المشنوقان في وسط بيروت… أصل الفساد!

حسين حمود

اختلط حابل شعارات الحراك المدني بنابل السياسة، ربما بقصد أو من دونه. فبينما كان الشعار الأبرز للمتظاهرين «إسقاط النظام» تحوّل أمس إلى رحيل وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق. وفيما اعتبر المتظاهرون أنّ شركتي «سوليدير» و«سوكلين» هما رأس الفساد، أعلن تيار المستقبل، صاحب الشركة الأولى و«النفوذ» في الثانية، تأييده للحراك الشعبي وتأييده للمطالب المرفوعة.

وفي البيانات الطويلة، لبعض منظمي الاعتصامات والتظاهرات الصاخبة، زحمة شعارات ومطالب، ترفض الفساد والهيمنة على المؤسسات الدستورية والسياسية والتعليمية والاقتصادية، طبعاً انطلاقاً من أزمة النفايات الكريهة والتي أصبح الابتذال، أو الابتزاز السياسي والمالي فيها، ممجوجاً ومفضوحاً ومعروفاً للجميع، وهذا ما يفترض أن يكون وصل إلى علم مثقفي مجتمعنا المدني الذي بات يعشق ليل الـ»داون تاون» أو ربما اعتاد عليه، مسارعاً إليه كلّ ليلة ابتداء من العصر.

لكن بيانات الناقمين على الفساد واهتراء الأوضاع في لبنان، بكلّ نواحيها وجوانبها، لا تذكر أيّ مسؤول عن هذا الفساد والاهتراء، وتكتفي بالتعميم في تحميل المسؤولية إلى»الطبقة السياسية» عموماً، من دون إيضاح ممّن تتركب هذه الطبقة وماذا تفعل وكيف هي مسؤولة عما وصلت إليه البلاد من سوء، وهل كلّ مكوّناتها على درجة واحدة من المسؤولية، والأهمّ كيف تمكنت هذه الطبقة من رقابنا ومن منحها السكين؟

وبعد ذلك، يأتي شعار «إسقاط النظام»، ليلهب حماسة «الثائرين» مبشرين بـ«ربيع عربي» آخر، تماًما كما يحصل في الجوار وما بعده، من دون أيّ رؤية مستقبلية ولا «مانيفستو» يضع على الأقلّ الخطوط العامة للنظام البديل وآليته ومنطلقاته الايديولوجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يتصل بكلّ ذلك. تماماً كما يحصل من حولنا، في تونس إلى حدّ ما، وليبيا وسورية ومصر. هذه الدول التي طالب المتظاهرون فيها بـ«إسقاط النظام» من دون أيّ بدائل مقنعة، ليركب موجتها الانتهازيون ويعسكروا الحراك الذي قد يكون محقاً في بعض نواحيه، لكنه تحوّل إلى فوضوي مخرّب ومدمّر وسفاح مجازر، تماماً كما تفعل «داعش» و«جبهة النصرة»، ولبنان شاهد على ذلك.

وبالعودة إلى الطبقة السياسية يبدو أنّ المتظاهرين قرّروا أخيراً الكشف عن مكوناتها وتسمية الأشياء بأسمائها، كما يُقال، فكان كشف المستور صاعقاً، ويفتح العيون على وسعها، إنهما وزيرا الداخلية والبلديات نهاد المشنوق وقريبه وزير البيئة محمد المشنوق اللذان لوّحت لهما نخب المجتمع المدني بالمشانق على أفعالهما ومسوؤليتهما في الفساد والإفساد والتنكيل بالمتظاهرين وافتعال أزمة النفايات والهيمنة على الجامعة اللبنانية والتدخل في القضاء وغيرها وغيرها، من موبقات البلد!

واللافت أنّ الحريري لا يريد تمام سلام خليفته الحالي الذي يُحسب عليه محمد المشنوق ولا خليفته المفترض نهاد المشنوق، فهل هي مصادفة ان يختار القيّمون على التحرك «ضراير» الحريري أهدافاً لإطلاق نيرانهم؟

أما غير هذين الوزيرين الحديثين في السلطة، وهذا ليس دفاعاً عنهما، فلا مسؤولية عليه، فالأزمات طارئة ولم يعرفها لبنان إلا في عهد حكومة تمام سلام، أما حكومات فؤاد السنيورة وسعد الحريري فلا علاقة لها بتراكم الأزمات، بسبب نهجهما السياسي والاقتصادي. ولم ير المتظاهرون أو يسمعوا وزيراً يعترف على شاشة التلفزيون أنه يعتمد دفترين للحسابات أحدهما حقيقي والثاني وهمي، كما لم يسمعوا أحد الوزراء يهين القضاة علناً متوعّداً بمحاسبتهم إنْ لم يصدروا أحكاماً حسبما يريد ويشتهي، وإلا سيحاسب وتقلع محكمته من جذورها، ولم يشهد المتظاهرون أنّ البلد كاد يحرق في اتون شهوة السلطة ورئاسة الحكومة لأنه أقيل من منصبه وعيّن آخر رئيس حكومة بدلاً منه.

لذا لم يحرك الحراك المدني ساكناً حينها وكأنّ الأمر لا يتعلق بالبلد ومصيره، ومصير أهله.

وفي المقابل، لم ير المتظاهرون أنّ هناك فريقاً خسر كلّ ما ما كان يستطيع أن يحصل عليه وبرضى خصومه الحاليين، لأنه رفع شعاراً أساسياً واحداً وهو الإصلاح ومكافحة الفساد متجرئاً على قول الأمور كما يراها، ومسمّياً الفاسد باسمه من دون تعميم بغية التعمية والتضليل.

لا يعني ذلك، أنّ المطالب المرفوعة غير محقة، بل على العكس الكلّ يؤيدها ويطالب بها ولا سيما مكافحة الفساد والهمينة وإسقاط النظام الطائفي والمذهبي، وضرورة الإصلاح، لكن ليس كما تدعي بعض جهات الحراك المدني، أنّ مسؤولية الأزمة تقع على عاتق المشنوقين، ولا كلّ السياسيين أو ما يسمّى الطبقة السياسية سواسية في إدارة شؤون البلد وممارسة السلطة.

في الخلاصة المطلوب تصويب الرؤية والعمل والمسار حتى يتحقّق الإصلاح إذا كان الحراك جدياً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى