«شذرات غياب»… رسائل وجدانية من امرأة إلى زوجها الجنديّ

صبا العلي ـ إيناس سفان

تحتكم الكاتبة ربا أحمد حسن في أماكن كثيرة من يومياتها، إلى شعور الأنثى الصادق المرهف الشفّاف، لترسله إلى زوجها المقاتل الشجاع في صفوف الجيش السوري، بعدما طال غيابه عن بيته. فجاءت نصوصها الأربعة والعشرون التي شكّلت كتاب «شذرات غياب»، رسائل أدبية تحكي لسان حالها وأطفالها مخاطِبة زوجها بنصوص مؤثّرة امتزجت فيها العاطفة بالعقلانية، بعد أن بقي أمامها خيار وحيد… ألا وهو البقاء للوطن.

وترتقي رسائل الكاتبة ربا في غمرة الأدب لتغدو كقصص قصيرة، كلّ واحدة منها تؤسّس لعلاقة حميمة بين زوجين فرّقتهما الحرب وجمعهما حبّ الأرض والكرامة والوطن، حتى غدا القاسم المشترك الأعظم الذي جمع المعاني السامية والعلاقة الطيبة والحبّ والتضحية بين شريكين تقاسما العزم على تأسيس أسرة سورية تنتمي بكل القيم إلى هذه الأرض الطاهرة. ويوم آن أوان الذود عن حماها، جمع الزوج ملابسه في حقيبة سفر وترطّب بدموع ربا وحضن طفليه مودّعاً.

بين الرسالة الأولى التي تحمل حزن الفراق وألمه، والأخيرة التي تحمل كلّ الفرح بالعودة إلى حضن الأسرة، تكمن معاني النصر المأمول. فيما تحتضن الرسالتان كلّ المعاناة التي واجهتها ربا وكلّ معاني الحبّ الذي تفجّر في صدرها توقاً لحضور زوجها إلى منزلهما بين طفليه، وكأنها تتحدّث بلسان كلّ امرأة سورية مخلصة أبية، عشقت زوجها، إلا أنّ عشقاً أكبر أثلج صدرها، فجاءت أمثولة لكلّ نساء العالم بصبرها ونضالها في أسرتها وعملها وقيمها.

وتختار ربا لغتها وتعابيرها بأناقة، إلا أنها ليست انتقائية بقدرعفويتها. فهي تكتب كما تشعر، وتدوّن حواراتها الداخلية مباشرة، وهذا ما منح رسائلها الصدق. كما أنّها تسافر مع زوجها وتعايشه في ساحات المعركة، وتتحسّس أشياءه بشفافية الحلم كما في قولها:

سمعت صوت حفيف أصابعك على جسد البندقية

شممت رائحة التراب المغمّسة بقطرة عرقك النديّة

رسائل ربا الشخصية تتضمّن فكرة تشبّع بها معظم السوريين، والمتمثلة بإيمانهم بالنصر، ما منحهم الصبر والصمود في وجه هذه الحرب الظالمة، خصوصاً المرأة السورية التي شكّلت جزءاً مهماً من إقبال الرجل الأخ والزوج والإبن على خوض غمار الحرب والدفاع عن الكرامة والعرض، من خلال علاقتها بأسرتها وعملها.

أكثر الصعوبات التي واجهت ربا إفهام طفليها معنى الإرهاب الذي ذهب والدهما لمواجهته. وفي ذلك تقول:

أحبائي، بابا يقاتل الأشرار

من هم الأشرار؟

أناس سيّئون يحاولون سرقة أحلامنا

ولماذا؟

لأنهم لا يملكون أحلاماً سعيدة

لماذا لا يطلبونها فنعطيهم بعضاً منها؟

وتكثر أسئلة طفليها وتضيع الإجابات في زحمة التفاصيل اليومية.

فيما تحمل رسائلها معظم التفاصيل اليومية التي تحتضن معاناتها كما كلّ النساء في غياب الزوج، وكلّ المسؤوليات التي لم تتخلّ لحظة عن أدائها. وهذا جزء مهمّ من الصمود في وجه هذه الحرب. تقول:

أحاول بكلّ ما منحتني من قوة ومسؤولية ألا تغيب شمس النهار عنهما

أنا عالمهما كبيراً وصغيراً

أجمل ما تضمّنته رسائل ربا، نفحات الحبّ الذي بدا سلاحاً في وجه كلّ الصعوبات، وغدا ثقافة في مواجهة الكراهية والإرهاب، لا مجرّد علاقة حميمة ارتبط بها اثنان. فاقترنت لفظة «حبيبي» بالوطن لدى مخاطبتها له في مطلع بعض الرسائل. تقول:

حبيبي ووطني، فالحبّ والوطن صنوان لا ينفصلان.

يذكر أن كتاب «شذرات غياب» من إصدار «دار حوار للنشر والتوزيع» في اللاذقية، ويقع في 94 صفحة من القطع الوسط، ضمّت 24 رسالة. والكاتبة ربا أحمد حسن، تحمل إجازة في اللغة العربية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى