلّ سيادي غير مدعوم من الخارج، فإنّ اللبنانيين غير قادرين حكماً مهما كان النظام الانتخابي حراً او نزيهاً للوصول الى الهدف العربي المنشود نفسه، فمصر لا ينقصها من المثقفين والعروبيين والمرشحين الكفوئين ما يجعل منها قاصراً على ذلك، الا انّ دعم ايّ مرشح رئاسي في دولة عربية هو استحقاق اقليمي دولي يحسب نقاطاً ومكاسب خصوصاً اذا ما كانت الدولة مجاورة لـ«إسرائيل»، وهذا هو صلب ما يحاول الغرب انتزاعه من سورية التي بقيت وحيدة تواجه في الساحات.

وفي المحصلة، وبالعودة الى لبنان سيجد اللبنانيون انفسهم في ايّ لحظة من لحظات استغلال الحراك، مهما كبر او صغر، مهما طال او توقف، وفي اي قانون انتخابي امام مرشح مدعوم سلفاً دولياً واقليمياً مع ما تساعد عليه تركيبة الزعامات والكتل التي ستترشح مجدداً وهي نفسها بعلاقاتها المعروفة الولاءات.

وعليه، لا رئيس سيادياً لبنانياً لوقت طويل قبل ان تتوفر أرضيات قوته وشروط الجوار السليم ومن بينها حلّ النزاع الاسرائيلي الفلسطيني لإخراجه من دائرة التجاذبات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى