بين حزب الله وتيار المستقبل «إعجاز في اللا ــ إنجاز»

روزانا رمّال

تتكشف يوماً بعد يوم قدرة إعجازية تحافظ على استقرار علاقة تشوبها العديد من التناقضات في أكثر المراحل حساسية من عمر العالم العربي، وهي علاقة حزب الله وتيار المستقبل في لبنان، في وقت ينتشر التشوّه الفكري الديني الذي يعكس مخاطر جمة على الأحزاب السياسية التي لها لون طائفي معين في المنطقة، خصوصاً بعد السعي الدؤوب من مختلف القوى اللاعبة بمسار الحدث الإقليمي الى فرض التقسيم كأمر واقع أو قدر سيفرضه «الشرق الاوسط الجديد».

لا يمكن وصف العلاقة بين حزب الله وتيار المستقبل بأقل من «الجيدة» على الرغم من انّ المشهد العام يشير الى قطيعة ومواقف نارية في بعض المواقع والقضايا، فظهور اجتماعات منتظمة الانعقاد في جلسات حوار وجدت على خلفية المخاطر التي استشرفها الطرفان وللإمساك بزمام الأمور في البلاد كي لا تنزلق الى ما لا تحمد عقباه، بعدما احتقن الشارع اللبناني على خلفية الأزمة السورية، تؤكد على واقع صحي وعلاقة محمية بقوة خفية موجودة وإرادة سياسية جدية من الطرفين بضرورة المحافظة على هذا الإنجاز.

المفارقة انه الإنجاز الوحيد الذي لا يمكن ان ينظر اليه بما يمكن ان ينتج عنه، ايّ عن «جلسات الحوار»، كمتغيّرات تنعكس مواقف واقعية تفيد بتقدّم المشهد السياسي او تحلّ الأزمات العالقة والاستحقاقات المتوقفة، إنما هو الإنجاز الذي ينظر اليه لمجرد الانعقاد والاستمرارية في الأجواء المحتدمة.

المفارقة انّ هذه الجلسات صامدة رغم الأعاصير والسيل الهادر من التعقيدات الأمنية والسياسية، والفشل السياسي الذريع الذي يمرّ على لبنان، ولا تتأثر بشيء لا من قريب ولا من بعيد بشكل رفع الاسئلة امام الطرفين بشأن القطبة المخفية التي تمثلها هذه الاجتماعات؟

إقليمياً يمثل حزب الله الفصيل الشيعي الأقوى تسليحاً ونفوذاً وتنظيماً وإنجازات جعلت الرصيد المعنوي كبيراً في وجه «إسرائيل»، بينما يمثل تيار المستقبل كذلك الاّمر على الطرف الاخر أبرز الأحزاب السنية ذات الحضور المنظم التي تصنّف إقليمياً معتدلة في وجه التطرف المتبعثر، وعليه فإنّ علاقة الحزبين ببعضهما البعض تمثل قدرة حقيقية على الاعتماد على ما تبقى من أمل لإعادة النسيج العربي الإسلامي المتشرذم بعدما عصف بالمنطقة عربياً لتخرج الصيغة اللبنانية ويتكشف ما وراءها من رغبة دول كبرى باستمرارية هذه العلاقة بين الطرفين، ولو باتت كخيط رفيع مهدّد في ايّ لحظة، هو هذا الخيط الرفيع القادر ان يؤسّس لممرّ مريح للقوى التي تتبع لها هاتين القوتين اللبنانين وهما إيران والسعودية.

يفيد التذكير هنا بأنّ ما يجمع بين حزب الله وتيار المستقبل امر رئيسي يكاد يميّزهما عن باقي الأحزاب اللبنانية ويؤكد انخراطهما بالمعادلات والتسويات المقبلة، وهو أنّ الطرفين دخلا على خط الأزمة السورية بشكل مباشر، فحزب الله تدخل عسكرياً منذ أكثر من سنتين بشكل جعل منه القوة الضاربة التي أحدثت فرقاً في مجريات الأحداث في سورية عسكرياً، وقدم دماء أبنائه بعدما اعتبرها قضية وجود واستهداف مباشر تتخطى معركة الدفاع عن حليف.

بدوره قام تيار المستقبل باعتبار «الثورة» في سورية منذ أيامها الاولى قضية حريات وقضية حياة او موت بالنسبة الى النظام الذي اتهمه يوماً بقتل مؤسّسه رفيق الحريري ما لبث ان عدل الاتهام بعد عدم إثباته بالمحكمة الدولية ليعود مجدداً ويصوّب على النظام واعتباره مسؤولاً عن معظم التفجيرات في لبنان منذ أكثر من 20 سنة فجنّد إعلامياً وسياسياً للهجوم على النظام حتى غاب بعض نوابه وسافر الى خارج البلاد ليتابع الأزمة السورية ويدرّب ويؤهّل كوادر معارضة سورية إضافة الى ما حكي عن تجنيد مقاتلين انضمّوا للقتال في سورية وبعض المناطق اللبنانية مع جماعات متطرفة.

المثير للدهشة اليوم انّ تيار المستقبل الذي يجتمع مع حزب الله بانتظام يجتمع مع من يتهمّه بكلّ أحداث الشغب والتفجير والإرهاب في البلاد، وهولا يوفر مناسبة لا يتهم فيها حزب الله بالضلوع وراء هذا التفجير او ذاك او الضلوع وراء التعطيل السياسي والدستوري والتحريض والاصطفاف ومبالغته في الدعم المطلق للعماد ميشال عون كمرشح أوحد للرئاسة او حتى اعتبار طريق الرئاسة تمرّ من عند العماد عون حصراً.

ووسط كلّ ما ذكر يتفق الطرفان اليوم على ضرورة الحفاظ على استقرار البلاد بما تبقى من مؤسسة دستورية وهي الحكومة، وبالتالي يحاول حزب الله التماسك وعدم الانسحاب على الرغم من مقاطعته للجلسة الأخيرة ما يفتح الاحتمالات كلها والتي ربما تصبّ إيجاباً لمصلحة الوعي من الطرف المقابل الراغب ايضاً باستقرار الحكومة وثباتها بأهمية عدم تخطي الأطراف الحاضرة والمشاورة قبل التوقيع على ايّ مقرّرات. واذا كان استقرار الحكومة اللبنانية يمثل رغبة الطرفين في استمرارها اذا لم يتخط أحدهما المحظور، فإنها بلا شك تمثل رغبة إقليمية واضحة بضرورة بقائها، وبكلّ الاحوال تبقى علاقة حزب الله وتيار المستقبل الفريدة إعجازاً وسط غبار المنطقة التي تكاد تؤكد على رغبة سعودية إيرانية للاستفادة من هذه العلاقة مستقبلاً كمعبر أساسي للتواصل والاتصال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى