مهرجان الزجل الأول في جرمانا يختتم فعالياته

محمد الخضر

اختُتم مؤخراً مهرجان الزجل الأول الذي أقامته مديرية التراث الشعبي في وزارة الثقافة بالتعاون مع مديرية ثقافة ريف دمشق في صالة الوقف في جرمانا، وتضمّنت الأمسية الختامية ندوةً وإلقاء قصائد زجلية.

في الندوة التي حملت عنوان «الزجل في سورية»، اعتبر الباحث معين حمد العماطوري أن الزجل من أهم مقوّمات البيئة المحلية التي استخرج منها الشعراء مفرداتهم وألفاظهم وتراكيب قصائدهم، الحاملة صوراً وتعابير ذات دلالات و«انزياحات» مهمة. مشيراً إلى أن الشاعر الزجلي يحمل ثقافة محلية، مواكباً الأحداث والوقائع واللحظات الآنيّة، تاركاً أثراً مهماً في التدوين والتوثيق ورسم لوحات فنية من خلال التنوّع لأغراض الشعر الزجلي وأنواعه.

وعدّد العماطوري أنواع الزجل وهي «القوما» و«الكان كان» و«المعنّى» بأنواعه، و«القرّادة» و«المقلوب» و«المجزم» و«كرج الحجل» و«طريق» النمل، موضحاً تلك الأنواع بأمثلة، وأن المراجع العلمية القليلة التي درست الزجل بشكله وأغراضه وإيقاعاته وأوزانه ظلت مسكونة بما دوّنه المؤرّخون عن ابن قزمان ومدغليس.

ولفت المحاضر إلى مساهمة شعراء سوريين معاصرين في نشر أوزان شعر الزجل ومقاساته، ومنهم الشاعران فؤاد حيدر ولطفي عبد الرزاق اللذان عالجا الكثير من القضايا الاجتماعية والوجدانية والعاطفية والوطنية وكرّساها في منظومتهما الشعرية مع غيرهم من الشعراء السوريين، مقدّمين دلالات وبراهين على أن الشاعر يستطيع أن ينقل ما يرى ويشاهد ويوثق ويدوّن ما استطاع أن تنقل به مخيلته بين المتخيل والمعيش.

أما الباحث فرحان الخطيب فقال، إنه على رغم أسبقية ظهور الزجل في سورية، إلا أن الباحثين اللبنانيين كانوا سبّاقين في تأليف الكتب في مطلع القرن العشرين. ما ساعد في ازدهار شعر الزجل في لبنان وتأليف الجوقات وإقامة الحفلات والمباريات الشعرية الزجلية.

وأشار الخطيب إلى أن المؤرّخين الذين تطرّقوا إلى نشأة الزجل في سورية تحدّثوا عن وجود علاقة وشيجة بينه وبين الأناشيد الدينية باللغة السريانية، إذ بدأ رجال الدين ترتيل هذه الأناشيد على يد مار افرام السرياني. وبعد تحوّلهم إلى اللغة العربية نقلوا اللحن نفسه. وبعد ذلك عرّب الشعر الديني وتأثر بالقافية وبقي اللحن، ثم تطوّر إلى أن وصلنا عبر عدد من القرون إلى ما وصل إليه.

وأضاف الخطيب: تأسست جمعية مؤلّفي الزجل في سورية عام 1971 من خمسة وعشرين عضواً، ثم تطوّرت إلى أكثر من مئة عضو. وأقام أعضاؤها الحفلات والأمسيات في المراكز الثقافية. واشتهر عدد من شعرائها كالشاعر فؤاد حيدر ولطفي عبد الرزاق وحسون سيف الدين، وبسام ورور الذي حاز على جائزة الدف الذهبي من برنامج «أوف» اللبناني الذي يشرف عليه الشاعر الزجلي موسى زغيب.

وأشار الخطيب إلى أن الشعر العامي موجود منذ وجدت اللغة، ويعبّر عن مشاعر شريحة كبيرة من المجتمع وأحاسيسها، ولكنه في النهاية لا يصحّ ولا يجوز أن يكون بديلاً عن لغتنا الأمّ العربية الفصحى، لأنها الأصل.

وفي ختام المهرجان، ألقى الشاعر الشعبي القادم من درعا ذيب نوح قصيدة بعنوان «تدمر عروس البادية»، أشار فيها إلى مهارة العرب وتاريخهم الأصيل ومدى أهمية تدمر، بأسلوب يجسّد طرائق تناول شعراء الزجل في حوران لهذا النوع فقال:

تدمر عروس البادية وسفر الأجداد

تدمر سفيرة شعبنا للحضارة

ومن زارها يسعد بشوفها كالطواد

ويشهد لجهد اللي شيدوها بمهارة

تنبيك عن فن العمارة والمجاد

المتحف الرومي وجملة أجواره

وعن المهرجان، قال مدير التراث الشعبي في وزارة الثقافة حمود الموسى إن الغاية من هذه الفعالية تمثيل حضارة الشعب السوري بكل مكوّناتها، معتبراً أن المهرجان استطاع تحقيق هذه الغاية وهذا ما بدا في الحضور الشعبي الذي حظي به خلال أيامه الثلاثة.

وأضاف مدير التراث الشعبي: تضمن المهرجان مستويات مختلفة ومتباينة من أنواع الزجل التي رصدتها ندوة اليوم الأخير. كما حرص المهرجان على وجود الزجل المغنّى الذي حقق شعبية لافتة. مؤكداً أن هذا المهرجان سيُنظّم في مناطق أخرى من ريف دمشق استجابة لتعلق أبناء المحافظة والسوريين عموماً بهذا الفن.

من جهتها، قالت مديرة الثقافة في ريف دمشق ليلى الصعب إن المهرجان عبّر عن وعي الشعب السوري تراثه وضرورة المحافظة عليه واستثماره بوجه العاصفة التي تهبّ علينا وتحاول أن تأخذ منّا ما ورثناه من الآباء والأجداد. مضيفة أن دور المؤسسات الثقافية يقوم على تقديم نشاطات تتلاءم مع طبيعة أبناء كل منطقة.

ربابة ومبارزات شعرية

وكان المهرجان قد شهد في يومه الثاني أمسية زجلية بمشاركة الشاعر عجاج حماد وجوقة «المرايا».

وقدم المشاركون في الأمسية مجموعة من القصائد والأغاني التراثية التي عبّرت عن حبهم لوطنهم ومدى تمسكهم بالعادات والتقاليد الاجتماعية الموروثة التي تحمل القيم والصفات النبيلة.

وغنّى الفنان عجاج حماد مجموعة من النصوص الزجلية التي التزمت بتراث السويداء العريق وعاداتها وتقاليدها، بمرافقة أنغام الربابة الشرقية، فقال في نصّ عنوانه «يا سارياً عبر الفجر»:

يا سارياً عبر الفجر

روح وشوف ديارنا

تلقّن البنادق والذخر

نعزّ الدخيل وجارنا

الخيل والبنّ العطر

نقري بيه زارنا

تاريخنا عزّ وفخر

حنّا بنينا سوارنا

بالدم بدّلنا الحجر

نكتب بها عسوارنا

أما جوقة «المرايا» فأدت مجموعة من الزجليات المختلفة في معانيها على شكل المبارزة الشعرية والمعبّرة عن بعض المعاني الاجتماعية، وذلك بمصاحبة إيقاع الرقّ وعزف العود. إذ حاول الشعراء يحيى ورور وأيهم الخطيب وعهد المتني وجمال أبو قيس أن يخرجوا من الإطار الذاتي إلى الإطار العام في المواضيع التي اختاروها.

وعن أيام المهرجان ومشاركاته قال القاضي والباحث ربيع زهر الدين رئيس مركز الدراسات والبحوث التوحيدية: يؤدّي هذا المهرجان دوراً اجتماعياً بصفته يجمع مختلف الشرائح والأنماط الزجلية التي تعبّر ببساطة عن مختلف فئات المجتمع السوري وتطلعاته بشكل عفوي قريب. إضافة إلى تنوّع مواضيع المهرجان ليكون عبارة عن حالة تدلّ على الألفة أكثر من دلالتها على أيّ أمرٍ آخر.

أما سعيد السعدي، المتخصّص بصناعة الربابة فقال: أدّى استخدام الربابة بشكل واضح من قبل الشعراء المشاركين في المهرجان إلى إثارة مشاعر الحضور نتيجة انسجامها مع نصوص اللهجة المحكية التي ألقاها المشاركون والتي تحمل مضامين متنوعة اجتماعية وإنسانية.

في حين دعت الإعلامية سمر محمد إلى تكرار هذا المهرجان الزجلي في كلّ المحافظات وبمشاركة الزجالين على مختلف صنوفهم لتوثيق الروابط الاجتماعية والأخوية التي شاهدناها في مهرجان الزجل الأول في جرمانا. وبذلك تكون وزارة الثقافة قد حقّقت ظاهرة أدبية جديدة لها أهميتها الثقافية على الصعيد الوطني، إضافة إلى دورها الرائد في إحياء تراثنا.

أما الباحث بسام عبيد فأشار إلى أنّ كلّ فنان شارك في هذا المهرجان امتلك شخصية فنية تختلف عن الآخر، ونظرة خاصة يؤكد بها وجوده الفني عبر أدوات لا تخلو من الموسيقى، معتبراً أن أهمّ ما يميّز هذا النمط الزجليّ تعمّقه بالقيم الأخلاقية كالشجاعة والكرم والفروسية والقيم الوطنية والتمسك بالوطن والدفاع عنه، لخلق حالة من الحماسة والحميّة الوطنية التي تذود عن الأرض والعرض والمقدّسات.

وخلال الأمسية تميّز عجاج حماد بالتزامه الموسيقي الذي كان من مكوّنات نصّه الذي غنّاه. على آلة الربابة مع التزامه أيضاً بوحدة الموضوع وتماسكه. في حين لم تتمكن جوقة «المرايا» من تحقيق هذا التوازن أو الالتزام الكامل بموسيقى الشعر، مكتفية بالقافية والأداء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى