هدنة الزبداني «الثانية»… تحوّل في المسارات والانعكاسات

فاديا مطر

على وقع ما اسُتحدث من تفاهمات إقليمية استرجعت «الزبداني والفوعا وكفريا» إلى هدنة فرضت نفسها كبديل جديد على الساحة العسكرية المرتبطة بالساحة السياسية التي جعلت من «الزبداني» ورقة امتحان لقدرة المجموعات الإرهابية المسلحة على الصمود أو استعادة الصمود المفقود أصلاً، فقد انهارت هدنة الزبداني «الأولى» في 13 آب الجاري بعدما تم تجديد أمل الصمود الإرهابي «تركياً وسعودياً»، لكن العودة إلى ساحة العسكرة بعد الهدنة هو ما اغلق أبواب الأمل «الترك ـ سعودي» في صمود ارهابييهم لتبدأ حياكة هدنة جديدة في 27 من الشهر نفسه، ولتكون بشروط امتحانية جديدة ربما تطور الى اتفاق او تعود أدراجها إلى القتال، فالأمر من جنبات الساحة السياسية هو في شكل إطاري اتفاقي كان ينحدر نحو الفشل مع استمرار جرعات الأمل الأقليمية، أما في حقائق الساحة العسكرية فهو تحول في مسار الحرب وانعكاساتها على مراحل جديدة تتشرب منها ساحات الارهاب في الداخل السوري واللبناني مياه الانهيار والاستسلام، فالزبداني ليس معركة على مدينة حدودية بمقدار ما هي معركة على بقعة ربط «جيو استراتيجية» تحتل في مكانتها بيانات الحدود اللبنانية ـ السورية المجاورة لطريق دمشق ـ بيروت الدولية مع الارتباط الجغرافي المهم لجبهة الجنوب التي كانت تتصدر مدينة القنيطرة أهم معالمها لجهة الاتصال القلموني الذي ستنهال آثاره على معارك الغوطتين ومحيط العاصمة دمشق الذي ارتبط بالانعكاسات السلبية والايجابية، فمع زوال ما سمي «عاصفة الجنوب» مع ادراج الرياح بقيت «الزبداني» بدلالات جغرافيتها الأمل الوحيد لاسترداد الرصيد المفقود إقليمياً لما تطل عليه المدينة من تلال ومعابر استراتيجية كانت بنفس الأهمية إبان معركة الجيش العربي السوري مع قوات الاحتلال «الإسرائيلي» في منطقة «السلطان يعقوب» عام 1982، والتي كان الهدف منها هو السيطرة على الطريق الدولية للتقدم نحو الحدود السورية، فالمعادلة تعيد نفسها ولكن بشطر ثانٍ يختلف في الاسم ويتفق في الهدف مع العدو «الإسرائيلي»، وهو ما جعل الانتقال بالزبداني من مدينة استراتيجية مساحتها ما يقارب 400 كلم مربع إلى معركة حسم يكمن الجواب فيها في الاولوية التي أفترضتها المجموعات «الصهيو ـ نصراوية» وهي إقامة ما يسمى «إمارة» ممتدة من القنيطرة جنوباً الى الزبداني توسطاً مع القلمون والريف الدمشقي شمالاً وصولاً الى عرسال والساحل السوري ومع ما يمكن له أن يرتبط بـ «إمارة» شمالية حلبية كانت تركيا تريد توثيقها «بمناطق عازلة» إفتراضية خسرت رهانها فيها مبكراً أميركياً وداعشياً، وهو ما جعل عدم القدرة في السيطرة على المدينة أقرب مسافة إلى الأخطار المستقبلية التي تلاحق المجموعات الارهابية وداعميهم على خط بيروت ـ دمشق، وتعيد السماحية للجيش السوري المدعوم من المقاومة بالعودة إلى معارك عسكرية استراتيجية مريحة في مناطق تبتعد حدودها عن دمشق والجنوب وترمي بآثارها على بقع عسكرية محتدمة في جغرافيا مختلفة، فاتفاق «الزبداني» هو نتيجة ما ساهمه تقدم الجيش السوري والمقاومة نحو أساور إحكام الطوق العسكري على استسلام المجموعات الارهابية في «الزبداني» المرتبطة بما كان اسمه «إمارة القلمون والجنوب» والتي حاول الإقليم «الترك ـ سعودي» وضع أعمدة لبنائها على رمال متحركة، لكن التذرع بنوع السلاح وجهة الانتقال والكمية في الشروط هو ما أفقد المشروع سيطرته الإرهابية وقوته السياسية لينكسر تحت سقف الانتصارات ويبدأ بحياكة الهدنة «الثانية» التي تمسك الساحة السياسية الإقليمية المنهكة بيد، والساحة العسكرية المنهارة بيد أخرى، لتبقى الهدنة «أبغض الحلال عند الله».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى